Al Araby Al Jadeed

الرواية التي دّوختني

- عائشة بلحاج

عندما يفوز كتاب بجائزة، يفتخر مواطنوه بأن هذا الفوز انتصار لألدب في بلدانهم وتـألـق لـه. حتى لو لم يحمل الكتاب مالمح قـوة وعمق. ال تظن أن العقلية القبلية انتهت مع حروب داحس والغبراء، والبسوس. فهي ما زالت سائدة، في كل مجال بما فيها األدب. وجوائز الرواية خير دليل. ليس للشعر ولي ينشئ جائزة تواكب اتجاهات الشعر املعاصر، بدل إحياء الذي مات ودفن ونسي، لذا هو معفي من جدل االستحقاق. لكن للرواية أنصارا وأحبارا ومكاسب تسيل اللعاب، وما من عيب في ذلك، فمبلغ أي جائزة منها يغير حياة الكاتب. العيب في أنها مزاجية، وفي أنها ذات هوى يميل يمينًا وشماال بخفة مروحة. ال نـعـرف ملـــاذا فــاز هــذا دون ذاك؟ رغــم أن األخـيـر قـد يـكـون مرشحًا أقـــوى بنظر كثيرين.ّ في الوقت نفسه، يقع املعترضون في وادي التعصب البـن البلد. انصر أخاك جيدًا أو رديئًا. «فال تهم قيمة الرواية املتنافسة، لكني مع الرواية التي تحمل جنسيتي». مع أن الرواية إذا لم تكن مكتوبة جيدا ال أثر لها، وال للفخر الذي يتمناه الوطنيون. كم من روايـات تحمل «ثقافة بلد وعاداته» ونسيناها جميعًا حتى قبل قراءتها. يكفي فقط االطالع على هامش الجائزة العاملية للرواية العربية (البوكر). حيث كثيرون على باب الحمية القبلية قليلون على باب األدب. وفي النتائج، بغض النظر عن املقارنة بني األعمال املرشحة، التي قرأت منها القليل، ولذا ال يمكن التعليق على أحقية روايـة «تغريبة القافر» للعماني زهـران القاسمي بجائزة بوكر األولى أخيرا مقارنة مع باقي األعمال املتنافسة، رغم أنها رواية ممتعة وخفيفة على روح

ّّ القارئ. إنما لفتني التتويج املتتالي للرواية العمانية. فهل تعوض الجوائز العربية تجاهلها جوخة الحارثي فتتوج األعمال العمانية التي تترشح للجوائز، «تغريبة القافر» في «بوكر» بعد «دلشاد» لبشرى خلفان في جائزة كتارا للرواية العربية؟ قرأت األعمال الفائزة و«سيدات القمر» لجوخة الحارثي. ومن دون وعي وجدتني أوال أعجب بالطفرة التي تعرفها الرواية العمانية، لكني لم أستطع تجاهل انطباعي بأنها تتسم بطابع شبه موحد، يعمل على تسجيل الحياة ما قبل الرخاء النسبي الذي جاء به النفط. وكثافة حياة اإلنسان آنذاك رغم قساوة الصحراء الشديدة. لكني أخشى أننا سنحب أكثر من طرق الباب أوال، مثلما فعلنا مع أي تجارب أخرى، مثل الواقعية السحرية الالتينية، التي بعد أن انفجرت بني يدي ماركيز، ووجد كل الذين جاءوا بعده أن القارئ قد شبع، وانكشف له سحر هذه الكتابة مع ماركيز. لنأخذ نموذج إيزابيل أليندي، رغم أن لها رؤية أنثوية لهذه الواقعية، لكنها لم تكشف جديدا ألنه مهما حملتها امليتافيزي­قا بعيدا لن تصل إلى مستوى مخيلة ماركيز. تبقى نقط الضوء األساسية في رواياتها، هي بعض التفاصيل التي ال يمكن إال المـــرأة ذات خيال ومــهــارة، أن تلتقطها. لكنني حاملا أنهي قـــراءة روايـــة لها حتى أنساها، ويختلط علي ما أذكره منها على ضآلته. بينما مرت عقود على قراءة «مائة عام من العزلة»، مع ذلك ما زالت شخوصها وروحها أمام عيني كأنني عرفتهم يوما على غرابة البعد الذي عاشوا فيه من العالم. قــدم محمد شكري «الخبز الحافي» الــذي كــان متأثرا فيه بالغذاء الـعـاري لوليام بوروز، وموجة األدب الذي واكب صرعة الهيبيني، فلفت االنتباه ألنه حقق ريادة في اللغة التي كتب بها. بعدها جاء كثر وكتبوا على منواله، ولم يثيروا انتباهًا كبيرا، ألن هذا النوع األدبي، مثل الواقعية السحرية، يستنزف بسرعة، وأهم نقاط قوته جدته للقارئ، الذي يكتشفه أول مرة. مع العلم أن ماركيز يفوت هؤالء جميعًا، فهو كاتب رهيب، وحتى وهو يشتغل على املوروث واألساطير، وحكايات األجداد. يمكن أن نعمل على خرافة أو أسطورة أو حكاية شعبية بسيطة، لكن ما يهم طريقة كتابتها، وكثافتها وعمقها. وإال فسنبقى نحكي التاريخ واألساطير، والحكايات الشعبية، ولن نبني أدبًا حقيقا بذلك. دليلنا في األدب العاملي روايـة «األشياء التي تتداعى»، تحكي عن زمن األجداد قبل االستعمار. لكن قوتها ال تكمن في عواملها فهي محدودة وساذجة، وغير ذات خصوبة خيالية مثل ذهنية الشعوب الالتينية، ولكن مهارة كاتبها النيجيري تشينوا أتشيبي رسخت هذا العالم البسيط حتى امللل، في ذهن القارئ.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar