Al Araby Al Jadeed

الثقافة العربية في قّمة جّدة

- معن البياري

يربكنا، نحن العاملني في الصحافة، موظفو جامعة الدول العربية، والقائمون على أجهزتها، في القمم العربية، منذ صار التقليد أن يصدر عن كل مؤتمر قمة «إعالن» صرنا نظنه البيان الختامي، فيما هو ليس كذلك، فالبيان هو مشاريع القرارات التي يقرها وزراء الخارجية في اجتماعهم التحضيري، وترفعها أمانة شـؤون مجلس الجامعة، فتصبح قرارات فور أن يلقي عليها القادة العرب نظرة سريعة، وتصير بيانا ختاميا للقمة، ويكون في صفحات عديدة، ال يمكن قراءتها في مؤتمر صحافي، ولم تعد وسائل اإلعـالم تنشره. ومن ذلك أن بيان القمة العربية التي انتظمت في جدة أخيرا جـاء في 109 صفحات. ويبدو أن هـذا الحال هو ما جعلهم هناك يبتدعون فكرة اإلعالن، وغالبًا ما يكون إيجازًا للبيان املطول، وخاليًا من تفاصيل بروتوكولية ومراسمية، فتداولت الصحافة «إعـالن جــدة»، بعد أن طوينا «إعـالن الجزائر» الذي صدر عقب القمة العربية في الجزائر في نوفمبر/ تشرين الثاني املاضي، وإذا كان من سبب نخترعه للثناء على جامعة الدول العربية، ففي الوسع أن نجعله هذا السبب. والفـت إلى حد الفجيعة، أو الطرافة ربما، أو غير الفـت إذا شاء من شـاء، أن البيان الختامي بصفحاته التي زادت عن املائة ال يأتي أبدا على أي من وجوه الشأن الثقافي العربي، ويخلو من أي إشارة أو أي قرار (ولو إنشائيا مكررا ورتيبا) في أي مسألة

ٍّ تخص القطاعات الثقافية العربية، علما أن وزراء الثقافة العرب يجتمعون دوريًا كل عامني، ويصدرون قرارات، يجري رفع بعضها إلى الزعامات العربية. وليست منسية الدعوة في قمة سرت في 2010 إلى عقد قمة ثقافية عربية، ثم نظمت جامعة الدول العربية في العام نفسه لقاء تشاوريا بشأنها، كما نظمت بالتعاون مع الجامعة مؤسسة الفكر العربي واملنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (اإللكسو) اجتماعا تحضيريا لإلعداد لتلك القمة التي لم تنعقد، ولم يكن لها أن تنعقد. وفي الذاكرة أن بيانات قمم عربية، في دمشق وغيرها، ألحت في مقررات بياناتها الختامية، على ضرورة حماية اللغة العربية. ليس مستغربًا، بل من الطبيعي جدًا، أن يخلو بيان قمة جدة مما يأتي الحديث عليه هنا، فالثقافة، باتساعها الذي يشمل إبداعات الفنانني واألدباء، ليست في منت الهم العربي الرسمي العام. ولئن كان لها بعض الحضور في أسطر قليالت في بيانات قمم سابقة، فذلكم من باب اإلنشائيات التقليدية واللوازم الكالمية التي يستعان بها للتدليل على سعة رؤية الحكام العرب. وهذا بيان القمة العربية في دورتها العادية الـ 32 في جدة يخصص فقرة موسعة لـ «متابعة التفاعالت العربية مع قضايا تغير املناخ العاملية»، وأخرى لـ«تعزيز التعاون العربي في مجال األمـن السيبراني وأمـن تكنولوجيا املعلومات واالتـصـاا­لت في إطـار األمـن الدولي» وثالثة لـ«االستراتيج­ية العربية لالتصاالت واملعلومات (األجـنـدة الرقمية العربية 2023 – .»)2033 وليس صاحب هـذه السطور على معرفة بينة بتقارير الخبراء الذين أعدوا مشاريع القرارات في هذه االختصاصات، غير أن في وسعه أن يستشف أن مؤسسات الحكم العليا في البالد العربية حريصة على إيـالء هذه الشؤون ما توجبه عليها من متابعة وتخطيط وتعاون واستراتيجي­ات وغير ذلك مما نتمنى أن يكون على سوية عالية القيمة. اما «إعالن جدة» فإنه يثني على حزمة مبادرات، فهمنا أن العربية السعودية تشرع بها في إطــار رئاستها القمة العربية، إحــدى هـذه املــبــاد­رات «تعليم اللغة العربية لغير الناطقني بها، والتي تستهدف أبناء الجيل (الصحيح الجيلني) الثاني والثالث من املهاجرين العرب، بما يسهم في تعزيز التواصل الحضاري بني الدول العربية والعالم، ويبرز الحضارة والثقافة العربية العريقة واملحافظة عليها». وال يجيز عدم إطالع أي منا على تفاصيل هذه املبادرة، املبتكرة فيما يبدو، أن يحجم عن الثناء عليها، خصوصًا إذا أخذت طرائق تنفيذها كيفيات حديثة ومتقدمة، وإذا ما اشتملت على آليات متابعة وتدقيق. إذن، خالصة الخالصة أن الثقافة بعيدة عن دوائر أهل مواقع القرار األول في بالدنا العربية... ربما هذا أفضل. من يدري؟

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar