الجزائر... خطاب القلق

تصور أن أجنبيًا يطالع بيانات األحزاب الجزائرية ويستمع إلى تصريحات املسؤولني في البالد، سيخيل له أن البلد على وشك االفتراس، وأن جيوشًا تقف على الحدود بانتظار ساعة الصفر. بصورة مبالغ فيها تتركز «التهديدات الخارجية» في الخطاب السياسي في الجزائر، فاملسؤولون وقادة األحزاب والتنظيمات، وحشد املفسرين لخطاب السلطة، ممن يتنقلون من قناة إلى قناة ومن برنامج إلى برنامج، أكثر حديثهم عن «مخاطر أجنبية تتهدد الجزائر»، و«تهديدات خارجية تواجهها البالد»، بينما يغيب الحديث عن مشكالت الحوكمة وخلل التدبير الحكومي. كل الدول لديها مشكالت داخلية، كثيرة أو قليلة بما صنع قادتها، وتحدياتها اإلقليمية متعددة األبعاد، وكل بلد له خصوم ونزاعات، لكن ليس إلى الحد الذي يجعل من التهديدات املتأتية من الخارج «برنامجًا سياسيًا» قائمًا بذاته، وحالة مزمنة تحكم الخطاب والفعل السياسي في الجزائر. ذلك يتصادم مع معنى االستقرار، ويتناقض تمامًا مع حملة التبشير التي تقوم بها الحكومة نفسها ومؤسساتها املختصة لجلب االستثمارات األجنبية. في الواقع ال يمكن إقناع رأس مال باملجيء لالستثمار في بلد، تقول حكومته إنه يواجه تخمة من التهديدات، ويقضي ساسته الجزء األكبر من وقتهم في الحديث عن حزمة من املخاوف. من الضرورة بمكان مراجعة هذا الوضع، ألنه ال يخدم صورة بلد تجاوز منذ سنوات أزمته األمنية، ويفترض أنه تحول برغبة جماعية إلى حالة من السلم الداخلي واالستقرار، ويتطلب الوضع الراهن هدوءًا أكثر، وثباتًا انفعاليًا أكبر إزاء أي تطور أو موقف يصدر من هيئة أو جهة ما في الخارج. تحتاج الجزائر وقادة الفعل السياسي في البلد، إلى إبداء قدر أكبر من الجدية والصراحة، وتغيير جدي وجاد نحو التركيز الفعلي على عوامل إصالح مشكالت البلد الحقيقية، ومنع السلطة من تكرار األخطاء نفسها التي أهدرت على البلد فرص استغالل املقدرات املالية بالكيفية املناسبة قبل عام .2019 ال تعيش الجزائر شتاتًا سياسيًا يحتاج إلى «لم الشمل»، وال نزاعًا عنيفًا يستدعي إنشاء «جبهة داخلية»، وال أزمة مؤسسية تتطلب تشكيل «جدار وطني». هناك مشكالت واضحة في الحكم والحوكمة تحتاج إلى حلول واضحة، وإذا كان من الضروري أن يجتمع الساسة في الجزائر، فعلى تلك املشكالت بحثًا عن تصورات الحل ليس إال. ثمة مثل جزائري عتيق «ما يبقى في الوادي غير أحجاره».