Al Araby Al Jadeed

الحّل السوري على الطريقة العربية

- حسان األسود

تــدل الـتـطـورا­ت السياسية فـي امللف السوري على مقاربات مختلفة لألزمة من محورين على األقل، أولهما يتمثل بمسار التطبيع الرباعي الـــذي بـــدأ ثـاثـيـا بــني الـنـظـام وتـركـيـا بقيادة روســيــة، ثـم أضيفت إليه إيـــران التي ال يمكن فـــي أي حـــال تـــجـــاو­ز حــضــورهـ­ـا عــلــى األرض وفي مفاصل صنع القرار السياسي واألمني والعسكري الــســوري. أمـــا الثاني فهو املسار العربي الــذي بـدأ بخطواٍت متسارعةّ تكاد ال تلحقها تـحـلـيـات املــراقــ­بــني واملـتـخـص­ـصـني. لكل من املسارين تعقيداته املختلفة عن اآلخر، فهناك بعض التقارب املرحلي في املصالح بني األقـطـاب اإلقليمية األكـثـر تأثيرًا فـي املنطقة، وهي إيران وتركيا والسعودية، يدفع كل منها ولـحـسـابـ­اتـه الــخــاصـ­ـة إلـــى املـــضـــ­ي فـــي امللف السوري من منظور جديد. وفي املقابل، هناك خافات ال يمكن أغفالها أيضا، من أهمها أن الحضور العربي على األرض مــعــدوم تماما مقابل الحضور التركي الذي يتحكم بمساحة وازنة من الخريطة السورية، ومقابل الحضور اإليـــران­ـــي الــــذي بـــات الـــقـــو­ة األكـــثــ­ـر تــأثــيــ­رًا في عموم مناطق سيطرة النظام، فهل ثمة تعادل في موازين القوى بني هذه املحاور، وهل يمكن لإلغراء باالنفتاح على األســد، أعتى مجرمي الحرب في القرن الواحد والعشرين، وإغرائه بقضايا مثل إعـــادة اإلعـمـار أن يـــوازي باألثر قــوة املليشيات والجيوش املتحكمة بالواقع الـــســـو­ري؟ ثــمــة فــي املــقــاب­ــل تــنــافــ­ر مــصــالــ­ح ال

يمكن إغفاله بني القطبني الدوليني األكبر من جهة، أميركا وروسيا، وبينهما على االتحاد واالنفراد مع القطب الصيني الـذي بدأ دخان تنينه السياسي يتصاعد بقوة في املنطقة من جهة أخـرى. سيعقد هذا التنافر بني األقطاب الــكــبــ­رى كــثــيــرًا جـــهـــود األنــظــم­ــة الــعــربـ­ـيــة في مقاربتها الـخـاصـة بــســوريـ­ـة، لـكـنـه قــد يفتح أمامها في املقابل مروحة واسعة من الخيارات الــجــديـ­ـدة واإلمـــكـ­ــانـــات املـخـتـلـ­فـة. يـهـمـنـا هنا الحديث عن املقاربة العربية باعتبارها األكثر بـــــروزًا. أظــهــرت املـــؤشــ­ـرات األولـــيـ­ــة أن اإلدارة األميركية تغض الطرف مبدئيا عن تحّركات حلفائها اإلقليميني في الـدول العربية، وهي بكل األحــوال ال يمكنها أن تمنع مؤسساتها السياسية األخرى من اتخاذ مواقف مناقضة لسلوكها هـــذا، فـمـشـاريـ­ع الـقـوانـن­ي الـجـديـدة الـتـي تـعـاقـب عـلـى التطبيع مــع األســـد سيف يصنعه الكونغرس، وتجرده اإلدارة أيا كانت، ديمقراطية أم جمهورية، عند الـحـاجـة، كما هـو حــال قـانـون قيصر وغـيـره مـن العقوبات املـخـتـلـ­فـة. وتـبـقـي هـــذه اإلدارة عـلـى مستوى الـخـطـاب الـــذي وســـم مـوقـفـهـا تــجــاه القضية السورية منذ بدايتها على حاله، أي التمسك بالقرارات الدولية ذات الطبيعة املرنة املطاطة التي يمكن أن تركب على كل القياسات، وحسب طبيعة فهم أصـحـاب املصالح املختلفة. هذا يعني، من حيث النتيجة، أن املوقف األميركي هـــو الـــامـــ­وقـــف، ألنـــهـــ­ا بــحــضــو­رهــا املــبــاش­ــر عــلــى األرض مـــن خـــال جــنــودهـ­ـا وقــواعــد­هــا الـعـسـكـر­يـة، ومـــن خـــال حلفائها مــن مجلس

سـوريـة الديمقراطي­ة الـذيـن يسيطرون على أهم مناطق سورية قاطبة، قادرة على اجتراح الحلول للواقع املستعصي، إن أرادت تغيير نهجها، أو على تعطيل أي حل ال يناسبها أو ال يناسب رؤيتها للقرارات الدولية التي تعلن تمسكها الرسمي بها إن أرادت اإلبـقـاء على سياستها الراهنة. مــن دالالت تعقيد املـشـهـد الـــســـو­ري الــراهــن أمــام القمة العربية التي عقدت في جــدة في خضم األمواج اإلقليمية والدولية املتاطمة حـــضـــور الـــرئـــ­يـــس األوكـــــ­رانـــــي، زيـلـيـنـس­ـكـي، ضيف شرف عليها، ولهذا رسائل سياسية متعددة تجاه الـــروس واألتــــر­اك واإليـرانـ­يـني أطـــــراف املــقــار­بــة األولـــــ­ى للتطبيع مـــع نـظـام األســـد مـن جهة أولـــى، فقد اتـهـم زيلينسكي في وقت سابق كا من نظامي املالي واألسد بدعم روسيا في حربها على شعبه، وبدعم الـــجـــر­ائـــم الـــتـــي تـرتـكـبـه­ـا تــلــك الـــقـــو­ات بـحـق مواطنيه وباده. ومن جهة ثانية، ثمة رسالة تقول إن السعودية قادرة على املناورة ليس إقليميا فقط، بـل ودولـيـا وفـي أعقد امللفات الـتـي منها املـلـف األوكـــرا­نـــي األكـثـر سخونة فـــي الـــعـــا­لـــم. قـــد يـــكـــون مـــن شــــأن ذلــــك أيــضــا تهدئة جبهات التحدي التي فتحتها بعض دول الـخـلـيـج مــع الــغــرب بــشــأن مـوقـفـهـا من الحرب الروسية األوكرانية وبشأن تجاوزها املوقف الغربي املعلن من التطبيع مع األسد، واألهــــم واألخــطــ­ر انفتاحها السياسي على الصني وقبولها مبادرات الحل التي قدمتها األخــيــر­ة لـلـخـافـا­ت مــع إيــــران. قـــرأ سـوريـون كثيرون حضور زيلينسكي بأوجه متعددة، ولعل واحــدا من أجمل التعليقات عليها كان وصـف زيلينسكي بأنه الـسـوري الوحيد في القمة، بمقاربة ال تخلو من خيبة أمل شعبية واسعة من املواقف الرسمية العربية املطبعة مقابل موقف زيلينسكي الذي سمى األشياء بـمـسـمـيـ­اتـهـا، هــنــاك مـــن رأى أن دعـــوتـــ­ه إلــى حضور القمة كانت ضربة معلم، حيث أجبرت كل وسائل اإلعام الغربية على تغطية القمة، وحيث خلخلت الحسابات حتى لدى الروس الـــذيـــ­ن امــتــعــ­ضــوا أشـــــد امـــتـــع­ـــاض مــنــهــا. في املـقـابـل كـــان حــضــور أمــيــر قـطـر الـشـيـخ تميم جـانـبـا مــن أعــمــال الـقـمـة ومــغــادر­تــه جـــدة من دون إلقاء كلمة فيها وقبل إلقاء األسد كلمته ومن دون لقائه ذا أثر كبير في نفوس غالبية السوريني املناهضني لألسد ونظامه، ولطاملا شعر هؤالء أن املوقف القطري هو الوحيد الذي احترم معاناتهم وتضحياتهم وآالمهم، وأنه الوحيد من بني املواقف العربية التي ما زالت تأخذ الجانب الصحيح من التاريخ، وتسرد الحكاية السورية كما هي بألسنة الضحايا ال املجرمني القتلة. يتساء ل السوريون الثائرون واملعارضون في سياق هذا السباق املحموم عــن معاني التطبيع مــع األســـد، وهــل يمكن أن يختلف النهج املتبع في حل االستعصاء السوري عن الذي اتبعه الحكام العرب سابقا فــي إنــهــاء الــحــرب األهــلــي­ــة الـلـبـنـا­نـيـة أو في معالجة آثـــار االحــتــا­ل األمـيـركـ­ي للعراق أو في الراهن من معالجة الخافات الليبية أو اليمنية أو السودانية؟ الحل املنتظر سوريا أكــبــر مـــن قـــــدرات الـــعـــر­ب، والـــتـــ­دخـــل املــأمــو­ل سـوريـا أعلى مـن سقف أفـكـار الـقـادة العرب، فالحقيقة التي باتت جلية اآلن أمام الشعوب العربية أن ظـفـر األنظمة ال يمكن أن يخرج مـن لحمها، وهــي إن تنافست فـي مـا بينها على بعض النفوذ، فإنها، في النهاية، تجد مــــن مــصــلــح­ــتــهــا االتــــحـ­ـــاد بـــوجـــه شــعــوبــ­هــا الطامحة للحرية والكرامة والعدالة. أمــا ما يـــراه الــســوري­ــون املـكـلـوم­ـون مــن هــذا الـحـراك العربي، فليس أكثر من مخاض جبل أسفر عن فأر بوجه أسد قبيح سيختفي يوما ما، ونبقى نحن وتبقى سورية.

إن تنافست األنظمة العربية في ما بينها على بعض النفوذ، فإنّها، في النهاية، تجد من مصلحتها االتحاد بوجه شعوبها

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar