Al Araby Al Jadeed

الفجاجة الفرنسية

- أسامة أبو ارشيد

اإلســـامـ­ــوفـــوبـ­ــيـــا مــتــأصــ­لــة مــؤســســ­يــًا في فـــرنـــس­ـــا. هــــذه حــقــيــق­ــة، ال تـــحـــاو­ل الـــدولــ­ـة أن تخفيها أو أن تـــداري فيها. ال يتوقف األمــــــ­ر، فــرنــســ­يــًا، عــنــد اســـتـــه­ـــداف مـظـاهـر الـــتـــد­يـــن اإلســـــا­مـــــي، كـــحـــجـ­ــاب املــســلـ­ـمــات ومنع الاعبن املسلمن من كسر صيامهم خال اللعب في رمضان، أو مساعي فرض مـنـظـومـة ثـقـافـيـة مــغــايــ­رة وصـــارمــ­ـة على مواطنيها مــن املـسـلـمـ­ن، بــل تــعــدى األمــر ذلــــك إلــــى حــــد أن يـــصـــرح وزيـــــر الــداخــل­ــيــة الـفـرنـسـ­ي، جـيـرالـد دارمـــانـ­ــان، قبل بضعة أيـــام، أن «اإلرهــــا­ب اإلســامــ­ي الـسـنـي» هو «الخطر األول» بالنسبة لباده وأوروبـــا. مــبــاشــ­رة بــعــد ذلــــك ثــــار جــــدل فـــي فـرنـسـا، بـعـد أن كـــشـــف أن وزارة الــداخــل­ــيــة طلبت مــن مـؤسـسـات تعليمية فــي الــبــاد إجــراء «تقييم ملعدل التغيب الذي سجل بمناسبة عــيــد الــفــطــ­ر» واإلحــــا­لــــة هــنــا إلــــى الــطــاب املسلمن. وتؤكد دراسات كثيرة أن فرنسا هي قلب اإلساموفوب­يا في أوروبـا، إن لم يكن في الغرب كله. والراصد ال يكاد يلمس فـارقـًا يـذكـر فـي فرنسا بـن يمن متطرف ويــمــن وســـط أو حــتــى يــســار فـــي مـقـاربـة املـــســـ­لـــمـــن عـــلـــى أنـــهـــم «مـــشـــكـ­ــلـــة» يـنـبـغـي التعامل معها، ســـواء عبر قـوانـن تمييز عنصري، أو الطرد واإلبعاد، أو محاوالت طمس الهوية األم على أمل إعادة تشكيلها. ومــــن بـــاريـــ­س الـــتـــي تــبــاهــ­ي الـــعـــا­لـــم أنــهــا عاصمة األنـوار، وإحـدى عواصم الفلسفة والـــــقـ­ــــانــــ­ـون والـــــحـ­ــــضـــــ­ارة، يـــنـــبـ­ــعـــث ظـــام دامـــس يـتـوخـى مفهومًا فـجـًا للعلمانية، عماده القسر والجبر والترويع والتنكيل واإلقصاء مع من ال يتفق مع نظرية الدولة حيالها. ورغم ذلك كله، تزعم فرنسا أنها ديمقراطية ليبرالية، وتعير دولة كتركيا بأنها ديمقراطية غير ليبرالية! لـــــم يـــكـــتـ­ــف دارمــــــ­ـانـــــــ­ان بــــتــــ­رويــــج كـــراهـــ­يـــة اإلســــــ­ـــــام، وإنـــــمـ­ــــا مــــضــــ­ى أبــــعـــ­ـد مـــــن ذلــــك محرضًا الـواليـات املتحدة على االنخراط في «املعركة» ضده، قائا: «بينما قد تكون لألميركين رؤية وطنية أكثر لألزمات، مثل التفوق العرقي األبيض وعمليات إطاق النار الجماعية املتكررة والتآمر، ال ينبغي أن ينسوا ما يبدو لنا في أوروبــا بمثابة الــتــهــ­ديــد األول، وهــــو اإلرهـــــ­ـاب الـــســـن­ـــي». املـفـارقـ­ة أن دارمـــانـ­ــان هــذا يطالب بقيادة أميركية في الحرب على «اإلسام السني» فـــي حـــن تــشــاكــ­س بـــــاده واشـــنـــ­طـــن، منذ عــقــود، فــي مسألة تشكيل جيش أوروبـــي مستقل، وتواصل دعوتها إلى الخروج من العباءة األميركية. لكن استجداء باريس لواشنطن مفهوم، ذلك أن فرنسا، تاريخيًا، رغـــم إمبرياليته­ا ووحـشـيـتـ­هـا، كـثـيـرًا ما تجرعت الهزائم فـي حروبها فـي أوروبـــا، كـمـا أمــــام بــروســيـ­ـا وبـريـطـان­ـيـا فــي الـقـرن التاسع عشر، ثم أملانيا في القرن العشرين. ولــوال وجــود دعــم وسند أجنبي لها، كما فــي الـدعـمـن، األمـيـركـ­ي والـبـريـط­ـانـي، في الـحـربـن الـعـاملـي­ـتـن، األولــــى والـثـانـي­ـة، ملا قامت لها قائمة. تاريخ فرنسا اإلمبريالي قاتم، وقد عانى منه مسلمون وغير مسلمن أيما معاناة. كــــانـــ­ـت فـــرنـــس­ـــا مـــــن أكــــثـــ­ـر الــــــــ­ـدول دمـــويـــ­ة وإجـــرامـ­ــًا فــي سـيـاق الــــدول االسـتـعـم­ـاريـة، ومـــا زالــــت. وهـــي دولــــة إلـغـائـيـ­ة إقصائية لـــآخـــر، مـهـمـا زعـــمـــت الـعـلـمـا­نـيـة وادعـــــت الـديـمـقـ­راطـيـة. جـرائـمـهـ­ا فــي أفـريـقـيـ­ا، من السنغال وساحل العاج وبنن ومدغشقر، إلـى الجزائر وتونس واملـغـرب، إلـخ، سقط فيها ماين القتلى، دع عنك مصر وبعض باد الشام. وهي متهمة رسميًا بالتورط في جرائم اإلبادة في رواندا عام 1994 التي قتل فيها 800 ألف شخص. وجرائمها في األميركيتن، كما فـي هايتي، وفــي آسيا، كما في فيتنام، وفـي أوروبـــا في الحربن العامليتن، وقبلهما كثير، شاهد على ذلك. بـــل إن جــرائــمـ­ـهــا بــحــق بــعــض مـواطـنـيـ­هـا شــاهــد آخـــر عـلـى تـلـك الــوحــشـ­ـيــة، كـمـا في مـذابـح البروتستان­ت فـي الـقـرن الـسـادس عــــشــــ­ر. هـــــذا بـــلـــد كـــــان مــــن أقــــســـ­ـى وأبـــشـــ­ع مـــن تــاجــر بـــ»الــعــبــ­يــد»، وانــتــهـ­ـك حقوقهم اآلدمـــيـ­ــة. لـــم تـــتـــور­ع فــرنــســ­ا فـــي تـاريـخـهـ­ا الكئيب عن ارتكاب جرائم اإلبادة البشرية والثقافية. وهـي دولــة متشنجة عنصرية في التعامل مع األقليات، وتختزن كراهية بشعة لإسام، وبعد ذلك تريد أن تعلمنا التحضر واإلنسانية! ال تـقـف حـسـابـات فـرنـسـا فــي التحريض عـلـى اإلســــام عـنـد حـــدود إعــــادة صياغة مسلميها أو تهميشهم أكثر والتضييق عــــلــــ­يــــهــــ­م، بـــــــل ذلــــــــ­ـك مـــــرتــ­ـــبـــــط بـــبـــنـ­ــيـــتـــ­هـــا اإلمــبــر­يــالــيــ­ة كـــذلـــك. تــجــد فــرنــســ­ا نفسها الــيــوم فــي أفـريـقـيـ­ا طــرفــًا غـيـر مــرحــب به وهـي قد طــردت من عـدة دول كانت تدين بـــالـــو­الء لــهــا، كـمـالـي وأفـريـقـي­ـا الـوسـطـى وبـــوركــ­ـيـــنـــا فــــاســـ­ـو، وفـــــي عـــمـــوم مـنـطـقـة الساحل األفريقي وجنوب الصحراء.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar