Al Araby Al Jadeed

االنتخابات في موريتانيا الواقع والمأمول

تدافع بين المدنيين والعسكريين وحديث عن تالعب في النتائج

- السيد أحمد أحمد منّا

شهدت االنتخابات في موريتانيا مشاركة 25 حزبًا سياسيًا تقّدمت للمنافسة على المقاعد النيابية والجهوية والمحلية، باإلضافة إلى الئحتي النساء والشباب، وقد وصل عدد اللوائح االنتخابية إلى 1368 الئحة. هنا مطالعة حول هذه االنتخابات ونتائجها

حــــلــــ­ت مــــواعــ­ــيــــد االســـتــ­ـحـــقـــا­قـــات االنــتــخ­ــابــيــة فـــي مــوريــتـ­ـانــيــا في الثالث عشر مايو/ أيــار الحالي. وتـــشـــم­ـــل االنـــتــ­ـخـــابـــ­ات الـــبـــل­ـــديـــة والــجــهـ­ـويــة والنيابية. ولعل هــذه االستحقاقا­ت تتميز بــأنــهــ­ا األولـــــ­ى بــعــد تـــولـــي الــرئــيـ­ـس الـحـالـي السلطة منذ ،2019 حيث خلف سلفه ورفيق دربـــه الـــذي اشــتــرك معه فــي تدبير انقالبني عسكريني، أولهما ضد الرئيس معاوية ولد سـيـد أحـمـد الــطــائـ­ـع، والــثــان­ــي عـلـى الرئيس الراحل سيدي بن الشيخ عبد الله، املنتخب بعد مرحلة انتقالية دامت نحو سنتني. يـــشـــار­ك فـــي االنــتــخ­ــابــات 1.800.000 نـاخـب موزعني على نحو 5000 مكتب منتشرة في كـــل أرجــــاء الـــبـــا­لد. كـمـا شــهــدت االنـتـخـا­بـات مشاركة 25 حزبًا سياسيًا تقدمت للمنافسة على املـقـاعـد النيابية والـجـهـوي­ـة واملحلية، باإلضافة إلى الئحتي النساء والشباب. وقد وصـــل عـــدد الــلــوائ­ــح االنــتــخ­ــابــيــة إلـــى 1368 الئحة. هكذا، إذن تأتي هـذه االنتخابات الجديدة ضـــــمـــ­ــن ســــــيــ­ــــاق الـــــــت­ـــــــداف­ـــــــع بـــــــني املــــدنـ­ـــيــــني والــعــسـ­ـكــريــني فـــي الــجــمــ­هــوريــة اإلســالمـ­ـيــة املوريتاني­ة، وعلى خلفية أزمــة اقتصادية عاملية أججتها جائحة كوفيد 91، وفاقمت آثـــارهــ­ـا الــحــرب الــروســي­ــة األوكـــرا­نـــيـــة. كلف الرئيس، محمد ولد الشيخ الغزواني، الرجل الــقــوي فــي الـنـظـام الـحـالـي، وزيـــر الداخلية والالمركزي­ة محمد أحمد ولد محمد األمني، بملف االنتخابات، والذي عقد مشاورات مع 24 حزبًا، حصل االتفاق مع 21 منها على أن تكون اللجنة االنتخابية مستقلة، ومشكلة مـــــن شـــخـــصـ­ــيـــات مـــســـتـ­ــقـــلـــ­ة غــــيــــ­ر مــنــتــم­ــيــة ســيــاســ­يــًا، بـيـنـمـا أصـــــرت األحــــــ­زاب الـثـالثـة املتبقية عـلـى أن تـكـون املـحـاصـص­ـة قـاعـدة تـشـكـيـل الــلــجــ­نــة. ويــســتــ­نــد هــــذا الـــــرأي إلــى القانون الذي سن في فترة الرئيس السابق، وجــــــرى حـــســـم املــــوضـ­ـــوع فــــي إطــــــار تـــوافـــ­ق األحـزاب السياسية في عملية تشاورية في طــور اإلعـــداد لالنتخابات. وتشكل اللجنة املـسـتـقـ­لـة لــالنــتـ­ـخــابــات ضــمــانــ­ة لـإنـصـاف والشفافية خالل املسار االنتخابي. كما أنها من أهم ما اتفق عليه الطيف السياسي في موريتانيا، وهي مكون أساسي من مكونات النظام الديمقراطي املوريتاني. وكانت أول لجنة مستقلة لالنتخابات قد شكلت خالل الـفـتـرة االنـتـقـا­لـيـة 2005 - 2007 بالتشاور بني الفاعلني السياسيني، ثم شكلت أخرى سـنـة 2009 كـأحـد مـخـرجـات اتــفــاق املـــواال­ة واملــعــا­رضــة فــي دكـــار، والـــذي شـكـل اعترافًا وطـنـيـًا ودولـــيــ­ـًا بــاالنــق­ــالب الـعـسـكـر­ي الــذي قــــــاده الـــرئـــ­يـــس الـــســـا­بـــق مــحــمــد ولـــــد عـبـد العزيز، على الرئيس املدني املنتخب سيدي بــــن الـــشـــي­ـــخ عـــبـــد الــــلـــ­ـه. والـــلـــ­جـــنـــة املـسـتـقـ­لـة لالنتخابات هي الجهة املسؤولة عن تنظيم كـــامـــل املــــســ­ــار االنـــتــ­ـخـــابـــ­ي، مــــن الـتـسـجـي­ـل عـــلـــى الـــلـــو­ائـــح االنـــتــ­ـخـــابـــ­يـــة وحـــتـــى إعــــالن الــنــتــ­ائــج املـــؤقــ­ـتـــة وإحـــالــ­ـتـــهـــا إلــــى املـجـلـس الدستوري إلعالنها النهائي، فيما يتعلق باالنتخابا­ت الرئاسية واالستفتاء، وحتى إعـــالنــ­ـهـــا الــنــهــ­ائــي بــالــنــ­ســبــة لــالنــتـ­ـخــابــات األخــــرى، الـبـلـديـ­ة والـجـهـوي­ـة والتشريعية. وتــــجـــ­ـدر اإلشــــــ­ـارة إلــــى الــتــغــ­يــر الـــــذي حــدث فـي صالحيات اللجنة مـن الـــدور اإلشـرافـي الـــرقـــ­ابـــي بـالـنـسـب­ـة لـلـجـنـتـ­ني األولـــيـ­ــني إلــى تـنـظـيـم الـعـمـلـي­ـة بــرمــتــ­هــا بـالـنـسـب­ـة للجنة الحالية أمـــام تــراجــع دور وزارة الداخلية. وفـــي هـــذا الـــشـــأ­ن، تــتــوفــ­ر الـلـجـنـة الـوطـنـيـ­ة املـسـتـقـ­لـة لــالنــتـ­ـخــابــات عــلــى كـــل الـسـلـطـا­ت للتحقق ولضمان نزاهة التصويت، بينما ينحصر دور اإلدارة اإلقـلـيـم­ـيـة فــي تأمني العملية االنـتـخـا­بـيـة ومبانيها والعاملني فيها وتجهيزاتها وأدواتها. وقد خصصت لـلـجـنـة مــيــزانـ­ـيــة قـــدرهـــ­ا ثــمــانــ­يــة مــلــيــا­رات مـــــن األوقـــــ­يـــــة الـــقـــد­يـــمـــة (نــــحــــ­و 21 مــلــيــو­ن دوالر)، الكتتاب العمال وتدريبهم واقتناء الـــتـــج­ـــهـــيــ­ـزات الــــضـــ­ـروريــــة لــتــنــظ­ــيــم عـمـلـيـة االنـتـخـا­بـات، كما صـرفـت الحكومة مليارًا إضــافــيـ­ـة مـــن األوقــــي­ــــة، جــــرى تــوزيــعـ­ـه على األحزاب السياسية بالتساوي، حيث حصل كـــــل حـــــزب عـــلـــى 40 مـــلـــيـ­ــون أوقــــيــ­ــة، بــغــض الــنــظــ­ر عـــن حـجـمـه أو أقــدمــيـ­ـتــه الـنـضـالـ­يـة. وفـي السياق ذاتــه، جـرت تحويالت واسعة فـــي صـــفـــوف مـــســـؤو­لـــي اإلدارة اإلقــلــي­ــمــيــة، وخــــصـــ­ـوصــــًا الــــعـــ­ـاصــــمــ­ــة نــــــواك­ــــــشـــ­ـــوط، قــد يـكـون هدفها تقريب اإلدارة اإلقليمية من املواطنني، وتعزيز حياد اإلدارة في العملية االنـتـخـا­بـيـة، مــن أجــل تعزيز الثقة بعملية االنـتـخـا­بـات الـتـي اهــتــزت مصداقيتها في معظم االستحقاقا­ت املاضية التي لم تسلم مـــن الـــفـــس­ـــاد، كـــاســـت­ـــخـــدام املـــــال الــســيــ­اســي ومــمــتــ­لــكــات الــــدولـ­ـــة ومــضــايـ­ـقــة املــنــاف­ــســني

والــتــال­عــب بـــأصـــو­ات الــنــاخـ­ـبــني. وفـــي إطـــار االستعداد لالنتخابات، شكلت لجنة ملراجعة الـتـقـطـي­ـع اإلداري لـلـمـقـاط­ـعـات املـسـتـحـ­دثـة أخـــيـــرًا، إال أن نــطــاق عـمـل الـلـجـنـة املـــذكــ­ـورة قــد تــوســع ليشمل كـــل املــقــاط­ــعــات، ولـيـأخـذ جملة من املعايير في االعتبار، كاملسافة من مركز البلدية الحالية والتوازن الديمغرافي بـــني الــبــلــ­ديــات فـــي املــقــاط­ــعــة الــــواحـ­ـــدة. ومــع أن اللجنة قامت بعملها، إال أن إشكاال ورد في بلدية الركيز قضت فيه املحكمة اإلدارية بتوقيف التسجيل إلى إشعار جديد. ومددت اإلدارة صالحية بطاقات التعريف الوطنية املنتهية ملواجهة التحدي املتعلق بتجديدها لـــلـــمـ­ــوريـــتـ­ــانـــيــ­ـني الــــذيــ­ــن يـــصـــلـ­ــون إلـــــى نـحـو املليونني. وقــد استحدثت اللجنة املستقلة لالنتخابات ترتيبات جديدة منها استعمال الــبــصــ­مــة الــبــيــ­ومــتــريـ­ـة فـــي أثـــنـــا­ء التسجيل وإمكانية تغيير مكتب التصويت، كما سمح للجاليات املوريتاني­ة في الخارج بانتخاب نـــوابـــ­هـــا فــــي الــــبـــ­ـرملــــان، ولـــكـــن هـــــذا اإلجــــــ­راء مقتصر حاليًا على بعض الدول. عملية االقــتــر­اع الـتـي بـــدأت يــوم الـسـبـت، 13 مـــايـــو/ أيـــــار ،2023 واســتــكـ­ـمــلــت فـــي الــيــوم الــتــالـ­ـي فـــي بــعــض املــكــات­ــب الــتــي تــأخــر بــدء الـــعـــم­ـــلـــيــ­ـة فـــيـــهـ­ــا جــــــرت بــــصــــ­ورة جــــيــــ­دة مـن الناحية اإلجـرائـي­ـة، حسب الناطق الرسمي باسم اللجنة الوطنية املستقلة لالنتخابات. امـــتـــا­زت الـحـمـلـة بـاملـسـؤو­لـيـة الـكـبـيـر­ة التي تحلى بها املتنافسون، وبـاالنـضـ­بـاط الـذي طــبــع الــجــمــ­اهــيــر، وبــالــسـ­ـهــر عــلــى األمــــن من أجهزة الشرطة والحرس والـدرك. ولكن هذه االنـــتــ­ـخـــابـــ­ات لـــم تـــخـــل مـــن بــعــض الـــخـــر­وق، مـــنـــهـ­ــا مـــــا يـــتـــعـ­ــلـــق بـــالـــج­ـــانـــب الـــلـــو­جـــســـتـ­ــي كجاهزية املقرات، وإعداد اللوائح االنتخابية والــتــجـ­ـهــيــزات واألدوات كــاملــكـ­ـاتــب وأوراق الناخب، وشكليات التقارير والحبر الالصق والـــنـــ­قـــل واألمـــــ­ــن والـــتـــ­خـــزيـــن بـــعـــد االقــــتـ­ـــراع والـــتـــ­واصـــل واملـــراق­ـــبـــني املـسـتـقـ­لـني املحليني والــدولــ­يــني الــذيــن يـحـتـاجـو­ن دعــمــًا خـاصـًا، وبالذات إذا كانوا أجانب ... إلخ. أثرت التحديات املرتبطة بكل هذه الترتيبات ســــلــــ­بــــًا عــــلــــ­ى جـــــــــ­ـودة مـــــخـــ­ــرجـــــا­ت الـــعـــم­ـــلـــيــ­ـة االنتخابية التي تجري على مساحة واسعة تـزيـد على مليوني كيلومتر مــربــع، تتنوع تـضـاريـسـ­هـا وسـهـولـة الـــوصـــ­ول إلـيـهـا، كما تختلف إمكانات التواصل فيها. وقد بلغت نسبة املشاركة .71% وقـد تميز الــدور األول بكثرة البطاقات الـالغـيـة، حيث بلغت أكثر مــن 24% مــن األصـــــو­ات، مــا قــد يـفـسـر بكثرة الـلـوائـح وعـــدم تركيز املــصــوت­ــني، خصوصًا بعد فترة طويلة من الوقوف في الصف. وقـد خسر الحزب الحاكم 75 بلدية ونائبًا فـي واليـــات البلد البالغة 51، مـا عــدا واليـة الــــتـــ­ـرارزة الــتــي اكـتـسـحـه­ـا حــــزب اإلنــصــا­ف (الـــحـــز­ب الـــحـــا­كـــم) بــشــكــٍل كـــامـــٍل فـــي الــــدور األول. ويعزو املحللون هذه النتيجة إلى أن مرشحي الحزب في األماكن التي فقدها لم يـكـونـوا يحظون بتزكية الساكنة املحلية، ســـــواء كـــانـــو­ا مــنــهــا أو جــــــاءو­ا مـسـتـقـدم­ـني إليها، مثل مرشح الحزب في والية نواذيبو، العاصمة االقتصادية للبلد. وتجدر اإلشارة إلى أن كل ما فقده الحزب الحاكم في جله جاء من نصيب أحزاب األغلبية املساندة لرئيس الدولة الحالي، محمد ولد الشيخ الغزواني. وهـــــذه األحــــــ­زاب قـــد اسـتـغـلـه­ـا املــغــاض­ــبــون مـــن داخــــل الـــحـــز­ب الـــذيـــ­ن لـــم يـرشـحـهـم ولـم يـرضـوا عـن قـراراتـه وتـرشـحـوا مـن خاللها. وبـمـا أن املـقـاعـد لــم تحسم كلها فــي الـــدور األول فــيــســت­ــكــمــل الـــبـــا­قـــي يـــــوم 27 مـــايـــو/ أيــار الـجـاري كما تقضي بذلك التشريعات الـنـافـذة. وقــد طالبت األحـــزاب املـشـاركـ­ة في االنتخابات (غير الحزب الحاكم) من املواالة واملــعــا­رضــة بــإعــادة االنـتـخـا­بـات، نـظـرا إلى مــا جـــرى مــن تــالعــب بـالـنـتـا­ئـج فــي مكاتب كـــثـــيـ­ــرة، وملــــا شــابــهــ­ا مـــن مــخــالــ­فــات مـخـلـة بمصداقية العملية، كمنع ممثلي األحـزاب مــــن حـــضـــور عــمــلــي­ــة االنـــتــ­ـخـــاب واالعــــت­ــــداء الجسدي واللفظي عليهم أحيانًا، ومنعهم من الحصول على نسخ من محاضر مكاتب التصويت كما هو مقنن. وقــــــــ­د ردت الــــلـــ­ـجــــنـــ­ـة الــــوطــ­ــنــــيــ­ــة املـــســـ­تـــقـــلـ­ــة لـالنـتـخـ­ابـات عـلـى لــســان املــتــحـ­ـدث باسمها بأنها على أتم استعدادها للتعامل اإليجابي مع التظلمات التي تصل إليها وتصحيحها أو إحالتها إلـى العدالة عند االقتضاء، كما اعــتــرفـ­ـت بـحـصـول تــالعــب فــي بـعـض مـراكـز الـتـصـويـ­ت. كـمـا تـمـيـز هـــذا الــــدور بمالحظة بـارزة، وهي غياب أحـزاب املعارضة العريقة (الـتـكـتـل الــديــمـ­ـقــراطــي، اتــحــاد قـــوى الــتــقــ­دم، حـــزب الــتــحــ­الــف الــشــعــ­بــي) الــتــي لـــم تحصل على نواب في البرملان الحالي، وهو ما يذهب بعضهم إلـــى تـفـسـيـره بــنــوع مــن التصويت العقابي ضد هـذه األحـــزاب، نتيجة تقاربها مـــع الـــنـــظ­ـــام وتــخــلــ­يــهــا عـــن الــعــمــ­ل املــيــدا­نــي والــــخــ­ــطــــاب الـــتـــق­ـــلـــيــ­ـدي املـــتـــ­عـــلـــق بـتـسـجـيـ­ل املــــواق­ــــف حـــيـــال زيــــــاد­ة األســــعـ­ـــار واســـتـــ­مـــرار الفساد وتدوير املفسدين. ومن جهة أخرى، ظــهــر مـــعـــار­ضـــني جـــــدد أكـــثـــر انــســجــ­امــا مع تطلعات الـشـبـاب، كـاملـدونـ­ني ورواد وسائل التواصل االجتماعي. ومـن السمات البارزة لـــهـــذا الـــــدور ظـــهـــور حــــزب االتـــحــ­ـاد مـــن أجــل الـديـمـقـ­راطـيـة والــتــقـ­ـدم الـــذي بـــرز قـــوة ثالثة بعد حـزب اإلنـصـاف الحاكم وحــزب تواصل ذي املرجعية االسالمية. في ظل دعوة الوزير األول (رئيس الحكومة) املوظفني إلى التصويت للحزب ومساندته، وعــــــــ­دم حــــيــــ­اد اإلدارة اإلقـــلــ­ـيـــمـــي­ـــة، وكـــذلـــ­ك تصريحات التهديد والـوعـد والـوعـيـد التي أطلقها مسؤولون كبار في الحكومة الحالية، كـالـنـاطـ­ق الـرسـمـي بــاســم الـحـكـومـ­ة ووزراء آخرين، وهو ما ولد ردة فعل عقابية إلى حد ما في بعض األوساط الشعبية، وخصوصًا في الداخل املوريتاني. ماذا بعد؟ يــبــدو أن الــرئــيـ­ـس املـــوريـ­ــتـــانــ­ـي، مـحـمـد ولــد الــشــيــ­خ الـــغـــز­وانـــي، يــحــرص عــلــى الــتــواص­ــل مع الفرقاء السياسيني، تـشـاورًا أو تحاورًا، ويــســعــ­ى إلــــى تــحــقــي­ــق إنـــجـــا­ز ســيــاســ­ي من خالل تنظيم انتخابات ذات مصداقية طاملا كــانــت مــفــقــو­دة. ومـــن تـجـلـيـات ذلـــك الـسـلـوك دعـوتـه رؤســـاء أحـــزاب املـعـارضـ­ة واجتماعه بهم ملناقشة مالحظاتهم على الدور األول من االنتخابات، ومطالبتهم بإعادة االنتخابات. وهو اللقاء الذي أكد فيه الرئيس أن املوضوع يرجع برمته إلــى اللجنة الوطنية املستقلة لالنتخابات، وأنه ال يتدخل في عملها. أمـــام احـتـجـاج األحــــزا­ب، ســـواء املـعـارضـ­ة أو املوالية، على نتائج االنتخابات ومطالبتها بإعادتها، ترتسم ثالثة احتماالت: أوال، إبقاء النتائج كما هي، وهو خيار مكلف جــــدًا، مـــاديـــ­ا وســيــاسـ­ـيــا، حــيــث ال يـسـتـسـاغ تـــجـــاه­ـــل طـــلـــبـ­ــات كـــــل األحــــــ­ــزاب الــســيــ­اســيــة، وهــم شـركـاء الـحـزب الـحـاكـم، ومعظمهم من األغلبية الداعمة لرئيس الجمهورية. ثانيا، تعديل النتائج جزئيًا على األقــل في املــكــات­ــب الـــتـــي ثــبــت فــيــهــا وجـــــود اخـــتـــا­لالت باألدلة البينة. ثـالـثـا، إعـادتـهـا برمتها وربــمــا تأجيلها ملا بعد الرئاسيات .2024 وتـجـدر اإلشـــارة إلى أن املعارضة تحضر ملفا قضائيا يحتوي جميع الطعون في االنتخابات، كما ستنظم مــهــرجــ­انــا «ملــخــاطـ­ـبــة الـــــرأي الـــعـــا­م الـوطـنـي وإطـــــال­عـــــه عـــلـــى حـــجـــم الــــتـــ­ـالعــــب الـــحـــا­صـــل فــي العملية االنـتـخـا­بـيـة». نــرجــح االحـتـمـا­ل الثاني، حيث تقيم لجنة متابعة االنتخابات املكونة من وزارة الداخلية واللجنة الوطنية املستقلة لالنتخابات واألحــــز­اب السياسية الـخـروق املــذكــو­رة، وحــل اإلشـكـاال­ت املتعلقة بــهــا، أو رفـــع مــا تــعــذر عـلـى الــحــل منها إلـى القضاء للفصل فيها. ومــهــمــ­ا يــكــن مـــن أمـــــر، لـــم تــتــضــح الـخـريـطـ­ة السياسية ملا بعد االنتخابات، فالحدود بني املواالة واملعارضة ال تزال متداخلة. ويبدو أن االعـتـبـا­رات الهوياتية التقسيمية الجهوية والشرائحية والقبلية بقيت حاضرة ومؤثرة في املشهد، رغم ما يعلنه رئيس الجمهورية، في خطاباته املختلفة، من سعي إلى تحقيق الـــديـــ­مـــقـــرا­طـــيـــة والـــــعـ­ــــدل واإلنـــــ­ـصــــــاف ونــبــذ االعتبارات التقسيمية، وما يبديه من حياد وترفع عن خالفات الفرقاء السياسيني. املعطيات املوضوعية كنسبة الفقر )31%( واألمــيــ­ة )48%( وانـتـشـار األمــــرا­ض وضعف الــوعــي السياسي كلها عــوامــل أثـــرت بشكل جــلــي فـــي مــخــرجــ­ات الـعـمـلـي­ـات االنـتـخـا­بـيـة بـمـسـتـوي­ـاتـهـا املــخــتـ­ـلــفــة. وتــبــقــ­ى الـضـمـانـ­ة األســاســ­يــة لشفافية االنــتــخ­ــابــات فــي الـــدور الـــثـــا­نـــي هــــي مـــــدى قــــــدرة الــلــجــ­نــة املـسـتـقـ­لـة لــالنــتـ­ـخــابــات عــلــى مـــمـــار­ســـة صــالحــيـ­ـاتــهــا. ويبقى الحكم النهائي لواقع االستحقاقا­ت املقبلة، وكـيـف ستستفيد مـن دروس الــدور األول، وهــــي الــتــي ال تــكــاد تـخـلـو مـنـهـا في ربوع دولتنا ومثيالتها، كالتالعب باللوائح االنــتــخ­ــابــيــة لــصــالــ­ح هــــذا املـــتـــ­رشـــح أو ذاك، وشـــــراء األصــــــ­وات ورشـــــوة مـمـثـلـي الــلــوائ­ــح والتفاهم مع املراقبني الدوليني، والغش في عملية إدخال البيانات واللعب بنتائجها. ومـــع هـــذا كــلــه، تـبـقـى الــتــجــ­ربــة املـوريـتـ­انـيـة حـــريـــة بـــالـــت­ـــوقـــف عـــنـــده­ـــا، بـــمـــا تــحــمــل­ــه مـن مـــــفـــ­ــارقـــــ­ات، كـــــعـــ­ــدد االنـــــق­ـــــالبــ­ـــات ومـــعـــا­مـــلـــة االنقالبين­ي وتعيني ممثل ألحد األحـزاب من خارج صفوفه في اللجنة الوطنية املستقلة لالنتخابات.

لم تخل االنتخابات من بعض الخروق، منها ما يتعلق بالجانب اللوجستي كجاهزية المقرات، وإعداد اللوائح االنتخابية والتجهيزات واألدوات

ظهور حزب االتحاد من أجل الديمقراطي­ة والتقدم الذي برز قوة ثالثة بعد حزب اإلنصاف الحاكم وحزب تواصل ذي المرجعية االسالمية

 ?? (األناضول) ?? امرأة موريتانية في مركز اقتراع بعد اإلدالء بصوتها في االنتخابات في نواكشوط في 13 مايو/ أيار 2023
(األناضول) امرأة موريتانية في مركز اقتراع بعد اإلدالء بصوتها في االنتخابات في نواكشوط في 13 مايو/ أيار 2023

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar