Al Araby Al Jadeed

زرعته المعارضة السورية وجناه النظام

- طارق عزيزة

أثـــارت عـــودة الـنـظـام الــســوري إلــى جامعة الــــــدو­ل الـــعـــر­بـــيـــة، ومـــشـــا­ركـــة بـــشـــار األســـد فــــي قـــمـــة جــــــدة عـــاصـــف­ـــة مــــن ردود الــفــعــ­ل الغاضبة واملستنكرة في أوساط السورين املــــعــ­ــارضــــن، فــــي اإلعــــــ­ــالم وعــــلـــ­ـى وســـائـــ­ل التواصل االجتماعي، حيث امتزج الغضب بــاإلحــب­ــاط ومــشــاعـ­ـر الـــخـــذ­الن. فـــي الــوقــت نفسه، قللت أصوات هنا وهناك من أهمية ما جرى، استنادًا إلى افتراض من الصعب الـــركـــ­ون إلـــى صـحـتـه أو احـتـمـالـ­يـة تحققه إذا كــــان صــحــيــح­ــا، عـــن مــطــالــ­ب وشــــروط عربية مرتبطة بالتسوية السياسية، على األســــد تلبيتها فـــي قــــادم األيـــــا­م. وإذ ركـــز بعضهم على هجاء جامعة الدول العربية، وخصوصا الدول التي دعمت جهود النظام الرامية إلــى استعادة مقعد سـوريـة فيها، وهـــيـــأ­ت الـــظـــر­وف لتحقيق هـــذه الـخـطـوة، فـإن هناك من لم ينس التذكير بمسؤولية هـيـئـات املــعــار­ضــة الــســوري­ــة الـرسـمـيـ­ة عن املـــآل الـــذي انـتـهـت إلـيـه األمــــور، فــي إشـــارة إلـــى فشلها الـسـيـاسـ­ي املـــزمــ­ـن، وتبعيتها

ًّ املطلقة للجهات الـداعـمـة واملـمـولـ­ة، فضال عـــن فـــســـاد­هـــا وتـــرهـــ­لـــهـــا. لــيــس خــافــيــ­ا أن الكيانات السياسية املعارضة التي تشكلت بعد الثورة السورية، ونالت اعترافا عربيا ودولـــيــ­ـا، لــم تنبثق مــن الـــشـــا­رع املنتفض، ولـــم تـكـن هــيــئــا­ت منتخبة تــحــوز شـرعـيـة تـمـثـيـلـ­يـة، وإنـــمـــ­ا فـــرضـــت عــلــى الــســوري­ــن مـــن بــعــض دول فــاعــلــ­ة إقــلــيــ­مــيــا وعــاملــي­ــا، بـدءًا من تجربة املجلس الوطني السوري، مـــــرورًا بــائــتــ­الف قـــوى الـــثـــو­رة واملــعــا­رضــة و«الـحـكـومـ­ة املــؤقــت­ــة» الـتـابـعـ­ة لـــه، وصـــوال إلـــى الـهـيـئـة الـعـلـيـا لــلــمــف­ــاوضــات، وأخــيــرًا وفــــد املـــعـــ­ارضـــة فـــي الــلــجــ­نــة الـــدســـ­تـــوريـــ­ة. وعــلــى الــرغــم مــن وجـــود مــن تـحـلـى بـشـيء مـن املصداقية وااللــتــ­زام الـجـدي بالقضية الــســوري­ــة بـــن املــجــمـ­ـوعــات والـشـخـصـ­يـات التي تشكلت منها تلك األجسام السياسية، إال أنــهــا لــم تــكــن، فــي املـحـصـلـ­ة، فــــرادى أو مجتمعة، على قدر املسؤوليات والتحديات الــكــبــ­رى الــتــي تطلبتها الـــثـــو­رة الــســوري­ــة،

وكثيرًا ما أهدرت الجهود من أجل مصالح أو خالفات شخصية وحزبية، على حساب املصلحة الـوطـنـيـ­ة، بـل كثيرًا مـا فــاق والء أصـحـاب الــقــرار لـلـدول الـراعـيـة والتزامهم أجنداتها والءهـم لقضية الشعب السوري وتطلعاته، على ما يستشف من سلوكهم وحـصـيـلـة عـمـلـهـم. اســتــطــ­اع ثــــوار سـوريـة وثائراتها، في بدايات الثورة، جذب الدعم والـتـضـام­ـن الشعبي قـبـل الـحـكـومـ­ي، على املستوين، العربي والدولي، بصورة فاقت مــثــيــا­لتــهــا فــــي أي مــــن مـــحـــطـ­ــات «الـــربـــ­يـــع الـــــعــ­ـــربـــــ­ي»، وكــــــــ­ان مـــــن أهـــــــم أســـــبــ­ـــاب ذلــــك مدنية الـثـورة واتـسـاع نطاقها، واألشـكـال اإلبـــــد­اعـــــيــ­ـــة مـــــن الــــنـــ­ـضــــال الـــســـل­ـــمـــي الـــتـــي انتهجها الــســوري­ــون فــي مـواجـهـة العنف املـفـرط ألجـهـزة األمـــن. ومــع تفاقم وحشية النظام وزجه الجيش للقضاء على الثورة، انحسر الحراك الشعبي، وظهرت املعارضة املـسـلـحـ­ة تـحـت مـسـمـى «الـجـيـش الـسـوري الحر»، لتستمر حالة التضامن والتعاطف مع الثورة السورية، لكن إلى حن. خيمت فوضى السالح وحالة التناحر الفصائلي على املشهد، وتشكلت مجموعات إسالمية مقاتلة، ينتمي بعضها إلــى تيار الجهاد العاملي، أنكرت املعارضة وجـودهـا بداية، ثـــــم اخــــــتـ­ـــــارت تـــغـــطـ­ــيـــتـــ­هـــا ســـيـــاس­ـــيـــا عــبــر بـــيـــان­ـــات رســمــيــ­ة تــعــدهــ­ا «جـــــزءًا مـــن ثـــورة الــشــعــ­ب الــــســـ­ـوري»، بــالــتــ­زامــن مـــع فشلها في إدارة املناطق التي خرجت عن سيطرة النظام الــذي غــذى آلته الدعائية بكل هذه املعطيات، وعمل على تضخيمها لتكريس سرديته عن «محاربة اإلرهـــاب». تضافرت تلك الـعـوامـل وغـيـرهـا، لتدفع دوال عديدة دعمت الثورة في البداية إلـى إعــادة النظر في مقارباتها السياسية واألمنية للملف الــــســـ­ـوري. عــلــى هــــذا الــنــحــ­و، لـــم تــعــد قصة «مــحــاربـ­ـة اإلرهـــــ­ـاب» جــــزءًا مـــن بـروبـاغـن­ـدا الـــنـــظ­ـــام وحــلــفــ­ائــه فـــقـــط، بـــل تـــحـــول­ـــت إلــى بند ذي أولـويـة قصوى على جــدول أعمال خصومه. وراجت لدى هؤالء مقولة «غياب الــبــديـ­ـل»، مــن أجـــل تـبـريـر تــراخــي مواقفهم تــجــاه األســـد ونــظــامـ­ـه، نــظــرًا إلـــى الحقائق الناشئة على األرض، والــنــمـ­ـوذج البائس

كانت المآالت ستختلف، سياسيًا على األقل، لو حرصت المعارضة على التمّسك بشيٍء من االستقاللي­ة

الــذي قدمته فصائل املعارضة فـي مناطق سيطرتها. مــؤكــد أن بــقــاء نــظــام األســـد لم يكن نتيجة صـمـوده اعـتـمـادًا على قـدراتـه الذاتية، وإنما بفعل تدخل إيــران وروسيا بكل قـــوة إلنـــقـــ­اذه، لـكـن مــا ساعدهما على الـنـجـاح افـتـقـار املـعـارضـ­ة املسلحة لغطاء جـــوي، ومـحـدوديـ­ة الـدعـم العسكري املـقـدم لـهـا، العــتــبـ­ـارات تتعلق بتفاهمات دولـيـة وإقـــلـــ­يـــمـــيـ­ــة مـــــعـــ­ــقـــــدة، لـــــم تـــحـــسـ­ــن هــيــئــا­ت املــعــار­ضــة الـسـيـاسـ­يـة فـهـمـهـا أو الـتـعـامـ­ل معها. أغلب الظن أن املآالت كانت ستختلف، سياسيا على األقل، لو أن املعارضة حرصت عـــلـــى الـــتـــم­ـــســـك بــــشــــ­يء مــــن االســـتــ­ـقـــاللــ­ـيـــة، بـحـيـث تـسـعـى إلـــى اســتــغــ­الل الـتـنـاقـ­ضـات بـــن مـخـتـلـف األطــــــ­ـراف، عــوضــا عـــن العمل فـي خدمتهم والتنكر لضحايا النظام في املقابر واملعتقالت. كان حريا بها أن تحاول الــتــأثـ­ـيــر عــلــى مــصــالــ­ح الـــقـــو­ى الــخــارج­ــيــة ميدانيا، بالشكل الذي قد يؤدي إلى نتائج تصب في مصلحة الشعب السوري، أو على األقل يجعل من مسألة التطبيع مع النظام أكـثـر صعوبة. وبــنــاء على مـا سـبـق، يمكن القول إن بعض ما يجنيه األسـد اليوم هو ما زرعته املعارضة في األمس.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar