انتهاكات «الدعم السريع»

لم تتورع قوات الدعم السريع، في حربها مع الجيش السوداني، عن ارتكاب انتهاكات فظيعة بحق املدنيني في الخرطوم وغيرها من املدن السودانية، بما يشمل قتلهم ونهبهم وترويعهم واتخاذهم دروعًا بشرية، والسيطرة على منازلهم وعلى املنشآت املدنية كاملستشفيات واملدارس. وفوق هذا وذاك هناك اتهامات جادة بارتكاب حاالت اغتصاب واعتداء جنسي. يحدث كل ذلك وقيادة قوات الدعم السريع تتدثر بالصمت وتغض الطرف عن تلك االنتهاكات، ولم تفعل شيئًا حتى اللحظة إليقافها، وبالتالي يجعلها متورطة فيها، ولن تفيدها التبريرات املمجوجة بأنها تصرفات فردية. الشعب السوداني، ومنذ تفجر ثورته في ،2018 زاد الوعي لديه بمبادئ وقيم عدم اإلفالت من العقاب. وسيزداد قناعة بتلك املبادئ بعد انتهاكات قوات الدعم السريع التي يجب أن تطاول يد املحاسبة والعدالة املتورطني فيها، طال الزمن أم قصر. وإن عجزت أجهزة العدالة في الداخل عن القيام بدورها املنوط بها، فإن العدالة الدولية متاحة ملالحقة املجرمني أينما كانت مواقعهم ومناصبهم والقوة التي تحرسهم. من الالفت للنظر أن مفاوضات جدة بني الجيش و«الدعم السريع» التي تتوسط فيها الواليات املتحدة والسعودية، لم يرد في بنودها حتى اآلن، ذكر لتلك االنتهاكات بوضوح تام، ولم تتحدث عن التحقيق والعدالة واملحاسبة، وهذا عوار بائن ينبغي على الوسطاء االنتباه إليه وتداركه في املفاوضات الالحقة. فالضحايا لن يرضوا باتفاقيات عبثية تحلحل القضايا الفوقية، وتلبي انشغاالت وهموم جنراالت الحرب وال تكترث للضحايا وما يبرئ جراحهم، ويسترد حقوقهم ويضمن عدم تكرار االنتهاكات. السلطة، التي يتوالها الجيش الذي ما فتئ يصدر البيان تلو البيان عن انتهاكات قوات الدعم السريع، هي كذلك مدانة حتى النخاع ومسؤولة أخالقيًا عما حدث، فكل مؤسساتها، بما في ذلك الجيش والشرطة واملخابرات، عجزت عن حماية املدنيني وهو من أوجب واجباتها. وبما أن الحرب كانت واقعًا منظورًا قبل بدايتها، فلم تلحظ السلطة في خططها أي جزء لحماية املدنيني، وسمح تهاونها وتقاعسها قبل ذلك وهي تمنح «الدعم السريع» مقار تلو املقار وسط املناطق املدنية، بأن تدور الحرب وسط األحياء واملنازل وفوق الرؤوس، وهو أمر يحتاج يومًا ما للتحقيق واملحاسبة السياسية والجنائية، ألنه من الخطل النظر للحرب وانتهاكاتها كحدث عارض، بل هي امتداد لخيبات وأخطاء تاريخية للدولة السودانية وأنظمة الحكم.