Al Araby Al Jadeed

صولجان الدولة

- أحمد سعداوي

تذكرت، وأنا أرى تداول صور عن محاصرة بيت النائب في البرملان العراقي سجاد سالم من قوى مسلحة تستقل سيارات حكومية، وترويع عائلته، تلك األصـوات التي كانت تتعالى عشية انتخابات أكتوبر/ تشرين األول 2021 البرملانية، والداعية إلى مشاركة مكثفة في االنتخابات من أجل تغيير وجوه أحـزاب السلطة بوجوه جديدة شبابية تمثل قيم التغيير، وال سيما ما طرحته تظاهرات أكتوبر/نشرين األول .2019 فسجاد سالم خرج من رحم تلك االنتفاضة، وحافظ منذ األيام األولى لوجوده تحت قبة البرملان على صوت حر مستقل، وتجرأ في أكثر من مناسبة على قول الحقائق التي كان يصدح بها في ساحات التظاهر. ولكن قوى السلطة مستمرة في شيطنته، وال أتصور أنه في وضع مريح. ليس بعيدًا عن سجاد سالم، يجلس نواب آخرون نالوا مقاعدهم البرملانية بأصوات التشرينيني والداعمني للتغيير، وقـدمـوا أنفسهم ممثلني عن مبادئ االنتفاضة، لكنهم يـكـادون يندثرون، وال صـوت لهم، فضال عن صعوبة حساب ما حققوه خالل أكثر من سنة من عملهم البرملاني من إنجازات واضحة. في املحصلة، القوى الداعية للتغيير، والتي تحمست للمشاركة في االنتخابات، هي اليوم إما صامتة وكأنها غير موجودة، أو تسير «جنب الحائط» متحاشية إغضاب أحزاب السلطة املسلحة، أو أنها تندفع، كي تحافظ على املطابقة مع صورتها عندما كانت في ساحات التظاهر، إلى سياسات جريئة، ربما يفسرها بعض الحريصني أنها «سياسات انتحارية» قد تؤدي إلى خسارة هذا النائب الشجاع في لحظة طيش من بنادق الليل املجهولة! بعض ممن كانوا يتابعون أنباء محاصرة بيت النائب سجاد سالم، كانوا يتابعون، األسبوع املاضي، مجريات االنتخابات التركية، بشقيها، الرئاسي والبرملاني، وربما دار في خلد بعضهم سؤال عن االنسيابية العالية التي جرت فيها عملية االقتراع خالل 24 ساعة انتهت بإعالن النتائج، وهذا شيء، بالقياس إلى التجارب االنتخابية العراقية السابقة، يبدو خياليًا. العامل الفارق في الحالتني وجود الدولة، بغض النظر عن تقييمنا الصورة الكلية للتجربة التركية، ومقارنتها بتجارب أمم أخرى، إال أن الدولة بدت وبشكل عياني أكبر من األحزاب املتنافسة في االنتخابات، وأكبر من املتنافسني على الرئاسة، رغم أن أحدهم هو الرئيس الحالي للدولة وكان يحكمها مع حزبه 20 عامًا. ولربما قال أحدهم: ملاذا هذه املشقة في جولة اإلعادة من أجل %1 من األصـوات ال أكثر؟ إنها، في الواقع، مشقة تفرضها سياقات الدولة، فهي الضامن بمؤسساتها ملصالح الجميع، وبغيابها يفقد املواطنون إيمانهم بقدرتهم على املساهمة في الصالح العام، حتى وإن بمجرد اإلدالء بصوت انتخابي واحد. جزء من الذين حاصروا منزل سجاد سالم صدعوا رؤوسنا بـ «الدولة» وكيف أنهم حموا الدولة، ولكن ما هي الدولة التي يتحدثون عنها؟ إنهم، في واقع الحال وبعد التدقيق، يقصدون «السلطة»، والسلطة يمكن أن تتوفر بالدولة ومن دونها. صاحب السالح األكثر يمكن أن يملك سلطة أكبر. األكثر إجرامًا يمكن أن يسيطر على حي كامل من الناس اآلمنني املساملني. هذه السلطة التي تستقوي بالسالح، يمكن أن تحاصر وتهدد عائلة نائب واحد في البرملان، ويمكنها بالسهولة نفسها أن تحاصر بيوت مائة نائب أو مائتني، وهنا لن يكون هناك من معنى لرأي الشعب الذي انتخب هؤالء النواب ليمارسوا السلطة باسمه، فهناك شرعية أخرى موازية، هي شرعية السالح الذي لم يأخذ رأي الناس في وجوده، وإنما فرض نفسه بإكراهات األمر الواقع. هـذا السالح الــذي يستخدم سـيـارات الـدولـة ومالبس الـدولـة وأسلحتها وبطاقات التعريف الخاصة بها يظن أنه الدولة، وال يفهم أنه في األعراف القياسية ألي دولة تحترم نفسها سيساق إلى السجن، ال أن يكرم بصولجان الدولة وتاجها. وأنه في الدولة املحترمة سيحاصر النائب الحر بتشريعاته وقـوة صوته في البرملان هذا السالح املنفلت، ال العكس.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar