Al Araby Al Jadeed

ال تكتب؛ َسِّوق!

- سومر شحادة

مـن مـشـاهـدات عــديــدة، خلصت إلــى املـطـلـوب مـن الـكـاتـب كـي يـدخـل مضمار التسويق؛ ســواء من قبل الناشر أو من املتلقي الــذي أدمــت وسائل التواصل االجتماعي وعيه: كأنما لم يعد مطلوبًا من الكاتب أن يكتب فقط في «سوق» الكتابة؛ بل مطلوب منه أن يسوق ملا يكتب. وهذا اعتراف يضمر هزيمة الكتابة الجادة التي تنشغل بتقديم مقترح جمالي،ً إذ لم يعد هذا املرجو من الكتابة. كذلك لم يعد مطلوبًا أن يجترح الكاتب شكال يحاكي الواقع وإشكاالته. املطلوب اليوم، في «سوق» الكتابة، أمر آخر: أن يظهر الكاتب، ال نصه، ظهورًا مؤثرًا. وهذا بـدوره اعتراف شاق، ألنه يضمر هزيمة أخـرى، فالتأثير املطلوب يحدث وفق القيود املوجودة في املجتمعات العربية على اختالفها وتفاوتها، ال ضدها. ما يجعل هدف التأثير، املرجو أساسًا، تأكيد املؤكد والسائد والثناء عليه، ال نقاشه أو االشتباك معه. أخال أن هذا يحدث بسبب طبيعة العصر، وما جاءت به من ضرورة أن يكون الكاتب متوافرًا بني القراء. لكن بالعودة إلى القيمة التي تبحث عنها الكتابة الجادة، أو تصنعها، أو تعوزها كي تكون جادة؛ فال يتوقف سؤال الحرية عن اإللحاح أمام دفع األدب ألن يكون مجَّرد سلعة مستنزفة أو مجَّرد .show فالتأثير املطلوب يحدث وسط انقطاع العمل السياسي، وانسداد آفاق التغيير. وكأنما مطلوب من الكاتب، كي يدخل حمى التسويق، أن يساهم بدوره في تزييف الوعي الجمالي، عبر إرهـاق الواقع باملزيد من أدب النميمة الذي ال ينشغل بالقيمة اإلنسانية بقدر انشغاله بالقابلية ألن يكون «إشكاليًا». وأتركها بني عالمتي تنصيص، ألن اإلشكالية املطلوبة ليست املرتبطة بعسف الحاكم، وال املرتبطة بالنظام االجتماعي وبآفاته التي تكبلها عقد التشدد واالنغالق. أيضًا، اصطناع اإلشكالية مطلوب، كي يكون األدب قابال للتسويق، كمسرحيات املنع والتهديد والسرقة ونفي السرقة التي يلجأ إليها بعض الكتاب. إلى جانب الكتابة بموضوعات محددة تأتي أيضًا من طبيعة العصر التي تصور مسألة النسوية في بلد كفرنسا، التصوير نفسه في بلد مثل سورية، وتصور املثلية في بلد مثل أملانيا، التصوير نفسه في بلد مثل سورية. وذلك بالقفز على ما يجعل من مجتمع ما مجتمعًا خاصًا. أي، ما يرسم خصوصيته ويحددها. كذلك إن املسألة ليست في قضايا يطرحها العصر بإلحاح، باملبدأ، بقدر ما هي في الزاوية التي ينظر منها، وفي توظيف تلك املوضوعات، وفي إسقاطاتها السياسية واالجتماعي­ة. باختصار، كأنما -كـي ال أكـون جازمًا- مطلوب من األدب أن يكون متغربًا عن مجتمعه، حتى يدخل مضمار التسويق. من غير أن يطلب أحد بعينه ذلك، وإنما هي سلسلة متآلفة من التزييف قد يرفضها املرء، وقد يقبل وأحيانًا ينتشي بها. بهذه الــصــورة: اكتب عـن الـحـريـة، لكن ال تكتب عما يعوق الـحـريـة؛ اكتب عن اللجوء، لكن ال تكتب عن األوطــان؛ اكتب عن الجنس، لكن ال تكتب عن الحب؛ اكتب عن أزمة الشعر، لكن ال تكتب قصيدة جيدة؛ اكتب عن مدينتك، لكن أوال اقتلها في الواقع، اقتل حاضرها، وانزع عنها خصوصيتها... تشكلت لدي مجموعة من نصائح التسويق. لكن بالنسبة إلى الكتابة نفسها، فهي تبحث عـن عـــزاء. تبحث عـن قـــارئ يـدخـل املكتبة باحثًا بـني الكتب عن موضوع يعنيه، ولم تشوش الدعاية الترويجية لكاتب أو ِكتاب إرادته بالقراءة.

(روائي من سورية)

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar