Al Araby Al Jadeed

قمة جدة... ترسيم نهاية الربيع العربي

- محمد أحمد بنّيس

تبدو قمة جدة، التي انعقدت الجمعة املنصرمة، وكأنها نهاية رسمية للربيع العربي، بما يعنيه ذلك من ‹›إعادة االعتبار›› للنظام العربي الرسمي الذي اهتزت أركانه قبل أكثر من 12 عامًا، على وقع احتجاجات شعبية لم تشهدها املنطقة من قبل، وبما يعنيه أيضًا من تبخر أحــالم الشعوب العربية في الحرية والديمقراط­ية والكرامة والعدالة االجتماعية. ولعل ما يجعل هذه القمة إعالنًا بإغالق قوس الربيع العربي حضور الرئيس السوري، بشار األسد، أشغالها، بعد عزلة طويلة فرضتها األزمة السورية بكل األطوار املأساوية التي شهدتها طوال أكثر من عقد، فقد بدا في لحظة

ٍّ أن هناك قرارًا عربيًا رسميًا بتبييض كل ما ارتكبه النظام السوري من فظاعات بحق

ّّ شعبه بعد أن تبدلت األولويات واالصطفافا­ت في املنطقة، على الرغم من أن حضور األسـد كان محط اعتراض الـدول الغربية الكبرى، وباألخص الواليات املتحدة، غير أن اعتراضها خفت حدته بعد حضور الرئيس األوكراني، فولوديمير زيلينسكي، ليشكل ذلك نقطة تــوازن ال تخلو من داللـة في مقابل حضور الرئيس السوري. ال تنفصل قمة جدة عما تشهده املنطقة من تحوالت، يصب معظمها في تصفية تركة الربيع العربي، بعد إجهاض املسار الديمقراطي في تونس، وإخفاق املوجة الثانية من الـثـورات العربية في الجزائر والــســود­ان ولبنان والــعــرا­ق، وانـــزالق الـسـودان إلى حرب أهلية مفتوحة، وغياب أي أفق لتسوية األزمتني اليمنية والليبية. وهو ما يعني، حتمًا، صعود قوى الثورة املضادة التي باتت أكثر قدرة على التأثير في التجاذبات التي يشهدها اإلقليم على غير صعيد، بعد انكفاء حركات االحتجاج وانحسار فاعليتها في دينامية التدافع السياسي واالجتماعي. يبدو هذا الصعود محكومًا، حسب مخرجات قمة جدة، بأولويات ال تحتمل التأخير، يتصدرها ‹›تعزيز العمل العربي املـشـتـرك›› الــذي ال يعني غير إعـــادة إنـتـاج نظام عربي رسمي مشلول ال يعكس تطلعات املواطن العربي. ويمكن القول إن تأكيد القمة على ‹›مركزية القضية الفلسطينية›› ال يـعـدو كـونـه نقطة تــــوازن أخـــرى فــي هـــذا الــصــدد، إذ ال يستقيم هـذا التأكيد مع مسار التطبيع الــذي تسلكه دول عربية مع الكيان الصهيوني. ال تنفصل قمة جدة، كذلك، عن االتفاق السعودي اإليراني املوقع في بكني في مارس/ آذار املنصرم، الــذي ال شك أن األزمــة اليمنية بكل تعقيداتها السياسية واملذهبية والجيوسياس­ية تقع ضمن محاوره العريضة. وهو ما يوسع هامش املناورة أمام السعودية، من خـالل التفاوض مع إيــران على حــدود نفوذها املذهبي والسياسي في اليمن واإلقليم عموما، خصوصا أن الرياض لعبت دورا كبيرا في دفع النظام الرسمي العربي إلـى القبول بعودة نظام األســد لشغل املقعد الـسـوري في جامعة الدول العربية. لقد كانت عودة هذا النظام إلى الجامعة مشروطة بمخرجات االتفاق الذي يبدو أنها لم تكن قد نضجت خالل القمة العربية التي انعقدت في الجزائر، وكان يتوقع حضور الرئيس السوري أشغالها. لم يعد التحالف اإليراني السوري يشكل مصدر قلق للنظام العربي الرسمي، على األقل بالنسبة للسعودية التي تتطلع إلى توجيه التحالفات الجديدة في املنطقة واستخالص عائداتها، مستفيدة من تداعيات الحرب الروسية األوكرانية، التي ستفضي، مهما كانت نتائجها على املـيـدان، إلى تعديل ميزان القوى في العالقات الدولية بقدر أو بآخر. الـيـوم، يغلق قــوس الربيع العربي بعد مخاض عسير نجحت فيه الـثـورة املـضـادة في استعادة املــبــاد­رة، مستفيدة من السياقني اإلقليمي والـدولـي املطبوعني بأزمة

ٍّ اقتصادية عاملية بسبب تداعيات الجائحة والحرب الروسية األوكرانية وانحسار مد الحركات االحتجاجية في اإلقليم والعالم. بيد أن ذلك لن يحول دون استمرار شعوب املنطقة في التطلع إلى القطع مع االستبداد والفساد والتخلف. قد تكون املوجتان، األولى والثانية، من الثورات العربية قد أخفقتا ألسباب يطول الخوض فيها، لكن ذلك ال يعني أن اإليمان بحتمية التغيير سيتوقف، في ظل استمرار األسباب التي كانت وراء تفجر االحتجاجات الشعبية نهاية 2010 ومطلع .2011

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar