في نتائج قمة جّدة
تحتاج قراء ة القمة العربية في جدة إلى تفكيك فـــي تــوقــيــتــهــا، وفـــــي ضـــــوء أي اســتــراتــيــجــيــة تـعـتـمـدهـا، ومـــن خـــال مــا تــتــوخــاه مــن إعـــادة التطبيع مــع الــنــظــام فــي ســـوريـــة، ولـجـهـة ما تحمله مــن صـــور وإشــــــارات مـتـنـاقـضـة، ومـن مفاهيم ومبادئ ال تتصل بواقع أزمات وحروب عاشتها املـنـطـقـة، وإن كـانـت تتصل بتنظيم أوضـــــــاع الـــعـــاقـــات الـــعـــربـــيـــة. لــكــن فـــي أزمــنــة مــتــأخــرة، وفـــي أحـــدث نسخة، مــن أن الرئيس الـــســـوري يمكن تأهيله بـــهـــدوء، وعـــودتـــه إلـى طاولة نظرائه، رؤساء الدول العربية. قد تكون الـقـمـة جـيـدة فــي ظـروفـهـا وســـط تــحــوالت في العاقة السعودية – اإليرانية، في ظروف حرب أوكرانيا وتداعياتها، أزمة السودان، ما تطلب مـن القمة، ومــن السعودية تـحـديـدًا، أن تحدد موقعها اإلقليمي على ضــوء طموحات ولي العهد السعودي محمد بـن سلمان، فـي شأن اإلصــاحــات الـداخـلـيـة، والـتـعـامـل مــع املحيط اإلقــلــيــمــي، فــتــأتــي الــقــمــة رافـــعـــة دبـلـومـاسـيـة للسعودية بوصفها قـــوة نــافــذة، تلعب دورًا في التغييرات الدولية، من موقع نظام إقليمي يتحكم بمصيره، وهي تربط االستقرار واألمن بـالـتـنـمـيـة، لـلـتـفـرغ ملـعـالـجـة أزمـــــات األطــــراف املتأزمة، والتحول من استراتيجية ردع إيران
إلــــى عــمــل دبــلــومــاســي، وعـــاقـــات اقـتـصـاديـة وتــجــاريــة أوســــع مــع الــصــني، وتـطـويـر أدوات ســيــاســة نـفـطـيـة بــاســتــقــالــيــة عـــن واشــنــطــن، علما أن التحوالت، ومنها التحول نحو الطاقة الـبـديـلـة فــي الـعـالـم يــجــري بـوتـائـر أســــرع، ثم هـامـش الـتـحـرك يبقى محليا أكــثــر، وتتوقف األمــــــــور عـــلـــى نـــتـــائـــج خــــطــــوات الســـتـــمـــراريـــة االندفاعة (بدأتها مع سورية منذ سنة وأكثر)، وسياسات تهدئة مـع الــواليــات املتحدة التي تـبـدي انـزعـاجـا مـن تطبيع العاقة مـع إيـــران، ومــع النظامّ الــســوري، وتـفـرض عقوباٍت على أي جهة تطبع معه، ما يعني قرارًا ما بإنهائه. ولكن ال يمكن إضفاء املعاني الطبيعية على براغماتية تقبل بالنفوذ اإليراني في سورية، وبـعـد كـل مـا جــرى مـن أحـــداث ومــن متغيرات الربيع العربي. تــفــســيــرات املــصــلــحــة الــعــربــيــة غــامــضــة، حني تتجاوز مبادئ القانون الدولي وقـواعـده، في إعـــــادة تــكــريــس دور سـلـطـة مــســؤولــة عـــن كل مآسي الــوضــع، واالنـتـهـاكـات القاسية لقوات األســـد فــي سحق انتفاضة الشعب الــســوري، وخــــوض الــحــرب األهــلــيــة الــتــي تــلــت، وإعــطــاء األسـد ما هو بحاجة إليه من أدوات سياسية جــــديــــدة تــســمــح لــــه بـــالـــتـــحـــرك عـــلـــى الــســاحــة الـعـربـيـة، ويــجــدد فيها إعـــان انــتــصــاره على شعبه. هو لم يتبدل، لم يفعل شيئا مهما يذكر،
وال يملك الـقـدرة على تغيير سلوكه وتجاوز املرحلة املتوحشة التي أوجـدت منها موسكو أسطورة تأسيسية من تاريخ الحرب، لخدمة أهـدافـهـا الـخـاصـة، فتدعي أن الـحـرب األهلية كانت صـراعـا بـني األســد والجهادية السلفية الــعــنــيــفــة، فــيــمــا تــتــجــاهــل تــعــقــيــدات الـــصـــراع الجيوسياسي فـي هــذه الــروايــة. دمــر الجيش الــروســي عاصمة الشيشان غــروزنــي فـي عام ،2003 كما فعل في حلب، املدينة األكثر دمارًا (تـــوصـــيـــف األمــــــم املـــتـــحـــدة)، واملـــصـــيـــر نفسه فــي املــــدن األوكـــرانـــيـــة، مــاريــوبــول وخـيـرسـون وباخموت التي تحمل الجروح املماثلة. بني هنا وهناك حيث لم يكن هناك متظاهرون، وال معارضة في عام ،2011 عندما خرج مئات اآلالف مــــن الـــســـوريـــني إلـــــى املــــــدن والــــشــــوارع مطالبني بالحرية، فيجري محوهم من التاريخ. رؤيـــة للتهديد الـــذي يشكله خـطـر األسـاطـيـر واالستنسابات الروسية واإليرانية في مناطق كثيرة. وبهذا املعنى، يبدو التطبيع مع األسد حتميا بشكل متزايد، قائم على إدارة قضايا أمنية، تتعلق بتصدير املخدرات على الحدود األردنـــــيـــــة، وأزمــــــة الـــاجـــئـــني الـــتـــي تـــهـــدد أمــن املحيط، فالسعودية ترى أن بشار األسد «واقع ثابت اآلن على األرض، ويجب التعامل معه في قضايا عــديــدة»، ليس أقلها مئات اآلالف من الاجئني الـسـوريـني فـي الـسـعـوديـة، وقضايا
إنسانية أخرى. يقول دبلوماسيون سعوديون إن ولي العهد محمد بن سلمان «يريد التركيز على إصاحاته االقتصادية، من دون التهديد بـالـحـرب واالضـــطـــرابـــات اإلقـلـيـمـيـة، وعـلـى أن هناك اتجاها متزايدًا في املنطقة، في اإلمارات وعـمـان، بـأن عـزل سورية ال يجدي نفعا». أما مصر، فتخلت بشروط عن معارضتها األسد، لكنها تـريـد على األقـــل إظـهـار الـتـقـدم فـي حل سياسي. حتى تركيا، الداعمة الحاسمة للثوار الــســوريــني، أظــهــرت دالئـــل على أنـهـا قــد تغير
مــوقــفــهــا. واملـــســـألـــة هــنــا غــيــر مــعــيــاريــة، حني ينظر إلى السوريني كأنهم «يريدون استساما كـــامـــا، وهـــنـــاك مـــن يـــمـــزحـــون، حــتــى إنــهــم قد يطلبون اعـتـذرًا مـن األســـد»! قـدمـت املجموعة العربية الكثير من حسن النيات، فيما تعارض دول أخـــرى الـتـقـارب الـسـريـع، مــن بينها قطر والكويت واألردن واملغرب. لقد طلبوا جميعا (مـــاذا سنحصل منهم). إحـــدى نقاط الخاف هـــي تـــجـــارة الــكــبــتــاغــون، صــعــد بــهــا إلــــى قمة جـدول األعمال في مناقشات التطبيع وسيلة ضـغـط. يـقـول مــســؤول عـربـي «ال يمكننا دفع ثمن ذلك». فيما يقول مسؤول آخر «إعادة قبول سورية، في حني أن لدى إيران قواعد في الباد، وتـمـارس نـفـوذًا، من شأنه أن يكافئ طهران». نــظــرة مـفـادهـا بـــأن مـوسـكـو وطـــهـــران تفوقتا على واشنطن في ساحة معركة الحرب الباردة الجديدة. تأمل جامعة الدول العربية اجتماعا عـن قضايا مصالحات يجب التركيز عليها، وقــد يكون مـن الصعب على اللجان املقترحة إحـــراز تقدم كبير فيها. يترك البيان النهائي أسئلة كثيرة مـن دون معالجة، غير واضحة في امللف اليمني، واملليشيات، والحدود، وفي مـسـتـوى الـــــردع األمـــيـــركـــي، مــراجــعــة ملـواقـعـه، والقلق من التمدد الصيني في مياه الخليج... قمة بطموحات مؤثرة.
ينظر إلى السوريين كأنهم يريدون استسالمًا كامًال، حتى إنهم قد يطلبون اعتذرًا من األسد