استبدال شمخاني
علي أكبر أحمديان أمينًا للمجلس األعلى لألمن القومي اإليراني
عيّن الرئيس اإليراني القيادي في الحرس الثوري اإليراني العميد علي أكبر أحمديان في منصب أمين المجلس األعلى لألمن القومي اإليراني، وهو المركز الذي كان يحوزه علي شمخاني، الذي كان في ذروة نشاطه لكسر الجليد بين إيران والدول العربية
بعد 10 سنوات من توليه منصبه، غــادر أمــن املجلس األعـلـى لألمن الـقـومـي اإليـــرانـــي األدمـــيـــرال علي شـــمـــخـــانـــي، املــــعــــروف بــمــهــنــدس الـــعـــاقـــات اإليرانية العربية، خصوصًا مع السعودية، مـركـزه، فيما عـن الرئيس اإليـرانـي إبراهيم رئيسي القيادي في الحرس الثوري اإليراني الـعـمـيـد عــلــي أكــبــر أحــمــديــان مــكــانــه والـــذي وصفته وكالة مهر اإليرانية بأنه كان رفيقًا لقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني. وكـــــــان شـــمـــخـــانـــي مـــهـــد ملــــغــــادرتــــه مـنـصـبـه بتغريدة مساء أمس األول احتوت على بيت شــعــري بـالـلـغـة الــفــارســيــة جـــاء فـيـه بحسب تـــرجـــمـــتـــه «الـــــكـــــام الـــــــذي كــــــان يـــــــدور خـلـف الـسـتـار... قـالـه بـرمـز وإشـــارة أخـيـرًا وسمعه بإيماء وذهب». وكـــــانـــــت مـــــواقـــــع إيــــرانــــيــــة ذكـــــــرت أن نـــائـــب الـــرئـــيـــس اإليـــــرانـــــي لـــلـــشـــؤون االقـــتـــصـــاديـــة محسن رضائي حمل رسالة من رئيسي إلى شمخاني للحديث مـعـه عــن تـركـه منصبه. وعــــن رئــيــســي، أمــــس اإلثـــنـــن، الـــقـــيـــادي في الحرس الثوري العميد علي أكبر أحمديان أمـــيـــنـــًا لـــلـــمـــجـــلـــس األعـــــلـــــى لــــألمــــن الـــقـــومـــي اإليــرانــي خلفًا لشمخاني. وذكـــر التلفزيون اإليــــــــرانــــــــي أن رئــــيــــســــي أعـــــــــرب عــــــن شـــكـــره لــشــمــخــانــي عـــلـــى جــــهــــوده خـــــال الـــســـنـــوات العشر لتوليه منصبه. وكـان أحمديان، قبل تعيينه أمينًا لألمن القومي اإليراني رئيسًا للمركز االستراتيجي للحرس الثوري، وهو عضو أيـضـًا فــي مجمع تشخيص مصلحة الــنــظــام فـــي إيــــــران، وهــــو مــؤســســة سـيـاديـة يختار املرشد اإليراني أعضاء ها. ولد أحمديان في العام 1965 في مدينة بابك فـــي مـحـافـظـة كـــرمـــان جــنــوب شــرقــي إيــــران، وانــضــم إلـــى الــحــرس الــثــوري مـنـذ تأسيسه بعد الثورة اإلسامية عام .1979 وأحمديان حــــائــــز عـــلـــى الـــــدكـــــتـــــوراه فــــي طــــب األســــنــــان واملــاجــســتــيــر فـــي الــعــلــوم الـــدفـــاعـــيـــة، فـضـا عن الدكتوراه في اإلدارة االستراتيجية من جامعة «الدفاع الوطني» اإليرانية. وتعتبر وكـــاالت أنـبـاء محافظة ومقربة مـن الحرس الـــثـــوري أنـــه «مـبـتـكـر رؤى ومــبــدع تـحـوالت واسعة» في هذه املؤسسة العسكرية. وتـــــولـــــى أحــــمــــديــــان مـــنـــاصـــب مــــتــــعــــددة فـي «الـحـرس»، وأوكــل إليه مؤسس الثورة روح الله املوسوي الخميني في العام 1985 رئاسة أركــــــان الــــقــــوات الــبــحــريــة لــلــحــرس الـــثـــوري. وجـــــــاء هـــــذا الـــتـــعـــيـــن بـــعـــد قـــــــرار الــخــمــيــنــي تشكيل القوات الثاث في «الحرس»، البرية والــجــويــة والــبــحــريــة. وكـــان أحــمــديــان قـائـدًا لبحرية الـحـرس الــثــوري بـن 1997 ،2000و ثـم أوكـلـت إليه رئـاسـة أركـــان «الــحــرس» ملدة ست سنوات. وخال هذه الفترة، أعد مشروع «الــتــحــول الـتـنـظـيـمـي» فـــي الـــحـــرس، والـــذي وافق عليه املرشد، وبدأ تنفيذه تحت إشراف أحمديان نفسه، الذي عمل خال توليه أركان بحرية «الــحــرس» على تطوير قـدراتـهـا في الخليج، ويعتبر أنــه صـاحـب فـكـرة تشكيل قـــوة بــحــريــة حــديــثــة وقـــويـــة. وذكـــــرت وكــالــة «تسنيم» اإليرانية املحافظة أنه «لعب دورًا أسـاسـيـًا فــي الـعـمـلـيـات الـبـحـريـة فــي سياق الرد باملثل»، قائلة إنه أشرف شخصيًا على الـعـديـد مــن هـــذه الـعـمـلـيـات، والفــتــة إلـــى أنـه عـمـل عـلـى الــتــصــدي لــــ«األســـطـــول األمـيـركـي املـــعـــتـــدي» فـــي الــخــلــيــج. كــمــا يــعــد أحــمــديــان من منظري «حـرب غير متكافئة» (مصطلح يـطـلـق عـلـى حــــرب بـــن خـصـمـن مـتـحـاربـن تــخــتــلــف قــوتــهــمــا الــعــســكــريــة الــنــســبــيــة، أو خططهما االسـتـراتـيـجـيـة والـتـكـتـيـكـيـة) في إيــــران. وذكــــرت وكــالــة «مــهــر» أنـــه كـــان رفيقًا لقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، الذي اغــتــالــتــه واشـــنـــطـــن فـــي بـــغـــداد مــطــلــع الــعــام ،2020 تـحـديـدًا فـي فـرقـة 41« ثــار الـلـه» إبـان الـحـرب اإليـرانـيـة العراقية والـتـي تتخذ من محافظة كرمان مقرًا لها. وتـأتـي مـغـادرة شمخاني منصبه فـي ذروة نـــشـــاطـــه الـــدبـــلـــومـــاســـي لــكــســر الــجــلــيــد بـن إيـــران والــــدول العربية. وشمخاني، مواطن عربي إيراني، ولد في العام 1955 في األهواز الـــعـــربـــيـــة فــــي مــحــافــظــة خـــوزســـتـــان جــنــوب شــرقــي إيــــــران. وبــــدأ نــشــاطــه الــســيــاســي في سبعينيات القرن املاضي، بمعارضة النظام امللكي السابق. وعلى خلفية تلك النشاطات، اعتقله جهاز «سافاك» االستخباري، وتعرف في السجن إلى شباب ثورين، أمثال محسن رضـــائـــي الــــذي أصــبــح بـعـد انــتــصــار الــثــورة اإلســـامـــيـــة عــــام 1979 قـــائـــدًا عــامــًا لـلـحـرس الـــثـــوري اإليـــرانـــي. درس شـمـخـانـي الــزراعــة فــــي جـــامـــعـــة «جــــنــــدي شـــــابـــــور» بــمــحــافــظــة خوزستان، ثم حصل على شهادة املاجستير فــي اإلدارة، وشــــارك فــي دورات قــيــاديــة في جـامـعـة «دافـــــوس» للجيش اإليـــرانـــي. وبعد عام من انتهاء الحرب اإليرانية العراقية في العام ،1988 عينه املرشد اإليراني األعلى علي خامنئي قائدًا لبحرية الجيش بعد نقله من الحرس الثوري إلى الجيش، ثم تولى القيادة املــشــتــركــة لـبـحـريـتـي «الــــحــــرس» والــجــيــش، فــــضــــا عــــن قــــيــــادة مـــقـــر «خــــاتــــم األنــــبــــيــــاء» البحرية. وأدرجـت الخزانة األميركية في 10 يناير/كانون الثاني ،2020 شمخاني على قائمة العقوبات برفقة سبعة آخرين من كبار املسؤولن اإليرانين. وشـمـخـانـي، الـــذي يـعـد صــاحــب أول عقيدة استراتيجية بحرية إليـران، اختاره الرئيس اإليـرانـي األسـبـق اإلصـاحـي محمد خاتمي وزيـــــرًا لــلــدفــاع فـــي .1997 وظـــل فـــي املنصب قبل أن يغادره مع انتهاء والية خاتمي عام 2005 ومـــجـــيء الـــرئـــيـــس املـــحـــافـــظ مـحـمـود أحـــمـــدي نـــجـــاد. وفـــي ،2001 نــافــس خاتمي فــــي االنــــتــــخــــابــــات الــــرئــــاســــيــــة، لـــكـــنـــه خــســر. واخـــتـــيـــر مــــرة أخـــــرى كـــوزيـــر لـــلـــدفـــاع، حيث ســاهــم فـــي تــدشــن فــتــرة جـــديـــدة لـلـعـاقـات اإليــرانــيــة الــســعــوديــة بـعـد نـحـو عـقـديـن من التوتر، فأبرم أثناء زيارته إلـى الرياض في العام 2000 اتفاقية أمنية بن البلدين، وهي االتفاقية التي نص على تفعيلها في البيان الثاثي الـصـادر عـن مباحثات بكن فـي 10 مــــــــارس/آذار املـــاضـــي الســتــئــنــاف الــعــاقــات الدبلوماسية التي انقطعت منذ العام ،2016 عــلــى خــلــفــيــة مــهــاجــمــة مــحــتــجــن إيــرانــيــن السفارة السعودية في طهران وقنصليتها فـــي مـشـهـد إثـــر إعـــــدام الـــريـــاض رجـــل الــديــن الشيعي نمر باقر النمر. يعرف شمخاني بقربه من اإلصاحين في إيران، وعينه الرئيس اإليراني السابق حسن روحــانــي، املـقـرب مـن الـتـيـار اإلصــاحــي، في ،2013 أمينًا للمجلس األعلى لألمن القومي بـعـد مــوافــقــة املـــرشـــد. وقــــرأ الـبـعـض حينها اختيار شمخاني كشخصية عربية إيرانية لــهــذا املـنـصـب عـلـى أنـــه مـحـاولـة مــن طـهـران لـتـحـسـن الـــعـــاقـــات املـــتـــوتـــرة مـــع محيطها الـــعـــربـــي، وهـــــو مــــا لــــم يــحــصــل فــــي واليـــتـــي روحــــانــــي، الــــذي انــصــبــت جـــهـــوده عــلــى حل مـــشـــاكـــل إيـــــــران مــــع الــــغــــرب، والــــتــــي تــوجــت باالتفاق الـنـووي في 2015 قبل أن ينسحب منه الرئيس األميركي في ذلك الحن دونالد ترامب عام .2018 وظـــل شـمـخـانـي فـــي مـنـصـبـه بــعــد مــغــادرة روحاني الرئاسة عام 2021 ومجيء رئيسي، الذي أكد أنه سيولي األولوية للعاقات مع دول الجوار. وشمخاني، املعروف بمهندس الـعـاقـات اإليــرانــيــة الـعـربـيـة خـصـوصـًا مع السعودية، أدار ملف املباحثات مع الرياض، التي انطلقت فـي بـغـداد فـي إبريل/نيسان ،2021 واســـتـــمـــرت فـــي الــعــاصــمــتــن بــغــداد ومـــســـقـــط، وتـــوجـــت فـــي مـحـطـتـهـا األخـــيـــرة فــي بكن بـاتـفـاق الستئناف الـعـاقـات بن الرياض وطهران، والذي وقع عليه شمخاني. وبــــعــــد لــــــقــــــاء ات شـــمـــخـــانـــي فـــــي اإلمـــــــــارات والـــعـــراق، فــي مـــارس املــاضــي، واالتــفــاق مع السعودية، أكد البنك املركزي اإليـرانـي، في بـــيـــان، أن االتــفــاقــيــات األخـــيـــرة أفــضــت إلــى «انفراجات جيدة» للنقد األجنبي في الباد. وجــاءت تلك «االنـفـراجـات» في وقـت تواجه فيه طهران أزمــة السيولة بالنقد األجنبي، بسبب الحظر األمـيـركـي، األمـــر الـــذي هوى بــالــريــال اإليـــرانـــي إلـــى مـسـتـويـات قياسية. ومـنـذ مـجـيء رئـيـسـي وبــقــاء شمخاني في منصبه، أصبحت أوساط محافظة متشددة توجه انتقادات للحكومة لعدم اإلطاحة به. وأخيرًا قيل في أوسـاط إعامية وسياسية أن «جـــبـــهـــة الــــصــــمــــود» (جـــبـــهـــه بــــايــــداري) املحافظة املتنفذة تمارس ضغوطًا إلبعاد شمخاني عــن مجلس األمـــن الـقـومـي. وفـي ســـيـــاق هـــــذه املـــنـــاكـــفـــات، أصـــبـــحـــت تــاحــق شـــمـــخـــانـــي انــــتــــقــــادات واتــــهــــامــــات بـــتـــورط أقرباء له بملفات فساد، كما وجه ناشطون وإعــــامــــيــــون، انــــتــــقــــادات مــمــاثــلــة لـــــه. وفـــي اإلطـــار، يشير البعض إلــى صهره ونجليه حـــســـن وحـــســـن شـــمـــخـــانـــي، ويــــقــــال إنــهــمــا يملكان شركة للنقل البحري وناقات نفط ويعمان في مجال االلتفاف على العقوبات األميركية ويحصان على ماين الدوالرات شهريًا. وأثار ظهور أحد نجليه في لقاءات شـمـخـانـي فـــي اإلمــــــارات مـنـتـصـف مـــارس/ آذار املاضي بعد أيام قليلة من االتفاق بن طهران والرياض، أثار انتقادات في الداخل اإليـرانـي. وكـان ناشطون محافظون، أمثال البرملاني السابق املتشدد حميد رسائي في مقدمة املنتقدين، متسائلن عن سر حضور نجل شمخاني «التاجر» بن أعضاء الوفد اإليراني في اإلمارات. وفــــيــــمــــا كـــــــان شـــمـــخـــانـــي غـــــارقـــــًا فـــــي إدارة املباحثات مع السعودية ودول عربية أخرى، ومــتــابــعــة مــلــفــات ومــشــاريــع اقــتــصــاديــة مع روســيــا وغــيــرهــا لـالـتـفـاف عـلـى الـعـقـوبـات األمـــيـــركـــيـــة، جــــاء الــكــشــف عـــن تـــــورط نـائـبـه إبـــان توليه وزارة الــدفــاع، عليرضا أكـبـري، الـــذي اعتقل عــام ،2019 بالتجسس لصالح بريطانيا. يشار إلى أنه تم تنفيذ حكم اإلعدام الصادر بحق أكبري في يناير/كانون الثاني املاضي. وقال أكبري، في تسجيل مسرب إلى قـنـاة «بــي بـي ســي» الـفـارسـيـة فـي نوفمبر/ تــشــريــن الـــثـــانـــي ،2022 إن مـــن الــتــهــم الـتـي
واجـهـهـا كــان إهــــداءه العطر والقميص إلى شمخاني، قائال إن األجهزة األمنية اتهمته بــأنــه ســعــى بــهــذه الــطــريــقــة لـلـحـصـول على معلومات. وفي التسجيل الذي بثته «بي بي سي»، نفى أكبري صحة التهم املوجهة إليه. لـكـن صحيفة «نــيــويــورك تـايـمـز» األميركية نقلت، مطلع الشهر الـحـالـي، عـن مسؤولن مطلعن على امللف قولهم، إن أكبري له عالقة بمعلومات سربتها بريطانيا إلسرائيل عام 2008 تتعلق بالكشف عـن منشأة «فـــوردو» النووية، مشيرة إلى أن املخابرات الروسية ساعدت طهران في الكشف عن عالقة أكبري باملخابرات البريطانية. إلــــى جـــانـــب مــهــمــاتــه الــســيــاســيــة واألمـــنـــيـــة، طغت خــالل الـعـام األخـيـر أجـنـدة اقتصادية على زيـــارات شمخاني الخارجية ولقاءاته مــــع املــــســــؤولــــن األجـــــانـــــب، وذلــــــك ملــســاعــدة إيــــران لـاللـتـفـاف عـلـى الــعــقــوبــات األمـيـركـيـة املشددة املفروضة عليها منذ 2018 من جراء االنــســحــاب األمــيــركــي مـــن االتـــفـــاق الـــنـــووي. وفـــي الــســيــاق، كـشـفـت مــصــادر مطلعة على حـــيـــثـــيـــات الــــعــــالقــــات اإليــــرانــــيــــة الـــروســـيـــة، لــــ«الـــعـــربـــي الـــجـــديـــد» فـــي 5 إبــريــل/نــيــســان املـاضـي، أن زيــارة شمخاني إلـى روسيا في 9 فـــبـــرايـــر/شـــبـــاط املـــاضـــي شــكــلــت «مــرحــلــة جــديــدة» فـي العمل املـشـتـرك ضـد العقوبات األميركية والغربية، مشيرة إلى أن شمخاني أجـــــــرى، خـــــالل الـــــزيـــــارة، «لــــقــــاء خــــاصــــا» مـع الرئيس الروسي فالديمير بوتن، استغرق «عــدة سـاعـات». وأضـافـت املـصـادر أن اللقاء الـــذي لــم يكشف عـنـه فــي اإلعــــالم حـتـى اآلن، تناول «عـدة مواضيع سياسية واقتصادية وأمـنـيـة»، مـؤكـدة أن «أحـــد أهــم بـنـود أجندة الـــلـــقـــاء كـــــان بـــحـــث ســـبـــل إفــــشــــال الــعــقــوبــات االقتصادية األميركية املفروضة على طهران وموسكو، وأنــه تم التوصل إلـى «توافقات» بن شمخاني وبوتن، مثل إلغاء الدوالر من التجارة الثنائية.