Al Araby Al Jadeed

المفهوم وغير المفهوم في حماسة عرب ألردوغان

- أرنست خوري

حماسة طيف واسع من املواطنني العرب لفوز الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بوالية رئاسية جديدة، مفهومة وغير مفهومة في آن، لكنها تعبر أوال عن الحيز الذي تشغله العاطفة عندنا في خـيـارات سياسية يفترض أن تكون أبعد ما يكون عن التفكير الرغبوي املنفصل عن الواقع في الغالب. في الشق املفهوم من تلك الحماسة، يمكن سرد عشرات األسباب: ــ تركيا بلد مجاور لديه ديمقراطية، والبلدان العربية، كلها تقريبًا، محرومة من تلك الديمقراطي­ة ومن أدوات اشتغالها، أحـزابـًا وإعـامـًا ومعارضة وانتخابات حقيقية. فــراغ ديمقراطي عـربـي قـد يـكـون تعويضه العاطفي انـحـيـازًا غير مكلف ملـرشـح فـي انتخابات بلد كتركيا نعرفه، على األغلب زرنـاه، نعرف تاريخه وشيئًا من تفاصيل مدنه وناسه ومطبخه وعاداته وثقافته. ــ تاريخنا مع تركيا إشكالي، ينقسم حياله العرب بني من يعتبر الحكم العثماني كارثيًا ظاميًا قمعيًا تتريكيًا، ومـن يـراه مجيدًا. وبالنسبة للفئة األخــيــر­ة، لــم ال نتعامل مـع كـل مـا هـو تركي وكـأنـه شــأن محلي؟ ـــ تركيا بلد ذو غالبية ساحقة من املسلمني، أثبتت التجربة أن الديمقراطي­ة تجوز على أتباع هذا الدين، وهنا يمكن رصد انعكاس املرآة أيضًا على شعوب عربية مسلمة ليست لديها نماذج عربية ديمقراطية كثيرة لكي تتشبه بها وتـرى نفسها من خالها. حصل ذلـك في الحماسة العربية النتخابات مصر ،2012 وانتخابات تونس املتعاقبة في عشريتها الديمقراطي­ة. كذلك فإن أردوغــان محسوب على تيار اإلســام السياسي الذي له أتباع كثر في املنطقة العربية، يترجمون بتأييدهم ألردوغان شيئًا من األممية اإلسامية مثلما يتخيلونها. ــ اتخذ أردوغــان لسنوات عديدة مواقف واضحة ضد محور عربي كـان يرمز إليه باسم الحلف السعودي ــ اإلمــارات­ــي ــ املـصـري. محور لديه خصوم كثر في أوسـاط الـرأي العام العربي، وجـدوا في السلطة التركية، أي في شخص أردوغان، ممثا شرعيًا لهم في الفضاء اإلقليمي. أما أن الرجل عاد وصالح خصوم األمس، مثلما صالح حكام إسرائيل، فإنما ذلك قلما يؤخذ به في حسابات املؤيدين العاطفيني. ــ أردوغان، رغم كل ما يقال عن حق ضده، عن شعبويته وقوميته ويمينيته ونزعته إلـى التسلط، فإنه يفوز منذ 2002 في انتخابات حتى خصومه يعترفون بنزاهتها. وأردوغان ذاك نموذج لحاكم يميني محافظ، للدين مكانة أساسية في سلوكه وخطابه وشعبويته، وذلك أيضًا بالنسبة لطيف واسع من العرب، جدير بالتقليد ويستحق الحماسة وأكثر من الحماسة لو تطلب األمر. ــ تركيا في زمن حكم أردوغان أقام فيها مايني من العرب الهاربني من جحيم بادهم، سوريني ومصريني ويمنيني وعراقيني وليبيني وفلسطينيني ولبنانيني، ولهؤالء مايني من األشباه الذين يتماهون معهم حماسة ألردوغـــا­ن وكرهًا لخصومه. كـام مشابه يمكن قوله عن سبب آخر ينتمي إلى عالم الذكريات، هو انحياز أردوغان إلى انتفاضات عربية عديدة،

ٍّ ال تقلل من أهميته حقيقة أنـه فعل ذلـك انطاقًا من قناعات دينية أو انسجامًا مع مصلحة وطنية تركية. هذا شيء من خلفيات حماسة عرب كثر ألردوغان. أما غير املفهوم وال املنطقي فيها، فيحتاج أكثر من مقال، وربما أكثر من كتاب، ربما يختصره دعم شيوخ اليمني املتطرف والفاشيني األتراك ألردوغان، من دولة بهتشلي إلى سنان أوغان. رجان تكاد سيرتهما السياسية تختصر بكره العرب أوال وكل األجانب اآلتني من خارج «العالم التركي» عمومًا. قبل املبالغة في الحماسة ألردوغان، جدير تذكر أن ترحيل السوريني والتضييق عليهم بدآ منذ أكثر من عامني في تركيا، وأن أردوغان هو املرشح املفضل لفاديمير بوتني، أكثر شخص أجنبي قتل عربًا ومسلمني ربما في العصر الحديث، وأن أردوغـان هو رمز املصالحة مع إسرائيل ومع أنظمة عربية كاد يعلن الحروب ضدها في ما مضى. جدير تذكر أن الفراغ الديمقراطي العربي ال يعوض بأي انتخابات حتى ولو كانت ديمقراطية في أي بلد غير عربي.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar