الزعيم أو الحريف أو المشبوه
انــطــلــقــت الـــــــدورة الــســابــعــة مـــن مـــهـــرجـــان الـــعـــودة السينمائي الــدولــي، أول مـن أمـــس، بالتعاون بني ملتقى الفيلم الفلسطيني، وجامعة فلسطني وسط قــطــاع غــــزة. يـتـضـمـن املـــهـــرجـــان، الــــذي يــقــام تحت شعار «انـتـظـار الـعـودة عـــودة»، العديد مـن األفــالم املتعلقة بقضايا الالجئني الفلسطينيني، وقصص تــهــجــيــرهــم مـــن مــدنــهــم وقــــراهــــم املــحــتــلــة عــلــى يد العصابات الصهيونية عام ،1948 واآلمــال املعلقة عــلــى عـــــودة الـــالجـــئـــني إلــــى أراضـــيـــهـــم، إلــــى جـانـب العديد من األفالم اإلنسانية واالجتماعية املتنوعة. يـتـزامـن انــطــالق مـهـرجـان الــعــودة السينمائي في غزة، مع ثالثة أماكن أخـرى، وهي جامعة فلسطني خــضــوري مــن طـولـكـرم بـالـضـفـة الـغـربـيـة املحتلة، واتــــحــــاد املــــــرأة الـفـلـسـطـيـنـيـة فـــي الـــقـــاهـــرة، وبـيـت الفن الفلسطيني في برلني بأملانيا. ستعرض في التظاهرة 277 فيلمًا، تتحدث بمجملها عن الشتات الـفـلـسـطـيـنـي، مـــن خــــالل قــصــص تــتــنــاول مختلف النواحي اإلنسانية. وقدم الفنانان الفلسطينيان، جواد حرودة وزهير البلبيسي، في حفل إطالق املهرجان، فقرة مسرحية، نـاقـشـا خـاللـهـا شــتــات الفلسطينيني، وحـقـهـم في الـعـودة إلـى قراهم ومدنهم املحتلة، كما تم تقديم القصائد الشعرية، واألغـانـي الوطنية، واللوحات االســتــعــراضــيــة، إذ أدى الــفــنــان زيــــاد القصبغلي
مقطعًا موسيقيًا على آلــة الــعــود، تضمن أغنيتي «زاد أرضي»، و«الوحدة يا شعب... والله طريقنا مر وصـعـب». ويحمل املهرجان فـي نسخته السابعة، مجموعة مــن الـجـوائـز الـتـي ستمنح ألفـضـل فيلم يـتـحـدث عــن عـــودة الـشـعـب الفلسطيني إلـــى مدنه وقراه املحتلة، وتضم جائزة مفتاح العودة ألفضل فيلم وثائقي، وأفضل فيلم روائــي، وأفضل تمثيل رجـــالـــي، وأفـــضـــل تـمـثـيـل نــســائــي، وأفـــضـــل تمثيل طــفــل، وتــحــمــل جـــائـــزة أفــضــل إخـــــراج اســـم املــخــرج الـفـلـسـطـيـنـي الـــراحـــل غـــالـــب شـــعـــت، بـيـنـمـا تحمل جائزة أفضل فيلم إنساني اسم حسن شراب. وتـــرجـــم املـــخـــرج الـفـلـسـطـيـنـي حـــســـام أبــــو يـوسـف مـــعـــانـــاة الــشــعــب الـفـلـسـطـيـنـي بــطــريــقــة مـخـتـلـفـة، مــن خــالل فيلم بـعـنـوان «هـاشـتـاغ غـــزة». ويــقــول لـ «الــعــربــي الــجــديــد» إن الـفـيـلـم اعـتـمـد عـلـى إيـصـال صوت الشعب الفلسطيني للعالم الخارجي بطريقة غير مباشرة، عبر استخدام وسوم مواقع التواصل االجتماعي، والتي تعتبر هامة في إيصال األفكار
يعرض المهرجان 277 فيلمًا من 41 بلدًا عربيًا وأجنبيًا
والــرســائــل نـظـرا لشعبيتها العالية لــدى مختلف الفئات واملجتمعات. ويـبـني أن اسـتـخـدام األدوات الـجـديـدة يـسـاعـد بشكل كبير على نقل مظلومية الشعب الفلسطيني. وجسد فيلم «جسر الـعـودة» الوثائقي للمخرج الفلسطيني عصام بالل، ومدته 22 دقيقة صــراع الشخصيات، عـن طريق مالمسة حياة املهجرات الفلسطينيات، وقد جسد شوقهن وعشقهن األزلي للمدن والقرى الفلسطينية املحتلة. تضمن املهرجان العديد من األفالم االجتماعية، إذ تناول فيلم «مالك» للمخرجة إيمان سلمان مرض السرطان، وتسبب الـحـروب والقذائف املستخدمة فـــيـــهـــا بـــــاإلعـــــاقـــــات، فـــيـــمـــا تــــحــــدث فـــيـــلـــم «بـــوبـــيـــه» للمخرجة دانيا عاشور عن معاناة املرأة العربية. وجـسـد فيلم «الـسـقـوط» للمخرجة صـفـاء الكعبي العديد من القضايا املجتمعية، والحاجة املاسة إلى معالجتها، كما حلت أزمـات الشباب وطموحاتهم فـــي املــجــتــمــعــات الــعــربــيــة ضـيـفـة عــلــى فـيـلـم «آخـــر حلم» للمخرجة مالك عبد الحي. املخرجون الذين تـــشـــارك أفـــالمـــهـــم مـــن املـــهـــرجـــان، مـــن 41 دولـــــة من العالم، إذ وصل إلى التظاهرة من مصر 25 فيلمًا، ومن العراق 15 فيلمًا، ومن املغرب عشرة أفالم، إلى جانب أفالم من تونس، والجزائر، وليبيا، وسورية، واألردن، وموريتانيا، والكويت، وقطر، واإلمــارات، والـــســـعـــوديـــة، والـــيـــمـــن، والـــــســـــودان، ومــــن عــــدد من الدول األجنبية ومنها إسبانيا، وفرنسا، وأملانيا، وإيطاليا، وأرمينيا، وأستراليا، وكندا، والهند.
بمناسبة عيد ميالده الثالث والثمانني، بدا كأن الجميع يلوح له بالوداع. املقصود، هنا، املمثل املصري عادل إمام، األكثر شهرة وانتشارًا في تاريخ السينما العربية، الذي كسر مواصفات النجم، بعد إسماعيل ياسني حتمًا وقبل أحمد زكي، فإذا هو يشبه الرجال الذين تضرب أكتافهم أكتافنا ونحن نمشي في مدننا، املكتظة والبشعة واملتجهمة، والتي تحتاج إلى من يضحكها لتصبح أخف، وعلى بعض التودد ملن صدف أنهم سكانها. عادل إمام فعل ذلك، سواء أحببناه أم ال، سواء نظرنا إليه باعتباره منفذًا ألجندات السلطة في بالده، أم مستغال لحاجة هذه السلطات إليه، ما أتاح له أن يوائم بني طموحه إلنتاج فن يرضيه، وبكثير من شـروطـه، وبني استغالل السلطات لشهرته الطاغية لتمرير بعض مـا تـريـد. مـن بني عشرات النجوم الذين أنتجتهم السينما املصرية في تاريخها، يصح أن نتعامل مع عادل إمام باعتباره ظاهرة وليس نجمًا وحسب، فمعه لم يعد بطل الفيلم وسيمًا بالضرورة، بل واحدًا من الناس، ولم يعد اإلضحاك بهز الجسد أو تغيير مالمح الوجه وإطالق اإلفيهات، بل نتيجة اللعب على تناقضات املوقف. ومعه وسواه بالتأكيد لم تعد السينما جزءًا من أدوات األنظمة للتحكم والسيطرة والتوجيه، بل في حالة اشتباك، وهو ما نجح فيه يوسف شاهني مثال وعاطف الطيب وعلي عبد الخالق، وقلة سواهم، لكن من دون أن يحققوا ما حققه املمثل عـادل إمــام، الـذي جعل الفيلم مرآة أحالم وأوهام الطبقات الفقيرة أكثر من مخرجني كبار كانت لديهم مشاريعهم ومقارباتهم التقدمية، إذا صح الوصف ملشكالت مجتمعهم ومواطنيهم. كان هدفه هو اإلمتاع، أي االكتفاء بالدور الوظيفي األساسي للفنون، وعدم االكتراث بأكثر من ذلك كدفعك إلى التأمل أو التساؤل أو التفكير باملوت مثال، بل دفعنا إلى الضحك أو التطهر، مع تمرير رسالة هنا أو هناك إلرضاء السلطات، أو بوحي منها أو توددًا لها. بهذا، كانت أفالمه في «املنتصف»، فال هيُ ثورية وتحتاج مشاهدًا بذوق رفيع، وال هي ساذجة تخاطب مشاهدًا ال يعنى بوظائف الفن املتعددة. ولهذا السبب تحديدًا شاهدها الجميع. وكـان مثل أفالمه، فهو ليس محمود مرسي بموهبته العظيمة، وليس إسماعيل ياسني أو فؤاد املهندس أو حتى سمير غانم، حيث اإلضحاك ليس في املوقف والبناء الدرامي، بل جراء حركات في الجسد أو غرابة في املالبس وما شابه ذلك. هذا يفسر ربما انتشاره االستثنائي وتحوله إلى ظاهرة، فمسيرته الفنية تواصلت من دون انقطاع، وفي ذلك ذكاء يحسب له، وواكبت تحوالت املجتمع والسلطة في بالده، ما جعل وجوده ضرورة، كما أن أعماله تنوعت ولم تنحصر في الكوميديا، بل إن الالفت في مسيرته التي شارك خاللها في أكثر من مائة وعشرين فيلمًا، أن أدواره الكبيرة لم تكن كوميدية، مثل «الحريف» (إخراج محمد خان، )1983 و«الغول» (إخراج سمير سيف، ،)1983 إضافة إلى «املشبوه» و«حب في الزنزانة» و«إحنا بتوع األوتوبيس». في هذه األفالم وسواها، جسد عــادل إمــام دور املـواطـن الـعـادي الــذي يدفعه الفقر أو العسف أو توحش الفساد إلـى اللجوء إلـى الـــذراع (كما تصفها العامية املصرية) النتزاع حقه واالنتقام من ظامليه، وحتى في أفالمه املشتركة مع وحيد حامد كاتبًا، وشريف عرفة مخرجًا، فإن مقاربتها لإلرهاب كانت تنحاز إلى املواطن العادي، بل كانت تسخر من املقاربة األمنية لظاهرة اإلرهاب، وإن كانت ال ترى بديال عن النظام كحل للحفاظ على تماسك املجتمع بمكونيه املسلم واملسيحي. وفي أفالمه كلها، بخاصة في الثمانينيات والتسعينيات، حيث صـعـوده الكبير، كــان سقفه أكبر مما يحظى به ممثلون آخـرون بسبب شهرته، وحرصه على إبقاء خطوطه موصولة مع السلطات. فما تريده األخيرة يفعله بشروطه غالبًا وبالحد األدنى الذي ال يحول الفن إلى بروباغاندا مباشرة وفجة، على أن هذه املعادلة التي جعلته زعيمًا لعقود، تغيرت على ما يبدو في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي انتقد علنًا فيلمًا مثل «اإلرهاب والكباب»، ورأى أنه شجع اإلرهابيني وليس العكس، وتزامن هذا مع تقدم عادل إمام في السن. كأن هذين العاملني (عدم حاجة النظام الحالي له وشيخوخته) عالمتان على انتهاء دوره، وأن عليه أن يغادر املشهد، ما جعل االحتفاء الكبير بعيد ميالده أشبه بتلويحة وداع، فخشبة املسرح لم تعد تحتمل زعيمني.