العدد 3188 السنة التاسعة Thursday 25 May 2023
حقيبة اإلخالء األسرية جاهزة دومًا في غزة دفعت حاالت الهرب من القصف اإلسرائيلي المفاجئ كثيرا من الغزيين إلى اعتياد تجهيز األوراق الرسمية، وعادة ما توضع في حقيبة تشبه الحقائب المدرسية
خـــــالل عــــــــدوان االحـــــتـــــالل اإلســـرائـــيـــلـــي عــلــى قــطــاع غـــزة فـــي عـــام ،2014 فـقـدت الـفـلـسـطـيـنـيـة نــائــلــة أبــــو زيـــنـــة جميع الــــــوثــــــائــــــق الــــرســــمــــيــــة الـــــخـــــاصـــــة بــهــا وبعائلتها، وفقدت حتى ألبومات صور أطــفــالــهــا، وكـــــذا مــصــوغــاتــهــا الـذهـبـيـة وبـــعـــض املـــــال الـــــذي كـــانـــت تـحـتـفـظ به فــي املـــنـــزل، ورغـــم أن الـعـائـلـة نـجـت من املـجـزرة التي ارتكبت بحق سكان حي الشجاعية، لكنها ال تـزال تتحسر على ما جرى حينها حتى اليوم. عـنـدمـا وقـــع عـــــدوان مـــايـــو/أيـــار ،2021 نــزحــت أبـــو زيــنــة 40( ســنــة) مــن الشقة الــــتــــي عــــاشــــت فـــيـــهـــا مـــنـــذ عــــــام ،2016 والــكــائــنــة فـــي حـــي الـــرمـــال بــالــقــرب من شـــارع الــوحــدة، لكنها هــذه املـــرة كانت قــد اســتــعــدت جــيــدا، إذ وضــعــت جميع مـــتـــعـــلـــقـــاتـــهـــا الـــشـــخـــصـــيـــة والــــوثــــائــــق الـــرســـمـــيـــة الـــخـــاصـــة بـــهـــا وبــأطــفــالــهــا وزوجــــهــــا فـــي حـقـيـبـة صــغــيــرة أطـلـقـت عليها «حقيبة الطوارئ». تـــقـــول أبــــو زيـــنـــة لــــ «الـــعـــربـــي الـــجـــديـــد»: «اســـتـــغـــرقـــت نـــحـــو عـــــام كــــامــــل إلعـــــادة اســـتـــخـــراج وثــائــقــنــا الــرســمــيــة بــعــد أن دمرها االحـتـالل مع منزلنا في عـدوان .2014 أكــــثــــر مــــا يـــؤملـــنـــي أنــــنــــي فــقــدت صــــوري مــع والـــدتـــي الــتــي تـوفـيـت قبل عــشــر ســـنـــوات، وبــعــض صــــور أطـفـالـي حـن كـانـوا صــغــارًا. هــذه الـصـور كانت بالنسبة لي أهم من الذهب واملال الذي فـــقـــدتـــه، وهـــــذه الــتــجــربــة دفــعــتــنــي إلــى تجهيز حقيبة تضم كل متعلقاتنا، فال يوجد أمان في غزة، وكل شيء معّرض للدمار في أي لحظة، وال تــزال مشاهد املوت في حي الشجاعية تطاردني». وتضم حقيبة الــطــوارئ عــادة الوثائق الــرســمــيــة، وبــعــض الــصــور الــتــذكــاريــة، واألمـــوال والـذهـب، ومـا أن يعلن جيش االحتالل بدء عملية عسكرية ضد سكان القطاع، حتى تبدأ العائالت االستعداد، بعد أن فقد العديد منهم أوراقـهـم بعد قصف منازلهم في مرات سابقة. وبـسـبـب حــالــة االنــقــســام الفلسطيني، فـــإن طـلـبـات اســتــخــراج وثــائــق رسمية أو بــــدل فـــاقـــد بــالــنــســبــة لــســكــان قـطـاع غــزة أصبحت تتم عبر مكاتب، تتولى تـقـديـم الـطـلـبـات للسلطة الفلسطينية فــــي رام الــــلــــه، وعـــلـــى رأســــهــــا جــــــوازات السفر، وبعض التصديقات من وزارات السلطة، ما يجعل الغالبية يحرصون على املحافظة على األوراق الرسمية. وخـــــاطـــــر بـــعـــض الــــغــــزيــــن فـــــي حـــــاالت املـــغـــادرة بــنــاء عـلـى تـحـذيـر إسـرائـيـلـي مسبق فـي مـــرات الــعــدوان السابقة من أجــــــل إحــــضــــار األوراق الـــرســـمـــيـــة مـن منازلهم، من بن هؤالء مصعب الفيومي 37( سـنـة)، والـــذي دخــل شقته فـي حي النصر، تحت القصف خالل عدوان عام ،2021 إلحضار كل املستندات الرسمية الخاصة به وبأبنائه وزوجته، حينها كـان قد تم تهديد مبنى محاذ للمبنى الــذي يعيش فيه، ومـن حسن حظه أنه كان قد وضع متعلقاته ومستنداته في حقيبة صغيرة كان يعلقها في صالون املنزل تحسبا ألي خطر. يقول الفيومي لــ«الـعـربـي الـجـديـد»: «مــن دون األوراق الرسمية قد نضيع لألسف، فنحن أرقام وأوراق بالنسبة للحكومات، والحفاظ عـلـى الــوثــائــق ضــــروري حـتـى يـتـاح لك تعويض، أو عالج، أو ضرر. لذا خاطرت إلخــــــــراج مــتــعــلــقــاتــنــا، وفـــــي كــــل مــنــزل غـــزي أصـبـحـت حقيبة الـــطـــوارئ مهمة كوجود املــاء». خالل عــدوان ،2021 عثر بن أنقاض مبنى عائلة الكولك ومبنى عــائــلــة أبـــو الـــعـــون، عــلــى حــقــائــب تضم املستندات الرسمية لعائالت الشهداء الذين قضوا في املجزرة. كانت األسرتان ال تستبعدان حــدوث مكروه لهم خالل العدوان، فتحضرا لتنفيذ إخالء سريع حال القصف، وأخبرت الشهيدة ريهام فـــــــواز الــــكــــولــــك، الــــتــــي اســـتـــشـــهـــدت مـع أسـرتـهـا فــي الـــعـــدوان، صديقاتها قبل ساعات من وقوع املجزرة بذلك، لكن تم قصف منزلهم من دون سابق إنذار. خالل العدوان اإلسرائيلي األخير، فرت أسرة الحاج يوسف إلى الشارع بعد أن قصفت طائرات االحتالل بشكل مفاجئ شقة في مبناهم السكني بحي النصر، وكـــــان خــــالل الــــفــــرار يــحــمــل «الـحـقـيـبـة الــــســــوداء»، والــتــي كـــان يحتضنها مع ابــنــيــه، وظـــل عـلـى هـــذا الــحــال حـتـى تم إطــــفــــاء الـــحـــريـــق، وســـمـــح لـــهـــم الـــدفـــاع املدني بالعودة إلى منازلهم. كـــانـــت األســـــرة تـقـيـم فـــي بــــرج «املـجـمـع اإليــــــطــــــالــــــي» الــــــــــذي دمــــــــــره االحـــــتـــــالل اإلسـرائـيـلـي فـي عـــدوان ،2014 ويتذكر الــــحــــاج يـــوســـف املـــعـــانـــاة خـــــالل إخــــالء الــــــبــــــرج، واالضــــــــطــــــــرار لـــجـــمـــع وثــــائــــق ومتعلقات األسرة الشخصية، واملال في كيس من النايلون، حينها كان ينبغي جـــمـــع األوراق واألغــــــــــراض مــــن أدراج مختلفة خـــالل دقـــائـــق قـلـيـلـة، ووقـتـهـا فقد عـددًا من الوثائق، من بينها جواز سفره، وبعض األموال. يـــقـــول لــــ«الـــعـــربـــي الـــجـــديـــد»: «كـــنـــت قد حصلت على قرض بنكي قبل شهر من اندالع عدوان ،2014 وفقدت نحو نصف مــبــلــغ الــــقــــرض تـــحـــت األنـــــقـــــاض. كـنـت خـائـفـا عـلـى حــيــاة أبــنــائــي، فـقـد كـانـوا صـــغـــارًا وقــتــهــا، ووجـــــدت صــعــوبــة في إيقاظهما، فحملتهما، فكان هذا درسا لـــي لـــعـــدم الــــوثــــوق بـــالـــظـــروف فـــي غــزة بــاملــطــلــق، وأصــبــحــت الـحـقـيـبـة جــاهــزة دائــــمــــا، وفــيــهــا كـــل الـــوثـــائـــق الــرســمــيــة واملال والصور وغيرها».