Al Araby Al Jadeed

خواطر مؤتمر القمة الـ23

- جواد العناني

انشغل األردنيون بالحديث عن مؤتمر القمة العربية العادية الذي عقد دورته الثانية والثالثني في مدينة جدة على البحر األحمر في اململكة العربية السعودية. وبرئاسة شرفية من امللك سلمان بن عبد العزيز، ورئاسة فعلية تولى مهامها ولي العهد األمير محمد بن سلمان. وقد كانت هذه القمة بحد ذاتها، وفي الضيوف الذين حضروها مثيرة للجدل. وأول الشخصيات التي حضرت كانت الرئيس بـشـار األســـد رئـيـس الجمهورية العربية الـسـوريـة، حيث ألقى خطابًا سعى فيه للمرور على القضايا بـحـرص شـديـد ولغة منتقاة تقول إننا سعداء بعودتنا إلى عضوية الجامعة العربية، وفي هذا تحقيق لنجاح دبلوماسي كبير. ومن ناحية أخرى ال يريد الرئيس األسـد أن يقول إنـه عائد إلـى الجامعة ممتنًا إلى الحد الذي قد يحيد قدرته التفاوضية في إنجاز ما يتوقعه منه القادة العرب اآلخرون. وقد ثارت زوبعة إعالمية، بخاصة من قبل املعارضة السورية فــي إدلــــب، ومـــن جــهــات غـربـيـة أعـلـنـت رفـضـهـا لــهــذا الــقــرار إذ تمسكت اإلدارة األميركية بتنفيذ قانون قيصر الــذي يفرض عقوبات على من يتعامل مع سورية اقتصاديًا مخالفًا أحكام ذلك القانون األميركي الذي فصل تفصيال واضحًا ضد سورية ونظامها السياسي. واتخذوا مما جرى في سورية خالل االثني عشر عامًا املاضية ذريعة لذلك. الـــدول العربية تـريـد مـن الرئيس األســـد وحكومته أن يسيروا في كتابة دستور جديد يشمل جميع أطياف الشعب السوري ومكوناته. ويريدون أن تتخذ سورية خطوات واضحة محددة مــن أجـــل إفــســاح املــجــال أمـــام الـالجـئـن­ي الـسـوريـن­ي لـلـعـودة إلـى مدنهم وقراهم من الـدول العربية التي يقيمون فيها. ويريدون كذلك إيـقـاف تدفق الـسـالح واملــخــد­رات عبر حــدود سـوريـة مع األردن والـعـراق إلـى دول الـجـوار. ولـو نفذت سورية هـذه املهام الثالث باقتدار، فإن هذا يعني أنها بدأت عملية إعادة البناء، وأنها قـررت املصالحة والتفاهم مع املعارضة، وأن سورية حريصة عـلـى أمـــن وســالمــة جـيـرانـهـ­ا. وال شــك أن الــــدول الـعـربـيـ­ة التي عملت على عودة سورية عبر إعالن عمان واجتماع نفس وزراء الخارجية في شرم الشيخ، ومن ثم املصالحة السعودية السورية وإعــادة فتح السفارتني لكل بلد في عاصمة البلد اآلخـر كانت جهودًا ناجمة عن قرار بإعادة رسم املشهد الدبلوماسي العربي على أساس املصالح، وانتهاج مبدأ الريال بوليتيك، وليس قبوال بما جرى في سورية من هدم وقتل ولجوء. واستمرار الوضع على حـالـه كما كــان قبل القمة األخــيــر­ة لـم يكن ليفيد الشعب السوري الذي يتفهم الكل حجم املعاناة التي كابدها. وفـي املقابل، فـإن القول إن الوطن العربي قد عـاد إلـى سورية، كما تقول بعض أجهزة االعــالم السورية ليس بالكالم املفيد. وهو شبيه بما قالته أجهزة اإلعـالم املصرية بعد عـودة مصر إلى الجامعة العربية. قد يفهم على أنه سعي من هذه األجهزة لـلـتـفـاخ­ـر بـرئـيـسـه­ـا، ولــكــن الــرئــيـ­ـس األســــد لـــم يـسـتـخـدم هــذا االصطالح في خطابه الذي ألقاه في املؤتمر. أما الضيف الثاني وهو الرئيس األوكراني فلوديمير زيلينسكي البالغ من العمر 46 عامًا، فهو يهودي الديانة، وتاريخه يشير إلى دعمه إلسرائيل والوقوف معها، حتى وهي تذبح الفلسطينين­ي املسلمني واملسيحيني في فلسطني وسورية ولبنان. وهو يمثل البلد الذي يرتاده كثير من العرب، ويقيمون فيه ألغراض العمل، أو التجارة، أو االستثمار، أو الدراسة. وقد اعتبر بعض املحللني العرب أن وصول الرئيس األوكراني إلى جدة، وإلقاءه خطابًا أمام القادة العرب كان قرارًا جدليًا إلى أبعد الحدود. والذين انتقدوا هذا الترتيب حملوا املسؤولية عن ظهوره املفاجئ على كاهل ولي العهد السعودي األمير محمد بن سلمان. وقالوا إن في هذا األمر محاولة دبلوماسية الحتواء االنتقادات األميركية والعربية التي وجهت للسعودية لدعوتها للرئيس السوري لكي يحضر املؤتمر. ربــمــا تــتــعــد­د األســـبــ­ـاب واملـــحــ­ـفـــزات الــتــي دفــعــت الـدبـلـوم­ـاسـيـة الـسـعـودي­ـة لــدعــوة الـرئـيـس زيلينسكي ملـنـاشـدة الــقــادة الـعـرب للوقوف إلى جانب بالده في حربها ضد روسيا بدال من املوقف املحايد الذي اتخذته معظم الدول العربية من تلك الحرب. وإذا كان هناك ضغط أميركي على السعودية لكي تستقبل زيلينسكي فإن األسباب التي جعلت السعودية تقبل بذلك قد تكون ثالثة. أولها أن السعودية قد بذلت جهدًا دبلوماسيًا ونسقت مع الصني من أجل أن تقدم األخيرة مقترحًا واضحًا للوصول إلى إنهاء للحرب في أوكرانيا. وبهذا تتعمق عالقة السعودية مع الصني من دون إعطاء الواليات املتحدة عذرًا لتأخذ موقفًا متأزمًا من السعودية. والثاني أن السياسة الخارجية السعودية موجهة بالذات نحو التهدئة فـي منطقتنا، والتركيز على إنـهـاء الـخـالفـا­ت الغربية العربية، والخالفات الدولية ذات األثـر السمي على رغـد العرب بــشــكــل عــــام ومــســتــ­وى عـيـشـهـم الـــكـــر­يـــم. فــالــحــ­رب الــروســي­ــة األوكـرانـ­يـة قـد ساهمت فـي انقطاع سالسل التزويد للحبوب، خاصة القمح، الــذي تشكل الـسـوق العربية أكبر مستورد له. وكذلك أدت إلى تراجع مستويات املعيشة في دول العالم الثالث بسبب التضخم. فالحرب واملقاطعات والعقوبات االقتصادية التي فرضتها الــدول الغربية على إيــران وروسـيـا وسـوريـة قد ساهمت في تقليل القوى الشرائية ملداخيل الدول الواقعة تحت العقوبات، والدول النامية بشكل عام. وفـي مجال النفط، فـإن شركات النفط الكبرى مثل شيفرون، وإكـس موبيل، وشـل، وشركة النفط البريطانية )BP( وتوتال الفرنسية حققت أربـاحـًا خيالية خـالل العام .2022 وبلغ هذا الربح غير املتوقع حــدودًا جعلت الرئيس األميركي جو بايدن يـشـتـكـي مــنــه. ولـــو أضــفــنــ­ا إلـــى ذلـــك أربـــــاح شـــركـــا­ت الــســالح، وشركات السمسرة والبورصات السلعية في العالم والبنوك، لرأينا أن نتائج هذه الحرب قد أثقلت كاهل االقتصاد العاملي، حــتــى داخــــل الـــــدول الــتــي تــوجــد فـيـهـا هـــذه الـــشـــر­كـــات. وصـــار واضـحـًا أن أرصـــدة شـركـات النفط قـد فاقت بكثير فـي اآلونــة األخــيــر­ة أرصـــدة شـركـات التكنولوجي­ا الـرقـمـيـ­ة. وارتــفــا­ع قوة شركات النفط والسالح والحبوب يذهب لصالح املحافظني على حساب الليبرالين­ي. ولذلك، فـإن شكوى الرئيس األميركي جو بـايـدن مـن ارتــفــاع ثـــروة الـشـركـات فيه إبـــداء واضـــح لقلق على نتائج االنتخابات الرئاسية والتشريعية العام املقبل .2024

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar