Al Araby Al Jadeed

األسد في الجامعة وسورية خارجها

- بشير البكر

صار في وسع رئيس النظام السوري، بشار األسد، أن يعتبر نفسه خارج العزلة العربية. وبعد أن طوت قمة جدة قرار املقاطعة الذي دام نحو 12 عاما، يمكن له أن يتحرك في األجواء العربية بحرية، وصار بمقدور املسؤولني العرب أن يقصدوا دمشق بال حرج رسمي. ومهما يكن من أمر، ذهبت صفحة الجفاء العلني بني النظام السوري وأغلبية الدول العربية أدراج الرياح، غير أنه بدا من خالل الشكل واملضمون، وما ورد في البيان الذي صدر عن القمة، أن ما جرى هو عودة األسد إلى املؤسسة العربية الرسمية من بوابة القمة، بينما بقيت املسألة السورية معلقة، تنتظر الحل، الذي يشكل مفتاح العودة الطوعية ملاليني الالجئني، وتسوية ملف أكثر من مائة ألف معتقل، وإعــادة اإلعمار. وعلى هذا األســاس، ستبقى العودة إلى الجامعة بمثابة خطوة لرفع حالة العزلة عن النظام، ولم تذهب بعيدا إلى عمق املشكلة، وهناك أسباب كثيرة، منها أن فتح الباب العربي الرسمي أمـام النظام لم يتم في إطـار تسوية سياسية للمسألة السورية، وجـرى التركيز على إنهاء عزلة األســد، وإهمال بقية امللفات، وهـذا أمر مقصود من القائمني على العملية الذين يبدون غير قادرين، وعاجزين عن عالج جذور املشكلة، وليس لديهم قابلية التخاذ موقف يضعهم في خالف وخصومة مع النظام وداعميه روسيا وإيران، خصوصا وأن النظام ٍرفـض التجاوب مع كل املـبـادرا­ت التي تقدمت بها الـدول العربية للقبول بتسوية حتى في الحدود الدنيا، بل تصرف على عكس ما شاع في بعض األوسـاط، من أنه سيقابل انفتاح الدول العربية عليه، بخطوات رمزية توحي بأنه مستعد لحل سياسي للقضية. وجاء خطاب بشار األسد في القمة تعبيرا صريحا عن غير هذا املوقف. وبالتالي، تشكل العودة إلى جامعة الدول العربية عملية قفز على القرارات الدولية والعربية، ولها عواقب خطيرة، ليس على مستوى التهرب من مسؤولية الحل فقط، بـل على صعيد مـا سيترتب على تمييع القضية، وإدارة الظهر ملطالب الشعب الـسـوري في الحرية والكرامة، وتــرك ماليني السوريني الجئني في داخــل سورية وخارجها يعيشون أوضاعا مأساوية، باإلضافة إلى ما تعانيه سورية من تقسيم إلى مناطق نفوذ دولية، ووجود قوات أجنبية على مساحاٍت واسعٍة من أراضيها، تمثل صراع املصالح والنفوذ بني كل من الواليات املتحدة، روسيا، إيران، وتركيا. أخطر ما يترتب على الوضع الجديد ليس عودة النظام إلى جامعة الدول العربية من دون أن يلتزم بأي خطوة مقابل فتح األبواب العربية أمامه، بل هو أن يعتبر بعض العرب أنه رفع عن نفسه حرج ومسؤولية مساندة سورية وشعبها من أجل حل سياسي، وإعـادة تعميرها. وهذا أمر لن يضّر بسورية وقضية شعبها فقط، بل بالعالم العربي غير املحصن ضد التدخالت األجنبية، وخصوصا اإليرانية. وهنا تجدر اإلشارة إلى نقطة مهمة تتعلق بدور طهران في عودة األسد ضمن االتفاق مع الرياض، األمر الذي يوحي بتفاهماٍت على حساب السوريني. الشعب السوري الذي أحس بالخذالن واإلهانة من استقبال األسد في جدة أعطى بال حدود من أجل الحرية، ولكنه لم يتلق املساعدة الكافية من أجل تحقيق هذا الهدف. صحيح أنه حصل على دعم كبير، عربي وعاملي، إال أن املخصص من أجل الخالص من النظام القاتل كان محدودا. ولذلك لم يتمكن من الوصول إلى ما كـان يطمح إليه بمواجهة نظام عسكري وأمني لديه عــدة رهيبة، بما فيها األسلحة الكيماوية التي لم يتردد في استعمالها رغم أنها محرمة دوليا، هذا باإلضافة إلى مساندة إيران وروسيا له بكل ما تملكانه من إمكانات عسكرية واقتصادية وسياسية، وهو ما جعله يظل على قيد الحياة أكثر من عقد، بعد أن خسر موارده الداخلية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar