الصومال: رئاسة شيخ محمود
جولة رابحة بمواجهة «الشباب» في العام األول
بعد عام على تسلمه رئاسة بالده في 15 مايو/ أيار ،2022 نجح الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في تحقيق إنجازين أساسيين: األول، الحّد من نفوذ «حركة الشباب» بعد توجيه الجيش ضربات عسكرية لها في مناطق عدة في البالد، ما سمح بتحسن الوضع األمني،
لـــــم يــــكــــن الـــــعـــــام األول مـــــن حــكــم الــــرئــــيــــس حـــســـن شـــيـــخ مــحــمــود الصومال، بعد توليه منصبه في 15 مايو/أيار ،2022 سهال، في ظل تحديات ضخمة واجهتها الحكومة الفيدرالية، لكنها نجحت في تحقيق إنـجـازات مهمة، أبرزها طــــرد «حـــركـــة الـــشـــبـــاب» املــرتــبــطــة بتنظيم «القاعدة» من 70 منطقة (بن بلدة ومدينة)، مـــن بـيـنـهـا جـــيـــوب ســاحــلــيــة اسـتـراتـيـجـيـة مــطــلــة عــلــى املــحــيــط الـــهـــنـــدي كـــانـــت تــغــذي شــريــان الـحـركـة بــالــســالح، وتــشــكــل مـصـدرًا كبيرًا للدخل للحركة. يضاف إلى ذلك فرض طوق أمني في العاصمة مقديشو بعد نشر نحو ثـالثـة آالف جـنـدي فـي مـداخـل املدينة وتقاطعاتها الرئيسية، ما أعاد الهدوء إلى عاصمة كـانـت مفخخات املـــوت طقسا شبه يـــومـــي فــيــهــا مـــنـــذ ســــنــــوات. وفـــــي الـــســـيـــاق، أعــلــنــت الــحــكــومــة الــفــيــدرالــيــة، مـطـلـع مـايـو الحالي، عن تقلص مستوى حجم هجمات حركة الشباب بنسبة 70 في املائة، وذلك بعد نـشـر قـــوات عسكرية جــديــدة فــي العاصمة. وقــال وزيــر اإلعــالم الصومالي داود أويـس، فـــي مــؤتــمــر صــحــافــي فـــي مــقــديــشــو أخـــيـــرًا، إن «األجــــهــــزة األمــنــيــة الــصــومــالــيــة تمكنت مــن إحــبــاط هـجـمـات الـحـركـة اإلرهــابــيــة في مناطق متفرقة من البالد». وقـــــال رئـــيـــس الــحــكــومــة الــفــيــدرالــيــة حـمـزة عبدي بـري، الخميس املاضي، إن حكومته تتطلع إلـى ضبط أمـن العاصمة، والقضاء عــلــى الـــتـــهـــديـــدات األمـــنـــيـــة، وإعـــادتـــهـــا إلــى واحـــــــــدة مـــــن أجــــمــــل الــــعــــواصــــم األفـــريـــقـــيـــة وأكـثـرهـا أمـنـا، كما كـانـت فـي الثمانينيات من القرن املاضي، وهذا بعد بذل املزيد من الجهود األمنية ملكافحة اإلرهــاب والقضاء على املخدرات في العاصمة، وفقا له. ويشير مراقبون إلى أن العام الرئاسي األول لشيخ محمود (تستمر واليته 5 سنوات حتى عام ،)2027 شهد أيـضـا تـراجـع حــدة الخالفات الــــســــيــــاســــيــــة بــــــن الـــــــواليـــــــات الــــفــــيــــدرالــــيــــة والحكومة املركزية، التي كانت تـدور حول آلــيــة االنــتــخــابــات املـحـلـيـة وتــقــاســم املــــوارد واملناصب في الحكومة، على الرغم من أن العالقة مع واليـة بونتالند ال تـزال متوترة نتيجة خالفات بن رئيسها سعيد عبدالله دني والرئاسة الصومالية. وفي السياق، رأى الصحافي في مركز «آفاق لـإعـالم» نــور محمد جـيـدي، فـي حديث مع «الـعـربـي الــجــديــد»، أن الـرئـيـس الصومالي حــقــق فـــي عــامــه األول مـــن الـــرئـــاســـة تـوافـقـا سياسيا بن الـواليـات والحكومة املركزية، مشيرًا إلـى أن أربــع واليـــات (مـن أصـل 6 في البالد، وضمنها واليـة صوماليالند) تملك عالقة طيبة مع الحكومة، على الرغم من أنه فـــي الــســنــوات األولـــــى مـــن أي عـهـد حكومي يكون الهدوء السياسي سائدًا، قبل نشوب الــــخــــالفــــات فــــي الـــفـــتـــرة األخـــــيـــــرة. وأضـــــاف جــيــدي أن الــرئــيــس يتمتع حـالـيـا بـعـالقـات قــويــة مــع زعــمــاء الـــواليـــات األربـــــع، وتـعـامـل برزانة وسياسة متوازنة معهم، لكن تقييم االستقرار السياسي في الصومال ال يخضع لحسابات العام األول أو األخير. أما أمنيا، فوفق جيدي، نجحت حكومة شيخ محمود بشكل كبير، إذ حــررت أكثر من 70 منطقة، وضبطت أمن العاصمة إلى حد ما، وتخطط اآلن لشن حملة عسكرية ثانية ضد «حــركــة الــشــبــاب». ولــفـت إلـــى أن «الحكومة قطعت شوطا كبيرًا وقصمت ظهر اإلرهاب، بالتعاون مع الـدول املهتمة بالصومال بما
فيها الواليات املتحدة وتركيا، ومن املحتمل أن تــشــارك فــي املـرحـلـة املقبلة دول الــجــوار، لهزيمة حركة الشباب». ووضع ذلك في إطار «خدمة مصالح دول القرن األفريقي وتنمية الــتــبــادل الــتــجــاري بــن دول املـنـطـقـة، فضال عـن تحقيق مزيد مـن املكاسب، تحديدًا في املجالن األمني والتجاري». وفــي السياسة الـخـارجـيـة، لفت جـيـدي إلى أن اإلدارة السابقة خلقت توترات سياسية ودبلوماسية مـع عــدد مـن الـــدول املــجــاورة، وتباينت مواقفها، ما أدى في بعض األحيان
إلى أزمات دبلوماسية بن الصومال والدول املحيطة بـهـا، خصوصا جيبوتي وكينيا، لكنه رأى أن سياسة شيخ محمود الخارجية اتـسـمـت بــالـشــراكــة مــع تـلـك الـــــدول، واتــخــاذ ســيــاســة جـــديـــدة مـــفـــادهـــا «صـــفـــر مــشــاكــل» مع املحيط، وذلــك انعكاسا لرؤية سياسية محورها الرئيسي خلق قنوات تفاهم على املـــســـتـــوى الـــســـيـــاســـي واإلداري والــشــعــبــي أوال، ومـن ثم تحقيق تــوازن في سياساتها الــــخــــارجــــيــــة. وأضــــــــاف جــــيــــدي أن ســيــاســة «تــصــفــيــر األزمـــــــــات» مــــع الــــجــــوار سـتـحـقـق توازنا داخليا، ألن دول الجوار كانت لها اليد الطولى في تأزيم الوضع في الصومال في العقود الثالثة األخيرة، كما نجحت سياسة النأي عن الصراعات اإلقليمية والتوازن بن مصالح تلك الــدول والتجرد في البحث عن املصلحة الصومالية واالبتعاد عن تصادم املصالح بن القوى اإلقليمية. وحـــقـــقـــت الـــحـــكـــومـــة الـــفـــيـــدرالـــيـــة مـصـالـحـة سياسية في واليـة جنوب غربي الصومال، وكانت الخالفات تدور حول آلية االنتخابات املـــحـــلـــيـــة، والــــتــــي أفـــضـــت إلـــــى اتــــفــــاق رعــتــه
بما في ذلك في العاصمة مقديشو، رغم تسجيل ثغرات واختراقات، أما اإلنجاز الثاني فتمثل في تكثيف مساعيه لتطوير سياسة «صفر مشاكل» مع الجوار، وهو ما يتوقع أن تكون لها انعكاسات داخليًا، ال سيما بعد تمكن الرئيس من احتواء خالفات سياسية عدة
الـحـكـومـة الــفــيــدرالــيــة، وهـــو إنــجــاز يحسب لـــهـــا، خــصــوصــًا مـــع تــعــيــني شــيــخ مـحـمـود مـبـعـوثـًا جــديــدًا لـلـتـفـاوض مــع «جـمـهـوريـة أرض الصومال» (صومالياند) االنفصالية غير املعترف بها دوليًا. وفــــــي هــــــذا الــــــصــــــدد، قــــــال جــــيــــدي إن مــلــف املــــفــــاوضــــات مــــع أرض الـــصـــومـــال يـخـضـع لــــلــــحــــســــابــــات الــــســــيــــاســــيــــة فــــــي الـــحـــكـــومـــة الفيدرالية، فكلما كان االستقرار السياسي سائدًا، أمكن التوصل إلى تسوية سياسية مـع هرجيسا (عاصمة صـومـالـيـانـد)، لكن حني يسود العنف السياسي واالضطرابات األمــــــنــــــيــــــة، تـــبـــتـــعـــد هــــرجــــيــــســــا عــــــن مـــســـار املصالحة والـتـفـاوض مـع مقديشو، بحجة أن من تشتعل فيه النيران ال يمكن الجلوس مـعـه. ولــهــذا الـسـبـب، فـــإن شـــرط املـفـاوضـات بــني الـجـانـبـني يكمن فــي اســتــقــرار الجنوب أوال، وبـنـاء نظام سياسي، وهــذا مـا يجعل املحادثات بني مقديشو وهرجيسا مثمرة، عـلـى الــرغــم مــن مـــحـــاوالت الــرئــيــس الـحـالـي املصالحة مع صومالياند. من جهته، اعتبر الباحث في مركز «الصومال
لأجندة» فرحان محمد إسحاق، في حديث مع «العربي الجديد»، أن إنـجـازات الرئيس الصومالي في عامه األول يمكن أن نلمسها فـي املـجـاالت األمنية واملصالحة الداخلية، فهناك هــدوء أمني فـي العاصمة مـع نجاح األجــــــهــــــزة األمــــنــــيــــة فـــــي جــــهــــودهــــا لــتــأمــني العاصمة والـحـد مـن الهجمات االنتحارية التي كانت تـؤرق سكان العاصمة. وأضـاف أن االنــجــاز األهـــم يكمن فــي جـهـود الجيش الـصـومـالـي السـتـعـادة مناطق شاسعة من قبضة «حركة الشباب»، وإعان حرب شاملة ضدها، وهذا يعد إنجازًا كبيرًا في تحجيم نفوذها، تحديدًا اإلعامي أيضًا، وهو إنجاز طال انتظاره في الصومال. أمـا سياسيًا، وفـق إسـحـاق، فقد اتبع شيخ مـحـمـود سـيـاسـة احـــتـــواء أبـــرز السياسيني عـــبـــر تـــعـــيـــني مـــبـــعـــوثـــني ومـــســـتـــشـــاريـــن لـــه، انـطـاقـًا مــن فلسفة ممنهجة لـديـه وهــي أن سفينة حكمه تتسع للجميع، وذلك من أجل اســتــمــالــة أكــبــر قـــدر مـمـكـن مـــن الـسـيـاسـيـني الــبــارزيــن واالصــطــفــاف فــي صــفــوف نظامه الرئاسي. أما في ما يتعلق بملف السياسة الــخــارجــيــة، فـقـد رأى إســحــاق أنـــه ال يوجد حاليًا نزاع دبلوماسي بني الصومال ودول الجوار، بل تحسنت العاقات، خصوصًا مع جيبوتي وكينيا، وتعززت العاقات أكثر مع الـــدول التي كانت قريبة مـن الصومال مثل تركيا وقطر. ووفق إسحاق، فإن ذلك يعني أن ســيــاســة الـــرئـــيـــس الــصــومــالــي منفتحة لـلـجـمـيـع، خــصــوصــًا مـــع دول الـخـلـيـج ذات االهتمام البارز في الشأن الصومالي. وأشــار إلـى أن تضارب املصالح بني الـدول الـخـلـيـجـيـة تـــجـــاه الـــصـــومـــال يـجـعـل شيخ مــحــمــود فـــي مــوقــف صــعــب لــانــحــيــاز إلــى دولــــة خـلـيـجـيـة عــلــى حــســاب أخـــــرى، علمًا أن الــعــاقــات الــدبــلــومــاســيــة بـــني مقديشو وأبوظبي كانت متوترة، لكنها لم تصل إلى درجة قطع العاقات، ثم تحسنت في السنة األولـــى مـن واليــة شيخ محمود، إذ يحاول إمساك العصا من الوسط من دون االرتماء في حضن دولة وخلق أزمة دبلوماسية مع دولـــة أخـــرى. مــن جهته، لفت مـديـر تحرير «شـــبـــكـــة مــســتــقــبــل مـــيـــديـــا» أحــــمــــد عــبــدي عـيـنـب، فــي حــديــث مــع «الــعــربــي الــجــديــد»، إلى أن عملية ضبط أمن الباد وتسلم امللف األمني من القوات األفريقية تواجه تحديات كـثـيـرة بـعـد مـــرور عـــام عـلـى انـتـخـاب شيخ محمود رئيسًا للباد.
جيدي: سياسة «تصفير األزمات» مع الجوار ستحقق توازنًا داخليًا
إسحاق: اتبع الرئيس سياسة احتواء أبرز السياسيين