Al Araby Al Jadeed

أنطون الّرفات

أُجبر الكاتب الكوبي، الذي رحل عن عالمنا األحد الماضي، على العمل في قبو المكتبة البلدية لمدة أربعة عشر عامًا، ولم يقدر حينها على نشر أي نٍص

- هافانا ـ العربي الجديد

يــعــتــب­ــر الـــكـــث­ـــيـــرون الـــشـــا­عـــر والـــــرو­ائـــــي واملــــسـ­ـــرحــــي الـــكـــو­بـــي أنــــطـــ­ـون الـــــرفـ­ــــات؛ الــذي رحــل عـن عاملنا األحــد املـاضـي في مدينة هافانا، عن عمر يناهز السابعة والـــثـــ­مـــانـــن،، أعـــظـــم كـــاتـــب مــعــاصــ­ر في كــوبــا. ولـــد أنــطــون الـــرفـــ­ات مــــراد Antón ‪Arrufat Mrad‬ عـام 1935 في سانتياغو دي كوبا، ثاني أكبر مدينة في الجزيرة ألب كتالني يحيل اسمه الثاني إلى أصل عربي وأم مـن أســرة عربية مهاجرة من بالد الشام. في سن الحادية عشرة، انتقل مع عائلته إلى العاصمة هافانا ملواصلة دراســتــه، وتــخــرج مـن جامعتها فـي عام 1979 حاصال على إجازة في اآلداب. بدأ الُّرفات مسيرته األدبية كمحرر في جريدة «اثنن الثورة»، وهي الصحيفة الــتــي أدارهـــــ­ـا الــكــاتـ­ـب والـــنـــ­اقـــد الـكـوبـي غييرمو كابريرا إنفانتي ‪،)2005 -1929(‬ ولـكـن الـسـلـطـا­ت الـكـوبـيـ­ة أغلقتها عـام ،1961 بــســبــب خــطــهــا «املــــعــ­ــادي لنهج الـــــــث­ـــــــورة». ألـــــــف الــــــرف­ــــــات الــــعـــ­ـديــــد مـن املــســرح­ــيــات والـــــرو­ايـــــات واملــجــم­ــوعــات الـــشـــع­ـــريـــة، وكـــــان مـــتـــعـ­ــدد املــــواه­ــــب، إذ كـتـب الـشـعـر والـقـصـة واملــقــا­لــة األدبــيــ­ة. إال أن عمله الـــذي سيجلب لــه الشهرة واملــــتـ­ـــاعــــب، عـــلـــى حـــــد ســــــــو­اء، ســيــكــو­ن مسرحية «سبعة ضــد طيبة» ،)1968( والتي عدت النسخة الكوبية عن مأساة أسخيلوس اليونانية، حيث يستحضر الــكــاتـ­ـب الــكــوبـ­ـي األســـطــ­ـورة الـيـونـان­ـيـة لكي ينتقد ممارسات الــثــورة، متحدثا عـــن الــحــيــ­اة الـسـيـاسـ­يـة ورمــزيــت­ــهــا في كوبا، خالل تلك الحقبة. وعـــلـــى الــــرغــ­ــم مــــن أن مــســرحــ­يــتــه نــالــت الــــــجـ­ـــــائـــ­ـــزة األدبـــــ­ـــيــــــ­ــة التـــــــ­حـــــــاد الــــكـــ­ـتــــاب والفنانن فـي كوبا فـي الـعـام نفسه، إال أنـه سيعاني بسببها - وبسبب نقديته وميوله الجنسية أيضا - من فترة طويلة من النبذ الثقافي. يقول الكاتب الذي لم يفقد اعـــتـــد­اده وحــســه الـسـاخـر الـرقـيـق: «حسنا، لم أستطع التحدث عبر الهاتف، لم يكن بوسعي استقبال أي شخص. في أحــد أيـــام الـعـمـل، عندما وصـلـت مبكرًا، اكـتـشـفـت الــعــقــ­وبــة الــتــي أنــزلــوه­ــا عــلــي: اخـــتـــف­ـــى اســـمـــي كـــكـــات­ـــب مــــن كــتــالــ­وغــات املــكــتـ­ـبــة، كـــذلـــك األمـــــر بــالــنــ­ســبــة لـكـتـبـي.

لـقـد اخـتـفـت كـلـهـا. كــانــت إحـــدى حيلهم لــجــعــل­ــهــا غـــيـــر مـــــوجــ­ـــودة. أرادوا إلـــغـــا­ء وجودي أيضا. لم يعرف أحد آنذاك أنني كـنـت هــنــاك، وإن ســأل أحـــد عني فكانت اإلجابة، بطبيعة الحال، لست موجودًا». هــكــذا أجــبــر صــاحــب دواويـــــ­ن «مـراجـعـة أخــــيـــ­ـرة» )1964( «والــــعــ­ــجــــوز الـــنـــج­ـــار» ،)1999( عـــلـــى الـــعـــم­ـــل فــــي قـــبـــو املـكـتـبـ­ة البلدية ملــدة أربــعــة عشر عــامــا. لــم يقدر حينها على نشر أي نـــص، ولــم ينطبق هــذا األمــر عليه فحسب، بـل شمل كتابا ومـــفـــك­ـــريـــن كـــوبـــي­ـــن آخــــريــ­ــن، عــــارضــ­ــوا، بــــشــــ­كــــل أو بـــــــآخ­ـــــــر، فـــــــــ­رض الـــــنــ­ـــمـــــو­ذج السوفييتي على الجزيرة. ظـــلـــت مــســرحــ­يــتــه «ســـبـــعـ­ــة ضــــد طـيـبـة» مـمـنـوعـة مــن الــعــرض ملـــدة أربــعــن عاما في كوبا، إلـى أن عرضت ألول مـرة على خشبة مسرح ميال في هافانا عام .2007 اعــتــبــ­ر الــكــاتـ­ـب وقــتــهــ­ا الــســمــ­اح بـعـرض املـسـرحـي­ـة نــوعــا مــن تصحيح األخــطــا­ء الـتـي ارتكبتها املـؤســسـ­ات الـكـوبـيـ­ة في فترة ما، وأمل عدم تكرارها. وكـــــان قــبــل ذلــــك قـــد نـــــال فـــي عــــام 2000 «الـجـائـزة الوطنية لـــآداب»، وهـي أعلى وســـام أدبـــي يحظى بــه كـاتـب فــي كـوبـا، ألنــهــا غـالـبـا مــا تعني تـغـيـيـرًا هــامــا في أوضاع الكاتب االقتصادية، ال سيما إذا كنا نتحدث عن كاتب قضى معظم حياته

اعتَبر أنّه نضج مع كوبا، كل منهما على طريقته الخاصة

األدبية منبوذًا، ألنه اتهم بـ«خيانة املثل العليا للثورة». تــــرك الــــرفــ­ــات وراءه رصـــيـــدًا كــبــيــرًا من اإلنــــتـ­ـــاج األدبـــــ­ــي فــــي الـــــروا­يـــــة واملـــســ­ـرح والـــشـــ­عـــر. مــــن أعـــمـــا­لـــه الــــروائ­ــــيــــة نـــذكـــر: «الـــــصــ­ـــنـــــد­وق مـــغـــلـ­ــق» )1984( «ولـــيـــل­ـــة املــــتــ­ــشــــائـ­ـــم» ؛)2000( أمــــــــ­ـا فــــــي مـــجـــال الـــدراسـ­ــات األدبـــيـ­ــة، فـنـذكـر لـــه: «األشــيــا­ء الصغيرة» ،)1988( و«فيرخيليو بينيرا، هـو وأنـــا» .)1995( على الـرغـم مـن فترة املـنـفـى الــتــي عـاشـهـا داخــــل وطــنــه األم، اعتبر الرفات نفسه أنه نضج مع كوبا، كـل منهما على طريقته الخاصة. على الــرغــم مــن أن نـضـوج بـلـده قــد سـبـب له املتاعب: «بال شك أنا كاتٌب كوبٌّي يكتب في كوبا ويموت فيها. أنا هافاني جدًا، وهــافــان­ــا مــديــنــ­ة صـنـعـت مـــن أجـــلـــي؛ ال يمكنني العيش في أي مكان آخر».

 ?? (فرانس برس) ?? أنطون الرفات في بيته في هافانا عام 2022
(فرانس برس) أنطون الرفات في بيته في هافانا عام 2022

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar