Al Araby Al Jadeed

محمد فتيان تجربتي في تدوين التراث السوري مرتبطة بالحنين

عادة، تحضر آلة الناي كمرافقة في التخت الشرقي. لكن، مع الموسيقي السوري محمد فتيان يختلف األمر؛ إذ حول الناي إلى عنصر تأليفي، فكتب له مقطوعات خاصة، كما جعله

-

اســتــوفـ­ـى عــــازف الـــنـــا­ي الـــســـو­ري، مـــحـــمـ­ــد فــــتــــ­يــــان، شـــــروطـ­ــــا قــدمــتــ­ه كــواحــد مــن أهـــم الـعـازفـي­ـن الـعـرب لــــآلـــ­ـة الــــشـــ­ـرقــــيــ­ــة. تـــلـــقـ­ــى فـــتـــيـ­ــان دراســــتـ­ـــه األكــــاد­يــــمــــ­يــــة لـــلـــنـ­ــاي فــــي الـــمـــع­ـــهـــد الـــعـــا­لـــي للموسيقي في دمشق. وخالل فترة وجوده فــي ســـوريـــ­ة، شــــارك فــي فـعـالـيـا­ت أقـامـتـهـ­ا األوركـــس­ـــتـــرا الــســيــ­مــفــونــ­يــة، كــمــا كــــان أول عـــازف للناي ينضم إلــى أوركـسـتـر­ا الجاز الــوطــنـ­ـيــة لــــدى تـأسـيـسـه­ـا فـــي عــــام ،2006 وعــــــزف فــــي ســــوريــ­ــة مــــع الـــعـــد­يـــد مــــن فـــرق األوركــــ­ســــتــــ­را الـــغـــر­بـــيـــة. لــــدى انـــتـــق­ـــالـــه إلـــى

ألمانيا في عام ،2010 أطلق العازف الحلبي مشروعه المهم في دمج موسيقاه العربية مع موسيقى الجاز. إلى جانب ذلك، يعمل فتيان حاليا على تدوين التراث الموسيقي الـسـوري. حـول تجربته ومـشـروعـه، أجـرت «العربي الجديد» معه هذا اللقاء.

¶ كيف كانت البدايات؟

جاءت البداية صدفة، حين كنت في الـ61. كنت أسـيـر فـي منطقة حـي الـفـرج بمدينة حــــلــــ­ب. قـــابـــل­ـــت بــــائـــ­ـع نــــايـــ­ـات يــــعــــ­زف عـلـى الطريق، شدني الصوت، ليلمحني شخص

بـجـانـبـه رغــبــنــ­ي فــي شـــراء اآللــــة. وبالفعل قمت بذلك، بعدما أوهمني أنني أستطيع العزف عليها بمجرد النفخ فيها. مع ذلك، أقـــول دائــمــا إن الــرجــل، مــن دون أن يـــدري، باعني مستقبلي. انطلقت بالناي وحاولت الـــعـــز­ف عــلــيــه. لــكــن لـــم تــنــجــح مــحــاوال­تــي بــالــطــ­بــع، لـيـوجـهـن­ـي جـــــاري عـــــازف الــنــاي إلـــى بــاحــث مـوسـيـقـي مـــعـــرو­ف فـــي مدينة حـــلـــب، اســـمـــه مــحــمــد الــــقـــ­ـصــــاص، تـــدربـــ­ت عــلــى يـــديـــه لـــمـــدة ثــمــانــ­يــة أشـــهـــر، الـتـحـقـت بـــعـــده­ـــا بـــالـــف­ـــرقـــة الـــمـــو­ســـيـــقـ­ــيـــة الـــتـــا­بـــعـــة لــــمــــ­ؤســــســـ­ـة الــــشـــ­ـبــــيـــ­ـبــــة الــــــسـ­ـــــوريــ­ــــة، وهــــي

مؤسسة معنية باستقبال المواهب. ومن خــــال الــحــفــ­ات الـــتـــي كـــانـــت تــقــدمــ­هــا بين الــحــيــ­ن واآلخـــــ­ر، الحـــظ عـــدد مـــن األســـاتـ­ــذة مــوهــبــ­تــي، فــجــعــل­ــونــي أســـاســـ­يـــا فـــي كثير مــن الــحــفــ­ات. وخــــال هـــذه الــفــتــ­رة، أقـامـت «الشبيبة» مسابقة للعزف على مستوى القطر الـسـوري، فــزت فيها بالمركز األول. وهـــذا بالطبع شجعني كـثـيـرا؛ صـــار لـدي طـــمـــوح أكـــبـــر فــــي دراســــــ­ــة الـــــنــ­ـــاي، فـــقـــرر­ت االلـــتــ­ـحـــاق بــالــمــ­عــهــد الـــعـــا­لـــي لـلـمـوسـي­ـقـى إثــر حصولي على شـهـادة الثانوية، ألبـدأ حينها دراستي االحترافية.

أي موسيقي يعيش في بلد غربي، ال بديل له عن إيجاد توافق بين موسيقاه ونظيرتها الغربية. كيف حققت هذا؟ وما الذي رجح لديك موسيقى الروك لتستعملها في هذه المعادلة؟ ما ساعدني على أن أجد صلة بيني وبين الــمــوسـ­ـيــقــى الـــغـــر­بـــيـــة عـــــدة عــــوامــ­ــل، األول واألهم يتمثل في دراستي بالمعهد العالي للموسيقى في دمشق. فإلى جانب آلة الناي، درست البيانو، وتلقيت بالطبع دروسا في الموسيقى الغربية الكاسيكية، كما تعرفت إلـــى الــهــارم­ــونــي. كــل هـــذا عـقـد صـلـة وثيقة بـيـنـي وبـــيـــن الــمــوسـ­ـيــقــى الــغــربـ­ـيــة. وخـــال

يقدم خالل العروض األوركسترا­لية ارتجاالت على آلة الناي

تـلـك الــفــتــ­رة، شــاركــت مــع أوركــســت­ــرا الـجـاز الـسـوريـة لــدى تأسيسها عــام ،2006 ألكـون أول عازف للناي فيها. ومن خالها اكتسبت خبرة مهمة، إذ اهتمت األوركسترا بتطويع األعـــــم­ـــــال الـــعـــر­بـــيـــة وتـــوزيــ­ـعـــهـــا لــتــتــن­ــاســب وموسيقى الجاز. كما حرصت كل عام على استضافة عدد من الموسيقيين العالميين، ليسهموا فــي أعــمــال األوركــسـ­ـتــرا. فــي هـذه الـــفـــت­ـــرة أيــــضـــ­ـا، تـــحـــدي­ـــدا بــيــن عـــامـــي 2005 ،2010و دعيت للعزف في أكثر من أوركسترا غــربــيــ­ة، كــل ذلـــك جـعـل لـــدي مــخــزون جاهز ســـاعـــد­نـــي عــلــى الـــبـــد­ء فــــــورا فـــي مــشــروعـ­ـي لــدى انتقالي إلــى ألـمـانـيـ­ا، مـن خــال دعـوة تلقيتها مـن أحـد المهرجانات الموسيقية هناك. حينها، اجتمعت بصديق موسيقي ألماني، طلبت منه أن يساعدني بمشروعي فـــي مــــزج الــمــوسـ­ـيــقــى الــعــربـ­ـيــة ومـوسـيـقـ­ى الـروك. أما اختياري للروك تحديدا؛ فألنها قــريــبــ­ة جـــــدا إلـــــي، وتــحــرضـ­ـنــي دائـــمـــ­ا على الــكــتــ­ابــة لـــهـــا. بــالــفــ­عــل، ســـاعـــد­نـــي صـديـقـي في العثور على العازفين الذين احتجتهم لـلـبـدء، لتضم الـفـرقـة ثـاثـة عـازفـيـن؛ واحــد للباص وثــان للغيتار وثالث على الدرامز. كـنـا نجتمع مـرتـيـن فــي الـسـنـة لــمــدة ثاثة أيــــام فـــي كـــل مــــرة، أكــــون خــالــهــ­ا قـــد كتبت اللحن لنقوم بتوزيعه. وبعد ثاث سنوات، أنتجت أول ألـبـوم لـي، هـو «فـضـاء شرقي». كذلك، دعيت خال تلك الفترة إلى العزف مع األوركسترا البلجيكية الرسمية في عدد من حفاتها، وعزفت أيضا مع أوركسترا للجاز فـــي ســويــســ­را. كـــل هـــذا جـعـل لـــدي حصيلة كبيرة ألتقدم بموسيقاي الخاصة.

هل لك أن تعرفنا إلى تجربتك في تدوين التراث الـسـوري؟ ومـا هي بصفة عامة الموسيقى التي تميل إلى عزفها؟ * تــجــربــ­تــي فــــي تــــدويــ­ــن الــــتـــ­ـراث الـــســـو­ري مرتبطة بالحنين، خاصة التراث الحلبي، الذي درجت عليه في حفات أعراسنا وفي مـنـاسـبـا­تـنـا الـمـخـتـل­ـفـة. كــانــت الموسيقى جزءا أساسيا من حياتنا، لذلك تدوين هذا الـتـراث وعـزفـه أمـر محبب لـي كثيرا. وبعد اسـتـقـرار­ي فـي ألمانيا، صــار الحنين إليه أكــبــر، ومــن خــال «فـتـيـان أكــاديــم­ــي»، وهي أكاديمية أعمل على تأسيسها حاليا، بدأت فــي تــدويــن الموسيقى الـتـراثـي­ـة الـسـوريـة، فــالــتــ­دويــن يــخــدم هــدفــا تـعـلـيـمـ­يـا، وقـريـبـا سيتوافر عدد كبير من المقطوعات التراثية الـــســـو­ريـــة عــلــى مـــوقـــع «فــتــيــا­ن أكـــاديــ­ـمـــي». وبالنسبة للموسيقى التي أفضلها، فأميل أكثر إلــى الموسيقى العربية، ألنــي مثلما أخــبــرتـ­ـك، نــشــأت عـلـى الـكـاسـيـ­كـيـات، مثل أعمال أم كلثوم وعبد الوهاب، كذلك التراث السوري وباألخص الحلبي، هو األقرب إلي.

مقطوعة «جنون الناي» التي عزفتها مع إحدى فــرق األوركــسـ­ـتــرا، هــل هـي مـجـرد ارتـــجـــ­االت؟ أم بداية لمشروع موسيقي جديد؟ * هـــي ارتــــجــ­ــال عـــفـــوي، أديــــتــ­ــه أثـــنـــا­ء حفل ألوركــســ­تــرا هـولـنـديـ­ة فــي مـديـنـة روتــــردا­م، حين طلب مني المايسترو أن أقــدم بعض االرتـــــ­ــجـــــــ­االت فـــــي مــــقــــ­دمــــة أحـــــــد األعـــــم­ـــــال. بـصـراحـة، أحـبـبـت أن أعـــزف شيئا خـارجـا عـن الـمـألـوف، فأغمضت عيني وبـــدأت في الـــعـــز­ف، ألكــــرر هـــذا الـــنـــو­ع مـــن االرتـــجـ­ــاالت الـــتـــج­ـــريـــبـ­ــيـــة مــــــع أوركــــــ­ســــــتــ­ــــرا تـــريـــك­ـــســـتــ­ـا األلمانية، التي اعتادت على دعوة عازفين مــن جـنـسـيـات مختلفة، مــن ثــم وجــهــت لي الـــدعـــ­وة كــعــازف عــربــي. وأواظـــــ­ب مـنـذ ذلـك الـــيـــو­م عــلــى تــقــديــ­م هــــذه االرتـــــ­جـــــاالت عبر 5 إلــــــى 10 حــــفــــ­ات تــقــيــم­ــهــا األوركــــ­ســــتــــ­را األلـمـانـ­يـة سـنـويـا. «جــنــون الـــنـــا­ي» تجربة جاءت صدفة، ثم تحولت إلى نواة مشروع لـلـمـوسـي­ــقـى الـــمـــع­ـــاصـــرة أقـــدمـــ­ه مـــن خــال الناي، وأتمنى تكرار األمر الذي ما زال قيد التجريب، مع الموسيقى العربية.

حدثنا أكثر عن مالمح هذا األسلوب الجديد؟

* أخـــــــذ­ت جــــمــــ­ا مـــــن الـــمـــو­ســـيـــقـ­ــى الـــغـــر­بـــيـــة وعزفتها بطريقة غير تقليدية. يعني، مثا، حــيــن أعــــزف الـــنـــا­ي، ال أفــكــر فـــي أنــــي أعــــزف، ففي لحظة أقلد صـوت عصفور، وفـي أخرى أقلد صوت الماء، وفي ثالثة صوت الغيتار. أحــاول بذلك االبتعاد عن االعـتـيـا­دي، وكسر روتين العزف، فهو أمر مطلوب جدا في هذا األسوب الجديد، وهذا حتى يأتي العزف، في كل لحظة، على غير المتوقع. تلك هي المامح األساسية لهذا األسلوب، وهو قيد التجريب. وحاليا أعمل على تطويره عبر الحفات التي أقدمها مع أوركسترا «تريكستا».

 ?? ??
 ?? (فيسبوك) ?? يؤسس أكاديمية تهتم بتدوين التراث الموسيقي السوري
(فيسبوك) يؤسس أكاديمية تهتم بتدوين التراث الموسيقي السوري
 ?? (تورسن ردلر) ?? جعل من الناي عنصرًا مهمًا في فرق األوركسترا
(تورسن ردلر) جعل من الناي عنصرًا مهمًا في فرق األوركسترا
 ?? (روبرت لوكاس) ?? محمد فتيان: في لحظة أقلد صوت عصفور وفي أخرى أقلد صوت الماء
(روبرت لوكاس) محمد فتيان: في لحظة أقلد صوت عصفور وفي أخرى أقلد صوت الماء

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar