Al Araby Al Jadeed

في ذكرى النكبة... َغيمٌة أيَنعت

- كمال عبد اللطيف

وصـلـت إلـــي صبيحة يــوم 15 مـايـو/ أيـار املاضي رسالة من صديق يخبرني بذكرى النكبة الفلسطينية، ومــرور 75 سنة على وقوعها. وعندما فتحت رسالته، وجـدت نــفــســي أســتــمــ­ع إلحـــــدى قــصــائــ­د مـحـمـود درويش عن النكبة وما تالها. كان ملصق الفـيـديـو/ الـرسـالـة قـد أعــــد بـصـورة تمنح الـــرائــ­ـي إحــســاسـ­ـا بــحــركــٍة راقـــصـــٍة لسيدة فلسطينية، تحمل أمتعتها بيد ومفتاح بــيــتــه­ــا بـــالـــي­ـــد األخــــــ­ــرى، ســـيـــدة مــرســومـ­ـة بـــاســـت­ـــعـــمــ­ـال رقــــمـــ­ـن، رقـــــم ســبــعــة وخــلــفــ­ه خمسة. سـيـدة تحمل مفتاح البيت الــذي هـــجـــرت مــنــه، أو الــــذي هـــــدم فــــوق رؤوس أهلها بفعل غارات العدوان اإلسرائيلي. تـــــــذك­ـــــــرت وأنـــــــ­ـــا أتــــــأم­ــــــل صـــــــــ­ـورة املـــلـــ­صـــق مـــشـــار­كـــتـــي مـــنـــذ 30 ســـنـــة فــــي نـــــــدو­ة فـي عـــــمـــ­ــان، بـــمـــنـ­ــاســـبــ­ـة مـــــــرو­ر 45 ســـنـــة عـلـى الـنـكـبـة، وكـــان مـوضـوعـهـ­ا يتعلق بـعـودة الــالجــئ­ــن. شــــارك فـيـهـا فلسطيني يحمل مفتاح بيته، ويتساءل إن كان بيته ما زال قائما أم هـــدم؟ وقـد جعلنا بأسئلته نفكر في مآالت شعب هجر من دياره وأراضيه، شعب سكن املخيمات منتظرًا العودة ذات يــوم... فأدركت أن املفتاح من رمـوز النكبة املتواصلة، كما أدركـــت أن الحلم بالعودة يعد أفقا من اآلفاق التي تؤجج في أذهان املـــؤمــ­ـنـــن بـــعـــدا­لـــة الــقــضــ­يــة الـفـلـسـط­ـيـنـيـة خـيـار املـقـاومـ­ة الـيـوم وغـــدًا. استمعت إلى الــقــصــ­يــدة الــتــي حملتها رســـالـــ­ة الـتـذكـيـ­ر بيوم النكبة، وأدركــــت أن قصائد الشاعر وأحاديثه عن النكبة منذ حصولها ركبت في تاريخ النضال الفلسطيني سجال من املـــالحـ­ــم واآلداب والـــفـــ­نـــون، وقــــد تـحـولـت الـــيـــو­م إلــــى أبـــــرز عــنــاويـ­ـنــهــا وأحــــوال­ــــهــــا... وتـــــزدا­د أهـمـيـة املـــواقـ­ــف اإلبــداعـ­ـيــة عندما تحصل مواكبة بينها وبن أفعال الصمود واملــقــا­ومــة، حتى عندما تـصـنـف املقاومة الـــجـــا­ريـــة الــــيـــ­ـوم، تـــحـــت عــــنــــ­وان املـــقـــ­اومـــة الــفــردي­ــة واملـتـقـط­ـعـة، فــالــشــ­رارات املـقـاومـ­ة كيفما كـانـت تظل دائـمـا عنوانا إلمكانية تحول لهيبها إلى نار مشتعلة ومتطايرة. قـــرأت الـقـصـيـد­ة بــأعــن تـتـابـع وتــقــرأ فعل املـقـاومـ­ة الـجـاريـة منذ أيـــام، فـي غـــزة وفي املدن والقرى الفلسطينية املحتلة، باعتبار أنها تقدم الدليل على أن النكبة متواصلة، وأن مـــقـــاو­مـــتـــهـ­ــا، ومــــقـــ­ـاومــــة مـــــا أنــتــجــ­ت فـــوق أرض فلسطن مــن كــــوارث وفــواجــع، تــســتــد­عــيــان مـــواصـــ­لـــة مـــواجـــ­هـــة مـخـتـلـف أفــــعـــ­ـال االقــــتـ­ـــالع الــجــنــ­ونــيــة واملـــجــ­ـنـــونـــ­ة، الـــتـــي مــــا فــتــئــت إســـرائــ­ـيـــل تـــمـــار­ســـهـــا فـي قـلـب الــديــار الفلسطينية... استمعت إلـى القصيدة تقول بمفردات محمود درويش وهو يتذكر أحوال الفلسطينين... «مشيت عـلـى مــا تـبـقـى مــن الـقـلـب صـــوب الـشـمـال/ ثــالث كنائس مهجورة /)...( قــرى كنقاط على أحرف محيت /)...( كنت أتبع وصف

‪ٌَ ٌُ‬ املكان/ هنا شجر زائد وهنا قمر ناقص/

ٌَ وكما في القصائد ينبت عشب على حجر يتوجع/ ال هو حلم وال هو رمز يدل على طائر وطني/ ولكنه غيمة أينعت». حملتني الغيمة التي أينعت في القصيدة إلــــى تـــاريـــ­خ الــنــكــ­بــة، وتـــاريــ­ـخ مـواجـهـتـ­هـا املــــتــ­ــواصــــل­ــــة لـــالســـ­تـــعـــمـ­ــار االســـتــ­ـيـــطـــا­نـــي الصهيوني، فاستحضرت بعض عناوين أزيـــــــ­ـد مـــــن ســـبـــعـ­ــة عــــقــــ­ود مــــتــــ­واصــــلــ­ــة مــن الـتـراجـي­ـديـا الفلسطينية، بكل مــا خلفته من آثار في الحاضر الفلسطيني والعربي. تـذكـرت أنـه تعاقبت في موضوع املقاومة ثــالثــة أجـــيـــا­ل مـــن الـفـلـسـط­ـيـنـيـن، والــحــال على حالها. النكبة متواصلة وانتفاضات املـقـاومـ­ة متواصلة. كما أن جـرائـم الكيان الصهيوني لم تتوقف، حتى عندما تعلن طقوس إجـراءات السالم، ويجري الحديث عـــن حــكــم ذاتـــــي انــتــقــ­الــي ودولــــــ­ة واحـــــدة، فنحن نجد أنفسنا في قلب كل ما حصل منذ سنة ،1948 أمام تداعيات النكبة، أمام الهجرة والتهجير واملخيمات، أمام أفعال االقتالع املتوحش والطرد والهدم والسرقة والتشريد. كما نجد أنفسنا في السجون والــحــرا­ئــق واملــجــا­زر واملـــعــ­ـازل، ومــا تــرتــب ويـــتـــر­تـــب عـــن كـــل مـــا ذكـــرنـــ­ا، مـــن حـكـايـات املـــوت والـنـسـيـ­ان وعـــذابــ­ـات الــفــقــ­دان. نجد أنفسنا أمام أخطبوط الصهيونية يمارس أبشع صور البطش والطغيان. يصادف ذكــرى النكبة هـذه السنة غضب

إسرائيلي من الحكومة القائمة وإجراء اتها فــي مـجـال إصـــاح الـقـضـاء، حـيـث ينتشر الغضب وتنتشر إجـــراءات املواجهات مع املـــعـــ­ارضـــة. وتـــمـــا­رس الـحـكـومـ­ة الـجـديـدة عمليات القتل العشوائي للفلسطينين، كــــمــــ­ا تـــــواصـ­ــــل هـــــــدم املــــــن­ــــــازل والــــســ­ــمــــاح بمذابح املستوطنن، إضافة إلى القصف والــــحــ­ــصــــار املـــنـــ­تـــظـــم لـــــغـــ­ــزة. وفـــــي ســيــاق ذلـــــك، نـــتـــذك­ـــر جـــيـــدًا صــــور الـــصـــم­ـــود كما رسمتها أفــعــال االنـتـفـا­ضـات املـتـواصـ­لـة، وبـــجـــو­ارهـــا تـحـضـر بــاســتــ­مــرار حـكـايـات األطــــفـ­ـــال والـــنـــ­ســـاء والـــشـــ­يـــوخ، ومـخـتـلـف الـــــتــ­ـــحـــــو­الت الــــحـــ­ـاصــــلــ­ــة داخـــــــ­ــل مــجــتــم­ــع الـفـلـسـط­ـيـنـي فـــي الــــداخـ­ـــل وفــــي الــشــتــ­ات. جـــــــرب الــفــلــ­ســطــيــن­ــيــون، وهـــــم يـــواجـــ­هـــون االسـتـعـم­ـار الـصـهـيـو­نـي، مختلف أشـكـال الـصـمـود واملــقــا­ومــة، كـمـا انـخـرطـوا تحت ضـغـط الــهــزائ­ــم واالنــكــ­ســارات الـتـي كانت تـقـف وراء الــكــيــ­ان الـصـهـيـو­نـي وحـلـفـائـ­ه مــــن الـــــقــ­ـــوى االســـتــ­ـعـــمـــا­ريـــة الـــغـــر­بـــيـــة، فـي عمليات تجريب خيار السام واتفاقياته بـعـد طـريـق الــحــروب واالنــتــ­فــاضــات التي لـم تـتـوقـف، جــربــوا طـريـق قـنـوات املنتظم الدولي والقانون الدولي، األمر الذي حول الصراع الفلسطيني مع الكيان الصهيوني إلى ملحمة من جوالت التوتر والتصعيد، وجــــوالت مـواصـلـة االقــتــا­ع واالستيطان والضم. فضاعت مامح اتفاقيات السام وإجراء اته، ولم يعد هناك مفر من عمليات مواصلة املواجهة. وفي الذكرى الخامسة والسبعن للنكبة، يقف الصهاينة مجددًا بـــعـــتـ­ــادهـــم أمــــــام بـــقـــاي­ـــا شـــعـــب أعـــــــز­ل، فـي مناطق معزولة من أرضه، ليواصلوا القتل والهدم واكتساح ما تبقى من األرض. ال تــــتــــ­ردد إســـرائــ­ـيـــل، وهــــي تـــواجـــ­ه حـركـة املــقــاو­مــة الــجــديـ­ـدة فـــي ذكــــرى الـنـكـبـة، في ارتكاب جرائم حـرب جديدة تضيفها إلى ســـجـــل تــاريــخـ­ـهــا الــــدمــ­ــوي، إنـــهـــا ال تـــدرك أن الــــــزا­لزل الــتــي فـــجـــرت املــقــاو­مــة مــجــددًا أسقطت إلى األبد أسطورة األسرلة الهادفة

إلـــى طـمـس األثــــر والــشــعـ­ـب الفلسطينين ومحوهما، وذلك على الرغم من كل الغارات والتفجيرات التي قام بها الصهاينة، منذ استوطنوا األرض وأحاطوا املدن باألساك واألسوار، كما أسقطت اللغة التي تستعمل في وصف الفلسطينين، في أثناء مراسيم تــطــبــي­ــعــهــا الـــجـــد­يـــد مــــع بـــعـــض األنـــظــ­ـمـــة الــعــربـ­ـيــة... غــاراتــه­ــا الــجــديـ­ـدة الـــيـــو­م تــعــد امــتــدادًا لسياسة اإلرهـــاب الـتـي تمارسها دائمًا في حق الشعب الفلسطيني. كـــــم تـــمـــنـ­ــيـــت أن تــــكــــ­ون مـــنـــاس­ـــبـــة ذكـــــرى هــــــذه الـــســـن­ـــة فــــرصـــ­ـة لــــوقـــ­ـف انـــقـــس­ـــامـــات الفلسطينين، نفض اليد من الثانوي في املشروع الوطني الفلسطيني، نفض اليد مـــن إجــــــرا­ء ات اتـــفـــا­ق لـــم يــرفــع الـعـنـصـر­يـة والعنف، ولم يرفع الحصار عن غزة واملدن والـقـرى الفلسطينية. ولهذا يظل مشروع الـــتـــح­ـــريـــر بــمــثــا­بــة الـــجـــا­مـــع األكــــبـ­ـــر لــــروح قـضـيـة آن أوان تخليصها مــن الـخـافـات الـثـانـوي­ـة والــعــار­ضــة، فــا وقـــت ملــواقــف ال تــمــنــح مـــشـــرو­ع الـــتـــح­ـــريـــر، روح املـــشـــ­روع الوطني الفلسطيني األولوية التي تجعله املــحــرك الـفـاعـل، مــن أجـــل مـواجـهـة حاضر الكيان الصهيوني، مواجهة إسرائيل وهي تواصل استيطان األرض وتزوير التاريخ وتـوسـيـع دوائــــر املــطــبـ­ـعــن. ذكـــرى النكبة تضعنا اليوم أمام أفق واحد كبير، مشروع التحرير أوال.

يظل مشروع التحرير بمثابة الجامع األكبر لروح قضية آن أوان تخليصها من الخالفات الثانوية والعارضة

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar