Al Araby Al Jadeed

من بشاعة الحرب في السودان

- جمانة فرحات

تختزل املعارك في السودان أبشع ما في الحروب. كانت 40 يومًا من املعارك كفيلة بنقل مشاهدات مرعبة، وبعض منها محجوب، على غرار ما يجري في الجنينة في غـرب دارفـــور، حيث ينقطع التواصل فيها منذ احتدام املواجهات. ومتى ما تمكن األهالي من الحديث يمكن توقع سماع فظائع عما تعرضوا له في ظل االشتباكات التي لم تعد منحصرة بني الجيش وقوات الدعم السريع، إذ دخلت القبائل على خط املعارك. حتى الـيـوم، يمكن رصـد تحويل املستشفيات إلـى ثكنات، مع ما يعنيه ذلـك من حرمان املرضى من حقهم في العالج والحكم على كثير منهم باملوت الحتمي، ال بالرصاص، إنما لفقدان الفرصة بنيل العالج على غرار مرضى غسيل الكلى الذين تعج وسائل التواصل االجتماعي بمناشداتهم للسماح بإعادة تشغيل املراكز الصحية ومن ثم ... وفاتهم، ألنه ال مستجيب لدعواتهم. بــدأت ظاهرة أخــرى تبرز، ترتبط باإلخفاء القسري خـالل تنقل املواطنني داخل الخرطوم، وحتى خالل محاولة الهرب منها والنزوح إلى مناطق أكثر أمنًا. يوميًا، يمكن قــراءة منشوراٍت لعائالٍت تناشد معرفة أي معلوماٍت عن أقــارب لها بعد انقطاع التواصل بهم على نقطة تفتيش أو مدخل مدينة. أما االعتداءات الجنسية واالغتصاب في الخرطوم ودارفور، فبدأت تتسرب األخبار عنها. ومن بني مآسي الحرب الشهادات عن دفن ضحايا االشتباكات داخل املنازل، لتعذر الخروج منها، وهــؤالء إمـا قتلوا برصاصات طائشة أو قصفوا عن طريق الخطأ ودفنوا تحت ركـام منازلهم. وتكاد الشهادات عن أعمال النهب ال تتوقف. ويكثر الحديث عن أسواق تباع فيها املنهوبات ليذكر بما حدث بسورية طيلة أكثر من عقد. وتقدم هذه الوقائع صورًا عن حرب السودان ومخاطرها. ثقافة االنتهاكات الجسيمة لحقوق اإلنسان متجذرة في هذا البلد املثقل منذ لحظة استقالله بالحروب واألزمات. وإذا كـان يحسب إلعــالن جــدة في 11 مايو/ أيــار الحالي تركيزه على الوضع اإلنـسـانـ­ي، بما احــتــواه مـن بـنـود يفترض أن يلتزم بها الجيش وقـــوات الدعم السريع، إال أن األيام التي تلت هذا االتفاق أظهرت أنه ال تتوفر حتى اللحظة السبل لتنفيذه، بما يعنيه من غياب أي قدرة على حماية املدنيني ضحايا هذا الصراع. فحتى االتفاق امللحق، املتعلق بهدنة سبعة أيام مهدد منذ اللحظة األولى بسبب االشتباكات. كل يوم إضافي في الحرب يعني أن قائمة االنتهاكات والضحايا تطول. ويمكن تصور حجم الكارثة إذا ما تفاقمت الحرب وتوسعت لتشمل مناطق جديدة أو تتخذ بعدًا قبليًا مع كل ما يرافق تحوالت كهذه من تضاعف في االنهيار األمني واألزمات اإلنسانية. عبارات التنديد التي يطلقها مسؤولون دوليون وأمميون والتلويح األميركي بالعقوبات غير كافية. وأيضًا تصور حل سحري لألزمة هو ضرب من الخيال. يخوض الجيش وقوات الدعم السريع الحرب على قاعدة إلغاء اآلخر، وإن كان خيار كهذا غير وارد. فالجيش بعد 40 يومًا من املعارك ظهر بوضوح أنه غير قادر على فرض سيطرته على العاصمة، بل تبني عجزه عن حماية مطامع العملة واحتياطات الذهب، بعدما تمكنت، بحسب روايته، قوات الدعم السريع من اقتحامها ونهبها، «قبل أن يستعيد السيطرة عليها». كما أن قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) ليس في وارد اإلقــدام على أي خطوة إلـى الـــوراء، طاملا أنـه لم يتعرض لضربة عسكرية قاصمة وال يزال يمتلك التمويل للمضي في الحرب، ورسالته التي تحدث فيها أخيرا عن «عدم التراجع حتى إنهاء االنقالب» تعكس بوضوح الفقاعة التي يعيش بها أو بشكل أدق يتمسك بترويجها أنه حامي الديمقراطي­ة السودانية. لكل هذه األسباب، جمع الطرفني على طاولة مفاوضات في مثل هذه الظروف خطوة ال ينبغي التقليل من شأنها مهما كانت اإلخفاقات، إذ ال يمكن تصور غير الحوار ملحاولة التخفيف من وطأة الكارثة اإلنسانية، ومحاولة إيجاب مسار سياسي لحل األزمة الراهنة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar