أزمات رائيل... اقتصادية وسياسيةإقرار الميزانية في إس
تواجه عملية إقرار الميزانية اإلسرائيلية عددًا من العوائق واإلشكاليات، التي تتخطى الخالفات المالية واالقتصادية
بلغت ميزانية الحكومة اإلسرائيلية لعامي 2023 2024و وفـــقـــا لـــالقـــتـــراح الـــــذي قـدمـتـه وزارة املالية االسرائيلية، قـرابـة 485 مليار شيكل (أي حــوالــى 135 مـلـيـار دوالر) لعام ،2023 ونحو 514 مليارًا لعام 2024 (قرابة 143 مـلـيـار دوالر). حـصـة وزارة األمــــن عـام 2023 بلغت قرابة 63 مليارًا 13( في املائة من مجمل املـيـزانـيـة)، ومجمل مـصـاريـف األمــن والـنـظـام الــعــام (تـشـمـل وزارة األمـــن ووزارة األمــن القومي واملؤسسات األمنية األخــرى) بلغت قـرابـة 102 مليار شيكل، أي نحو 21 في املائة من امليزانية العامة، وميزانية وزارة الـتـربـيـة والتعليم 78 مـلـيـار شيكل 16( في املائة من مجمل امليزانية). هذا باإلضافة إلى 126 مليار شيكل لسداد الديون. بذلك، يصل مجمل مـصـاريـف الـحـكـومـة لـعـام 2023 إلـى نحو 611 مليار شيكل، وفـي عـام 2024 إلى 654 مليار شيكل. وفــقــا لـلـقـانـون اإلســرائــيــلــي، عـلـى الكنيست إقــرار ميزانية الـدولـة للسنة املالية الجارية لغاية نهاية مـايـو/ أيــار الحالي، وفــي حال عـدم إقـــرار قـانـون امليزانية يعتبر الكنيست كـمـن حـــل نـفـسـه، وتــجــرى انـتـخـابـات مبكرة خالل تسعني يوما. حكومة بنيامني نتنياهو الـــحـــالـــيـــة بـــــــدأت بـــبـــلـــورة قــــانــــون املـــيـــزانـــيـــة
والتحضير لعرضه على الكنيست قبل نهاية الشهر الحالي، إال أن عملية إقـــرار امليزانية تواجه عددًا من العوائق واإلشكاليات. اإلشكالية األبـــرز هــذا الـعـام، عــدم االستقرار االقـتـصـادي واملـالـي والـتـراجـع فـي مؤشرات اقـــــتـــــصـــــاديـــــة، نــــحــــو نــــمــــو الــــنــــاتــــج املـــحـــلـــي ومــــدخــــوالت الــــدولــــة مـــن الـــضـــرائـــب وحــجــم العجز املالي. ويعود ذلك لسببني أساسيني: األول الـــــتـــــراجـــــع فــــــي االقـــــتـــــصـــــاد الـــعـــاملـــي والـتـضـخـم املــالــي الــعــاملــي، والــثــانــي أسـبـاب مـحـلـيـة تـتـعـلـق بـــإســـقـــاطـــات سـلـبـيـة لخطة الـحـكـومـيـة تقييد الــقــضــاء عـلـى االقــتــصــاد، وخصوصا على قطاع التقنيات العالية. من جهة أخـــرى، تشكل املطالب املالية للشركاء فـي التحالف الحكومي العائق الثاني أمـام إقـــــــرار املـــيـــزانـــيـــة، إذ تـــــــزداد يـــومـــيـــا مــطــالــب الـشـركـاء ملـيـزانـيـات خـاصـة، وتـولـد خالفات داخل التحالف الحكومي. قبل أيام على بدء نقاش قانون امليزانية في الـكـنـيـسـت، نــشــرت كـبـيـرة االقــتــصــاديــني في وزارة املــالــيــة اإلســرائــيــلــيــة شــيــرا غـريـنـبـرغ تـــقـــريـــرًا ســلــبــيــا عــــن الـــحـــالـــة االقـــتـــصـــاديـــة، وتـوقـعـات بـتـراجـع أداء االقـتـصـاد فـي العام الــــحــــالــــي واملــــقــــبــــل. تـــشـــيـــر الــــتــــقــــديــــرات إلـــى إمـكـانـيـة دخــــول االقــتــصــاد اإلســرائــيــلــي في حـالـة انـكـمـاش فـي الـدخـل والـنـمـو فـي العام الــحــالــي، وإلـــى تــراجــع دخـــل خـزيـنـة الــدولــة، فـــي الــعــامــني الــحــالــي واملـــقـــبـــل، بــحــوالــى 16 مــلــيــار شـيـكـل قــيــاســا بــالــتــوقــعــات املـسـبـقـة، بواقع 5.3 مليارات شيكل العام الحالي و11 مــلــيــار شـيـكـل الـــعـــام املــقــبــل. ويـــعـــود تــراجــع دخــــل الــــدولــــة بــــاألســــاس إلــــى انـــخـــفـــاض في الدخل من الضرائب، خصوصا من الضرائب على الـعـقـارات ومـجـال الـهـايـتـك، إلــى جانب انـــخـــفـــاض فــــي الــــدخــــل مــــن ضـــريـــبـــة الـقـيـمـة املضافة. كذلك سيكون النمو االقتصادي أقل
اعتداال (قرابة 2.7 في املائة بدل 3 في املائة)، فـيـمـا سـيـرتـفـع الـتـضـخـم املـــالـــي هـــذا الــعــام، بحيث بلغ حجم التضخم في شهر إبريل/ نيسان 0.8 في املائة بعد أن كانت التوقعات بــوصــولــه إلـــى 0.5 فـــي املـــائـــة. وبـــذلـــك يـكـون مـعـدل التضخم الـسـنـوي لغاية إبـريـل 4.75 فــي املــائــة، وهـــو أعـلـى مــن التضخم املتوقع 3.5( في املائة - 3.8 في املائة). هـذه العوامل معا، تؤثر مباشرة بمعطيات امليزانية التي تبنى وفقا لتوقعات النمو في الناتج املحلي والدخل من الضرائب، وتحت سقف محدد مـن العجز يكون عــادة 3.5 في املائة من الناتج املحلي. أي تغير غير متوقع أو غير محسوب في املعطيات قد يؤدي إلى خلل فـي أداء املـيـزانـيـة، وإلـــى نتائج سلبية والــــدخــــول فـــي دوامــــــة مــفــرغــة مـــن الــتــراجــع والركود االقتصادي. تـعـديـل الـتـوقـعـات االقـتـصـاديـة يـأتـي على خلفية بــوادر استمرار الركود االقتصادي الـعـاملـي، وتـوقـعـات بتباطؤ اقـتـصـادي في إسرائيل. ولفتت تقارير وزارة املالية إلى أن إسرائيل تأثرت أيضا بانعدام اليقني فيها بسبب دفـع الحكومة تشريعات «اإلصــاح القضائي» لتقييد جهاز القضاء، وتتوقع أن يكون الضرر أكبر في حال إقرار الخطة. وتــــأتــــي هــــــذا الــــتــــقــــديــــرات بـــعـــد تـــحـــذيـــرات صندوق النقد الدولي من تراجع االقتصاد اإلســـــرائـــــيـــــلـــــي، وقــــــولــــــه إن «الــــتــــعــــديــــات القضائية» املقترحة تمثل خطرًا كبيرًا على االقـتـصـاد، قـد يـــؤدي إلــى تـراجـع األوضـــاع املـــالـــيـــة، ويـــعـــوق االســتــثــمــار واالســـتـــهـــاك والنمو على املدى الطويل. حــــــدة تـــأثـــيـــر الــــتــــراجــــع فــــي أداء االقـــتـــصـــاد اإلسرائيلي تتفاقم إثـر تجاهل وزيــر املالية بتسلئيل سموتريتش للمعطيات السلبية وتحذيرات الخبراء، واإلصرار على سياساته املــــالــــيــــة، وخـــصـــوصـــا تــشــجــيــع االســـتـــيـــطـــان ودعـــــــــم الــــقــــطــــاعــــات الــــحــــريــــديــــة (الــــديــــنــــيــــة املتزمتة)، وإصــــراره على الخطة القضائية. أي إن الـحـكـومـة اخـــتـــارت تـجـاهـل املعطيات والتحذيرات، ال التعامل معها. هذا بالتوازي مع رضوخ الحكومة للمطالب املالية ألحزاب الـــتـــحـــالـــف الـــحـــكـــومـــي، الــــتــــي نـــصـــت عـلـيـهـا اتفاقيات تشكيل الحكومة، الـتـي تصل إلى عـــشـــرات مـــلـــيـــارات الـــشـــواكـــل. مـــن الـصـعـوبـة بـــمـــكـــان تــــوقــــع تـــفـــكـــك الـــتـــحـــالـــف الــحــكــومــي ألسباب مالية ومطالب الشركاء في ميزانية الحكومية. إذ لــم تسقط حكومة لغاية اآلن بسبب معارك تقاسم امليزانيات الحكومية. من جهة أخرى، ليس سها أن تتنازل أحزاب التحالف عـن مطالبها املـالـيـة، وعــن تحقيق إنـــــجـــــازات مـــالـــيـــة واقـــتـــصـــاديـــة لــنــاخــبــيــهــا، خصوصا األحزاب املتدينة-الحريدية. قـــبـــيـــل تــــقــــديــــم اقـــــــتـــــــراح قــــــانــــــون املــــيــــزانــــيــــة لــلــتــصــويــت فــــي الــكــنــيــســت هـــــذا األســــبــــوع، بــــــــدأت تـــتـــضـــح مـــطـــالـــب أحـــــــــزاب الـــتـــحـــالـــف وحـجـمـهـا، وكـــذلـــك الــخــافــات حــولــهــا. وفـقـا التـــفـــاق تــشــكــيــل الـــحـــكـــومـــة، عــلــى الــحــكــومــة
يعتبر الكنيست منحًال بحال عدم إقرار الميزانية نهاية مايو
إسرائيل في طريقها إلى أزمة قد تهدد تماسك التحالف الحكومي
تخصيص قرابة 14 مليار شيكل ميزانيات خـاصـة ألحـــزاب التحالف الحكومي. وفعا خصصت هـذه امليزانيات لألحزاب املتدينة وحـزب «القوة اليهودية» برئاسة بن غفير، ولبنود تتعلق بتوسيع االستيطان ودعمه فـــي الــضــفــة الــغــربــيــة. هــــذا لـــم يـمـنـع إضــافــة مطالب من قبل األحـزاب الحريدية ومن قبل «الـــقـــوة الـــيـــهـــوديـــة»، بـــل وحــتــى أعـــضـــاء من حزب «الليكود». في 16 مايو/ أيار الحالي، نــشــرت صـحـيـفـة «ذي مـــاركـــر» االقــتــصــاديــة أن نــتــنــيــاهــو وافــــــق عـــلـــى إضــــافــــة مــيــزانــيــة لشبكات املــدارس التابعة للتيارات الدينية، التي ال تدرس املواضيع اإللزامية، بقرابة 40 فـي املــائــة. كـذلـك رفـعـت الحكومة امليزانيات املخصصة لطاب املعاهد الدينية، ورجــال الدين اليهود، وميزانيات املؤسسات الدينية كافة بشكل عام. كذلك أقرت زيادة ميزانيات للمستوطنات، منها للبنى التحتية وتوسيع شـوارع وبناء مؤسسات عامة، من الــوزارات كافة ذات الشأن. على الرغم من سخاء الحكومة مع التيارات الـديـنـيـة واالســتــيــطــان، والـــوفـــاء بـالـتـزامـهـا، برزت إشكاليات أساسية مع حزب «أغودات يـــســـرائـــيـــل» (مــــن كــتــلــة «يــــهــــدوت هــــتــــوراه») إذ اشــــتــــرط دعـــــم قــــانــــون املـــيـــزانـــيـــة بـــزيـــادة املـــيـــزانـــيـــات املــخــصــصــة لــهــم بـنـصـف مـلـيـار شيكل، لصالح مؤسسات تعليمية ابتدائية لــلــحــريــديــني، قــبــيــل أيـــــام مـــن تــقــديــم اقـــتـــراح القانون. وفعا رضخ نتنياهو لهذا املطلب، إذ أعـلـن فــي 22 مـايـو الـحـالـي الـتـوصـل إلـى تـسـويـة يـتـم بموجبها تـحـويـل 250 مليون شـيـكـل مـــن فــائــض املــيــزانــيــات (أي مـــن دون إضـــــافـــــات عـــلـــى املـــيـــزانـــيـــة الــــعــــامــــة) لــحــزب «أغـــــودات يــســرائــيــل»، وتـحـويـل مـكـافـأة ملـرة واحدة ملئات رجال الدين التابعني ملؤسسات الـــحـــزب بـقـيـمـة 1200 شــيــكــل. كـــذلـــك أضـــاف حزب «القوة اليهودية» برئاسة وزيـر األمن القومي إيتمار بن غفير، شرط زيادة ميزانية وزارة الـنـقـب والـجـلـيـل، للتصويت لـقـانـون املـيـزانـيـة، ولــو جــاء ذلــك عبر نقل ميزانيات من وزارات أخرى. وفعا اتفق نتنياهو وبن غفير يــوم الـثـاثـاء املـاضـي على تخصيص 250 مــلــيــون شـيـكـل إضـــافـــي لــــــوزارة الـنـقـب والجليل وأنهت االزمة. مــحــلــلــون اقـــتـــصـــاديـــون يـــــرون أن نـتـنـيـاهـو مـسـتـعـد الســتــعــبــاد االقـــتـــصـــاد اإلســرائــيــلــي ومستقبل الدولة، وتقديم امليزانيات املطلوبة من قبل الحلفاء، التي تلحق ضررًا باالقتصاد اإلســــرائــــيــــلــــي، خـــصـــوصـــا فــــي ظــــل الــتــبــاطــؤ االقــتــصــادي املــتــوقــع بـغـيـة ضــمــان حكومته والـحـفـاظ على التحالف. فـي امتحان البقاء في رئاسة الحكومة أو توزيع امليزانيات ولو جــــاءت بــضــرر لــاقــتــصــاد، اخـــتـــار نتنياهو تــوزيــع املـيـزانـيـات والـحـفـاظ على التحالف، ولو عمل على خفض السعر وتقليل املطالب بــعــض الــــشــــيء. تـــوزيـــع املـــيـــزانـــيـــات لــشــركــاء الـــتـــحـــالـــف، خـــصـــوصـــا عـــلـــى بـــنـــود ال تــدعــم النمو االقتصادي وال تخلق فرص عمل، بل عـلـى الـعـكـس تـسـاهـم فــي تــراجــع االقـتـصـاد والــــركــــود، بـــالـــتـــوازي مـــع تـــراجـــع مــدخــوالت خـــزيـــنـــة الــــــدولــــــة، قـــــد يــــــــؤدي إلــــــى تــقــلــيــص املـــيـــزانـــيـــة خـــــال الــــعــــام الـــحـــالـــي مــــن طــريــق خفض املصروفات للوزارات الحكومية كافة، أو رفع الضرائب، ما قد يسبب أزمة سياسية داخــــل الـتـحـالـف تــضــاف إلـــى األزمــــة الـعـامـة واسـتـمـرار االحـتـجـاج ضـد خطة التعديات الــقــضــائــيــة لـتـقـيـيـد الـــقـــضـــاء. كـــل هــــذا يشي بأن إسرائيل في طريقها إلى أزمة مزدوجة، اقـــتـــصـــاديـــة وســـيـــاســـيـــة، قــــد تـــهـــدد تــمــاســك التحالف الحكومي القائم، خصوصا عندما يشعر الـشـركـاء بــأن االبـتـعـاد والتمييز عن حزب الليكود سيجلب لهم فائدة انتخابية.