أزمة مضاعفة في المدن
عـشـرات املـدرسـني. وفـي قرية قريبة بنفس منطقتنا، يسلم تجار وعــدد من املغتربني رواتب منتظمة للمدرسني العاملني في عدد من املــدارس، والذين انقطعت رواتبهم قبل سبع سـنـوات، كما قـامـوا بإنشاء صندوق خــــيــــري لــــعــــاج املــــرضــــى والـــــفـــــقـــــراء، وهــــذا يــســاعــد الــكــثــيــر مـــن املـــحـــتـــاجـــني». يـوضـح نصر: «التكافل االجتماعي بني الناس هو مـا يبقي األمــل حيًا فـي الـبـاد، وهــو سبب بــقــاء مــايــني الـيـمـنـيـني فـــي مـنـاطـقـهـم رغـم الــحــرب وانــقــطــاع الـــرواتـــب، فــلــوال التكافل لنزح أو هاجر املايني كما حـدث في بقية البلدان التي شهدت حروبًا مشابهة». وخـــال الــســنــوات املــاضــيــة، شكلت الـحـرب فئات جديدة من املحتاجني، وكانت املناطق الريفية مـن بـني األكـثـر احتياجًا، إذ كانت املــكــان اآلمــــن لــنــزوح الـكـثـيـر مــن املـواطـنـني مــن املــــدن، بعضهم بسبب اشــتــداد الـحـرب في األحياء السكنية، وآخــرون بسبب عدم مــقــدرتــهــم عــلــى تــوفــيــر مـتــطـلـبــات الــحــيــاة االســـتـــهـــاكـــيـــة فـــــي املــــديــــنــــة، ومــــــن بـيـنـهـا إيجارات املنازل، أو بسبب انقطاع رواتبهم. وجـــعـــلـــت األوضــــــــاع املــعــيــشــيــة املـــتـــدهـــورة فئات واسعة من املجتمع تحت خط الفقر، يـعـيـشـون بـالـحـد األدنــــى مــن األســاســيــات، كما تسبب انهيار الدولة في حرمانهم من الكثير من الخدمات التي كانت تقدم بتكلفة معقولة، ومن بني الفئات التي دخلت إطار الحاجة األكاديميون واملعلمون واملوظفون الحكوميون، وجميعهم انقطعت رواتبهم، واضطروا إلى بدائل صعبة لتوفير نفقات مــعــيــشــتــهــم. يـــقـــول الـــبـــاحـــث االجـــتـــمـــاعـــي، ســـلـــيـــم مـــصـــطـــفـــى، لـــــ«الــــعــــربــــي الــــجــــديــــد»: «دمرت سنوات الحرب ما تبقى من الطبقة الوسطى في املجتمع، والتي كـان لها دور بــالــغ األهــمــيــة فـــي االســـتـــقـــرار االقــتــصــادي واالجتماعي، وربما تعد تلك إحدى الكوارث الكبيرة التي أفرزتها الحرب، وستكون لها تـبـعـات عـلـى املستقبل ألن نخبة املجتمع أصبحوا فقراء». يضيف مصطفى: «خال السنوات املاضية، تـحـول عاملون فـي قطاعات عــدة إلــى مهن أخـــــرى بــعــيــدة عـــن مـهـنـهـم الــتــقــلــيــديــة، من بــيــنــهــم املـــعـــلـــمـــون، وحـــتـــى الــصــحــافــيــون، والـــكـــثـــيـــر مــــن هــــــؤالء أصـــبـــحـــوا يــعــتــمــدون فــــــي املــــعــــيــــشــــة عــــلــــى مــــــــبــــــــادرات الـــتـــكـــافـــل االجـتـمـاعـي الـتـي تـوسـعـت، بـاإلضـافـة إلى دعــــم املــنــظــمــات اإلغـــاثـــيـــة». ويـــــرى الـعــامــل فـــي املـــجـــال اإلنـــســـانـــي ســامــي عــبــد املـجـيـد أن «تــراجــع املــســاعــدات سببه أن الـعـالـم لم يعد اليمن أولــويــة بالنسبة لــه، باإلضافة إلـــــى أن قـــيـــود الـــحـــوثـــيـــني جــعــلــت الــكــثــيــر مــــن املـــنـــظـــمـــات تــبــحــث عــــن مـــنـــاطـــق بـديـلـة
يعد التكافل االجتماعي ناجعًا في كثير من المناطق الريفية، في حين يعاني اليمنيون في المدن الرئيسية، حيث الكثافة السكانية أكبر، من أزمات مضاعفة، إذ تقلصت المساعدات الغذائية التي توزعها المنظمات الدولية، فضًال عن القيود التي تفرضها جماعة الحوثي على عمل المنظمات، وحتى على المبادرات المحلية التي يمولها تجار ومغتربون.
للعمل، وهـذا أثـر على كثير من املحتاجني للمساعدات». مضيفًا لـ«العربي الجديد»: «يفرض الحوثيون على التجار في مراكز املـــــدن أن يـــوزعـــوا املـــســـاعـــدات والــصــدقــات عبر أجهزتهم، وحتى املــبــادرات الشبابية التي كانت تــوزع مساعدات، وتعتمد على املغتربني في تمويلها، ال تستطيع العمل مــن دون إشــرافــهــم، رغـــم انــهــا كــانــت تعمل بشكل كبير على تخفيف معاناة الناس». وترى سلطات جماعة الحوثي ضرورة في أن يـتـم تــوزيــع املــســاعــدات عـبـر املـؤسـسـات الـــتـــابـــعـــة لـــهـــا، مــــن أجـــــل تــنــظــيــم الـــتـــوزيـــع، وضـمـان توزيعها بـالـتـسـاوي. فـي املقابل،
يحتاج 17 مليون يمني إلى مساعدات إنسانية وفق التقديرات األممية
يــعــتــقــد نــــاشــــطــــون وعــــامــــلــــون فــــي املـــجـــال اإلنـسـانـي أن الجماعة تستغل املـسـاعـدات فــي الــحــرب، وفـــي تـقـريـر صـــادر عـــام ،2018 اتهم برنامج الغذاء العاملي جماعة الحوثي بأنهم «يسرقون الغذاء من أفواه الجائعني». ووفـــق تـقـديـرات أمـمـيـة، يحتاج 17 مليون يمني إلــى مـسـاعـدات إنـسـانـيـة، ورغـــم ذلك تــحــدثــت مـــســـاعـــدة األمـــــني الـــعـــام لــلــشــؤون اإلنــســانــيــة جــويــس مــســويــا، فـــي منتصف مــــــــارس/ آذار املـــــاضـــــي، خــــــال إحــاطــتــهــا ملجلس األمـــن، عـن أخـبـار إيجابية، وقالت إن «عــدد الجوعى فـي اليمن تقلص بنحو مليوني شخص، وبدأ تراجع مؤشر تقييم األمــن الغذائي من الـدرجـة الخامسة، وهي األعلى، ونأمل في أن يصل إلى الصفر». وشـــددت املسؤولة األممية على أن «اليمن ما زال يمثل حالة طـوارئ هائلة، ولكن في كثير من األحيان، ال تمتلك الوكاالت األممية ما تحتاجه لتوفير املساعدة»، مشيرة إلى أن «التحديات املتعلقة بالوصول، واألمـن، والـــتـــمـــويـــل، واملـــشـــاكـــل االقـــتـــصـــاديـــة تـدفـع املزيد من الناس إلى حالة العوز».