المستثمرون يحتمون بالذهب
المخاطر الجيوسياسية تزيد جاذبية المعدن األصفر وأسعاره تتجه لالرتفاع
عاد البريق إلى الذهب خالل الشهرين الماضيين، بعد فترة من تراجع األسعار، مع زيادة االضطراب الجيوسياسي، خاصة بسبب الحرب على أوكرانيا وتوتر العالقات بين واشنطن وبكين حول تايوان، وهنالك عدة عوامل أخرى ترشح الذهب للصعود، منها مخاوف الركود والتضخم ومواصلة سياسة التشدد النقدي
عــــــــــادت الـــــجـــــاذبـــــيـــــة إلــــــــى الــــذهــــب عـــــلـــــى خــــلــــفــــيــــة زيـــــــــــــادة املــــخــــاطــــر الـــجـــيـــوســـيـــاســـيـــة حـــــــول الــــعــــالــــم، ومــــواصــــلــــة مـــجـــلـــس االحــــتــــيــــاط الـــفـــيـــدرالـــي األمـــيـــركـــي ســـيـــاســـة الـــتـــشـــدد الـــنـــقـــدي ورفــــع سعر الفائدة. صاحب ذلك صدور تقارير عن مـؤسـسـات مـالـيـة كـبـرى تنصح املستثمرين بــــاالحــــتــــمــــاء بــــاملــــعــــدن الـــنـــفـــيـــس وحــــيــــازتــــه والـــتـــخـــلـــص مــــن األوراق املـــالـــيـــة مــــن أســهــم وســـنـــدات. ومـنـتـصـف هـــذا األســـبـــوع، أوصــى «جــيــه بــي مـــورغـــان» االســتــثــمــاري األمـيـركـي املستثمرين بالتخارج من األسهم واالحتفاظ بـــالـــذهـــب والـــســـيـــولـــة الـــنـــقـــديـــة، مــــع مـــخـــاوف الــركــود واسـتـمـرار تشديد السياسة النقدية األمــيــركــيــة والــقــلــق حــيــال سـقـف الـــديـــن. وفـي محفظة الـسـلـع األســاســيــة، انـتـقـل «جــيــه بي مـــورغـــان» مـــن الــطــاقــة إلـــى الـــذهـــب، فـــي إطـــار التحوط ضد تداعيات أزمة سقف الدين. وقال فريق من الخبراء في البنك االستثماري بقيادة ماركو كوالنوفيتش إنـه قـام بخفض مخصصاته لألسهم وسندات الشركات، مع تعزيز حـيـازتـه مــن النقد بنسبة .%2 وعلى الرغم من تراجع أسعار الذهب أمس الخميس بسبب ارتـفـاع سعر صـرف الـــدوالر إلـى أعلى مــســتــوى فـــي شـــهـــريـــن، وزيـــــــادة الـــعـــائـــد على سندات الخزينة األميركية أجل عشر سنوات التي تعد من أكبر املنافسني للمعدن الثمني، تشير األرقـــــام الـــى ارتـــفـــاع مـلـحـوظ فــي سعر الذهب خالل األشهر املاضية وزيادة جاذبيته للمستثمرين. وحــدث االرتـفـاع في سعر املعدن الثمني رغم الغموض الــذي يحيط بمستقبل املفاوضات الـــــجـــــاريـــــة بــــشــــأن ســــقــــف الـــــديـــــن الـــحـــكـــومـــي األميركي. لكن يبدو أن املستثمرين في املعدن األصفر وضعوا في حساباتهم أن الكونغرس لــن يغامر بـتـرك الــواليــات تتخلف عــن ســداد ديــونــهــا، األمــــر الــــذي يـعـنـي تـلـقـائـيـا تسديد ضربة قاضية للدوالر والنظام املالي العاملي. وبحسب محللني، فإن تعثر الواليات املتحدة عن سداد ديونها قد يدفع أسعار الذهب إلى مستوى قياسي مع اتجاه املستثمرين نحو املالذات اآلمنة. وقال إدوارد مويا، كبير محللي السوق بمؤسسة «أوانــدا»، ملوقع «إنسايدر»: لــن أفــاجــأ إذا شـهـدنـا تـحـركـا لـألعـلـى بقيمة 100 دوالر فـي أسـعـار الـذهـب، وهـو مـا يعني ارتفاع األسعار أعلى من مستواها القياسي. وأضــاف أنـه من الصعب للغاية التكهن، لكن من الواضح أن هذه لحظة تاريخية من شأنها تفكيك أجزاء كبيرة من وول ستريت. ويـــــوم الــجــمــعــة املــــاضــــي، قـــالـــت «آر بـــي سي كــابــيــتــال مـــاركـــتـــس» فـــي مـــذكـــرة إن االفــتــقــار املستمر إلــى اتــخــاذ قـــرار بـشـأن سقف الدين قد يؤدي إلى ارتفاع الذهب في املدى القريب. وتــوقــع كبير االسـتـراتـيـجـيـني الـعـاملـيـني لـدى مــؤســســة «إل بـــي إل فــايــنــانــشــال» كوينسي كــــروســــب ارتـــــفـــــاع الــــذهــــب فــــي حـــالـــة تـخـلـف الواليات املتحدة عن سداد ديونها، مع ضعف الـــــدوالر. وأضــــاف كــروســبــي قـــائـــال: لــن يكون األمر مفاجئا إذا رأينا أن الذهب أصبح مالذًا آمنا ملن يشعرون بالقلق من أن التخلف عن السداد قد يحدث في الواقع. ومـــــعـــــروف أن أســـــعـــــار الـــــذهـــــب تـــتـــحـــرك فــي اتــجــاه عكسي لـحـركـة الـــــدوالر، حـيـث إنـــه من السلع التي يجرى تسعير معظم مبيعاتها ومـشـتـريـاتـهـا بــــالــــدوالر، وبــغــض الــنــظــر عن التذبذبات الحالية في سعر الذهب، ماذا عن مستقبل أسعار الذهب وتأثير االضطرابات الجيوسياسية التي يعيشها العالم عليه؟ وفــــق خـــبـــراء بــوكــالــة «ســـتـــانـــدرد آنــــد بــــورز» للتصنيف االئـتـمـانـي، فـــإن االضـــطـــراب الــذي يعيشه العالم في العديد من البؤر الساخنة يرفع من حدة قلق املستثمرين في أسواق املال واألدوات الـثـابـتـة مـثـل الـسـنـدات الحكومية، وخاصة السندات األميركية، ويدعم مستقبل أسعار الذهب، إذ إن الذهب من املعادن شديدة الـــحـــســـاســـيـــة بــــالــــتــــوتــــرات الــجــيــوســيــاســيــة، خــاصــة تـلـك املتعلقة بـالـقـوى الـعـظـمـى، مثل التوترات الحالية املتعلقة بالحرب األوكرانية، والــتــوتــر الــجــاري بــني واشـنـطـن وبـكـني حـول تـايـوان، كما تخطط الصني لقيادة مجموعة «بـريـكـس» الـتـي تضم اقـتـصـادات كـبـرى مثل الهند والبرازيل وروسيا إلنشاء عملة عاملية منافسة للدوالر. كما أن األسعار تتأثر كذلك بسياسات الحظر األميركية والعقوبات التي تفرضها األمـــم املـتـحـدة ومجلس األمـــن على الدول. ويـعـد استمرار ارتـفـاع طلب البنوك املركزية وضعف الـــدوالر من العوامل التي تدفع بنك بحجم «يو بي إس» السويسري لتوقع ارتفاع أسعار الذهب إلى 2100 دوالر لألوقية بحلول نـهـايـة الــعــام الـــجـــاري، 2200و دوالر بنهاية مـــارس .2024 وكـــان املــصــرف الـسـويـسـري قد تــوقــع قــبــل أيــــام اســتــمــرار قـــوة طــلــب الـبـنـوك املـركـزيـة على الـذهـب خــالل ،2023 حتى بعد مــشــتــريــاتــهــا الــقــيــاســيــة املــســجــلــة فـــي الــعــام املـــاضـــي. وذكــــر مـحـلـلـو الــبــنــك فـــي مـــذكـــرة أن البنوك املركزية اشترت 1078 طنا من املعدن النفيس في ،2022 وهو املستوى األعلى على اإلطــــالق، ويــزيــد بـأكـثـر مــن الـضـعـف عــن 450 طنا التي تم شراؤها في .2021 وحـــســـب تـــقـــديـــرات الــبــنــك الـــســـويـــســـري الـتـي تعتمد على بيانات الربع األول، فـإن البنوك املركزية قد تشتري 700 طن متري هذا العام، وعـــلـــى الـــرغـــم مـــن أن ذلــــك املـــســـتـــوى أقــــل من املــســجــل فـــي ،2022 إال أنـــه ال يــــزال أعــلــى من املتوسط البالغ 500 طن متري منذ عام .2010 وقــــــــال خـــــبـــــراء اســـتـــراتـــيـــجـــيـــون فـــــي الـــبـــنـــك: «نـعـتـقـد أن هـــذا االتـــجـــاه نـحـو شــــراء الـبـنـوك املـــركـــزيـــة املـــعـــدن األصـــفـــر قـــد يــســتــمــر وســط تصاعد املـخـاطـر الجيوسياسية والتضخم املــرتــفــع، وأن قـــرار الـــواليـــات املـتـحـدة تجميد احـــتـــيـــاطـــيـــات الـــنـــقـــد األجـــنـــبـــي الــــروســــي فـي أعـقـاب حــرب أوكـرانـيـا لـه تأثير طـويـل املـدى على سـلـوك الـبـنـوك املــركــزيــة. لـهـذه األسـبـاب االقــتــصــاديــة والــســيــاســيــة وغـــيـــرهـــا، يـالحـظ أن معنويات املستثمرين في الذهب ارتفعت خــالل الشهرين املاضيني إلــى أعلى مستوى في 19 شهرًا عند حوالي 2039 دوالرًا لألوقية فـي أوائـــل مـــــارس/آذار املــاضــي، واسـتـقـر منذ ذلك الحني عند حوالي 1900 دوالر لألونصة. وقد يكون أفضل مثال على تأثير االضطرابات الـــســـيـــاســـيـــة عـــلـــى أســــعــــار الــــذهــــب مــــا حـــدث
العقوبات زادت مشتريات البنوك المركزية للذهب لتفادي الدوالر
للمعدن الثمني بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول ،2001 حيث ارتفعت أسعار الذهب في سوق لندن من 271.50 دوالرا إلى 287 دوالرا (أو ما يقرب من )%6 في يوم واحد. وفي أوقات االضطرابات السياسية، عادة ما يهرب املستثمرون إلى الذهب لحماية أموالهم مـن مخاطر الـــدوالر والـعـمـالت الرئيسية في
سـوق الـصـرف، ألن املعدن األصفر ال ينطوي عـلـى مـخـاطـر تــذكــر، كـمـا أنـــه سـهـل التسييل ووســـيـــلـــة مــضــمــونــة لـــلـــدفـــع فــــي الــتــســويــات التجارية. لكن رغم ذلك، يرى خبراء أن الذهب ال يكسب دائما بسبب األزمات الجيوسياسية، حيث إن الهجمات اإلرهـابـيـة التي حدثت فـي باريس في نوفمبر/ تشرين الثاني العام ،2015 وفي بروكسل في مـــارس/آذار ،2016 كان تأثيرها على أسعار الذهب مؤقتا وسرعان ما تاشى. كــمــا أدت الـــعـــقـــوبـــات الــغــربــيــة عــلــى روســيــا وعــدة دول، وحرمانها مـن اسـتـخـدام وسيلة الـدفـع الغربية بـني املـصـارف «سـويـفـت»، إلى هروب الدول من العقوبات الغربية عبر زيادة احتياطياتها من الذهب وتفادي التعامل في
أدوات املـال الغربية أو دخـول األســواق خوفا مـن تعرضها للعقوبات. كما أن الـــدول التي لـديـهـا عـــاقـــات تــجــاريــة ضـعـيـفـة مـــع أمـيـركـا لـــجـــأت إلــــى زيــــــادة مــشــتــريــاتــهــا مـــن الـــذهـــب. ويتوقع خبراء أن تتواصل زيـادة املشتريات من الذهب خال السنوات املقبلة بسبب تزايد عـدم الثقة في النظام النقدي واملالي العاملي املبني على الدوالر. وتعد االضطرابات الجيوسياسية والنزاعات الــعــســكــريــة والـــــحـــــروب األهـــلـــيـــة والــهــجــمــات اإلرهــــــابــــــيــــــة وأعــــــمــــــال الــــشــــغــــب والــــحــــواجــــز الــجــمــركــيــة والـــعـــقـــوبـــات الـــتـــجـــاريـــة واملــالــيــة واالقـــتـــصـــاديـــة مـــن الـــعـــوامـــل الـــداعـــمـــة لسعر الـــذهـــب فـــي األســـــــواق الـــعـــاملـــيـــة. كــمــا يضيف بعض املحللني األوبئة مثل «جائحة كورونا»
إلــى الـتـهـديـدات الجيوسياسية. وفــي اآلونــة األخـــــيـــــرة، كـــانـــت النـــتـــشـــار فــــيــــروس كـــورونـــا تداعيات كبرى على السياسة النقدية العاملية التي وسعت الكتلة النقدية في االقتصادات الكبرى، خاصة «الكتلة الدوالرية»، وكانت من نتائجها ارتفاع معدل التضخم الجاري. كما أنها جاء ت مصاحبة بارتفاع في سعر صرف الـــدوالر. ولكن ياحظ أنـه رغـم ذلـك لم يرتفع ســعــر الـــذهـــب إلـــى املــســتــويــات الــتــي توقعها محللون بسبب أزمـة شح السيولة الدوالرية التي ضربت أسواق العالم.