ـرب في السودان
الخرطوم جذور ثقافية لها صلة بتهميش التاريخ والتاريخ املهمش (اذا جاز لنا أن نستخدم تعبير حامد علي محمد نــور)، وجـــذور اجتماعية لها صلة بالعنصرية وتـــمـــدد تـــجـــارة الـــــرق تــاريــخــيــا عــبــر درب األربعن، كما أن للصراع جذورًا اقتصادية لـــهـــا صـــلـــة بـــاملـــمـــارســـات الــطــفــيــلــيــة الــتــي مــا بــرحــت تـمـارسـهـا «الــنــخــب االنــقــاذيــة» حتى أوردت البالد مـوارد الهالك وحرمت األقاليم الغربية من مجرد االستفادة من هامش الربح الذي كانت تناله من االتجار مــــع الـــجـــالبـــة فــــي املـــحـــاصـــيـــل الــــزراعــــيــــة، وجـذورًا سياسية لها صلة بهيمنة املركز على املــقــررات فــي الــشــأن الـسـيـادي يشمل
ذلــك الـسـيـاسـات الـخـارجـيـة واالقـتـصـاديـة والعسكرية والقانونية الدستورية. هذا ال يبرر الجريمة التي حدثت في الخرطوم، إنـــمـــا يــشــرح مـسـبـبـات الــغــن االجـتـمـاعـي والسياسي الذي أخذ أبعادًا عسكرية، كان مـــن املـمـكـن مـعـالـجـتـه بـــاإلقـــرار والـحـكـمـة، فليس للجريمة دوافــــع عـرقــيـة، إنــمــا هي ولـــيـــدة ظــــرف اجــتــمــاعــي ونــفــســي مـــحـــدد، وقديما قيل «الجريمة كلب يتبع سيدو». هناك أشخاص وجماعات، أمثال عشاري أحـــمـــد مـــحـــمـــود والـــــروائـــــي بـــركـــة ســـاكـــن، لـــم يـسـتـطـيـعـوا أن يـنـعـتـقـوا مـــن «ســرديــة الــــجــــنــــجــــويــــد»، فــــأهــــمــــلــــوا كـــــل األســــبــــاب الــبــنــيــويــة والــهــيــكــلــيــة الـــتـــي تــســبــبــت في انهيار الـدولـة الـسـودانـيـة، واصـطـفـوا مع الـجـيـش الــســودانــي، الـــذي كــانــوا غــرمــاء ه باألمس، في سبيل إفشاء غيبية لم يعرف كــنــهــهــا تـــجـــاه كـــيـــانـــات بــأكــمــلــهــا، هـــؤالء نــطــلــب مــنــهــم الــــتــــريــــث كـــونـــهـــم مــــن قــــادة الـرأي، ويعول عليهم في الخروج بالبالد من وهدتها. لم ينتم من انتمى لـ «الدعم السريع» لدوافع أيديولوجية أو عقائدية، هـــــــؤالء شــــبــــاب دفـــعـــتـــهـــم ظـــــــروف الـــفـــاقـــة إلــــى االنـــتـــمـــاء إلــــى كـــيـــاٍن ّوفــــر لــهــم بعض الـضـمـانـات املـالـيـة واملــقــومــات الوظيفية. هل توجد من بينهم مجموعات إجرامية؟ نـــعـــم، كـــمـــا تـــوجـــد املـــكـــونـــات نــفــســهــا فـي مجموعات عسكرية أخــرى ارتكبت أقبح الفظائع في شتى بقاع السودان، بل هيأت لـلـمـجـرمـن كــافــة الـــتـــمـــدد مـــن دون رقـيـب أو حسيب، وأمـدتـهـم بالدعم اللوجستي وبـكـل املـعـيـنـات الـحـربـيـة. عـلـيـه، يـجـب أن ننظر إلى جذور املشكلة القومية، ونسعى
إلى التعاطي معها بصورة علمية، بعيدًا عــن اسـتـثـارة الـضـغـائـن واملــحــاولــة للنيل من مجموعات قبلية بعينها، أو املحاولة لالنتقام من كيانات مجازية تعشش في مخيلة الروائين والكتاب إياهم. ختاما، علينا في السودان تطويق املعركة الحالية (معنويا وماديا) بحيث ال تتمدد تداعياتها إلــى الـريـف الـــذي يعاني أصـال مــن االشــتــعــال، وال تــتــجــاوز ويــالتــهــا إلـى غير املعنين بها من العسكرين واملدنين. كـــي يـحـصـل ذلــــك، البــــد مـــن تــبــنــي خــطــاب
ٍٍ مـــعـــتـــدل، ال يــســعــى إلـــــى تـــجـــريـــم كـــيـــانـــات تاريخية واجتماعية بعينها، وال يستدعي ســرديــاٍت عدائيٍة مـن شأنها أن تـفـّرق بن أبناء الوطن الواحد. البد من تضمن البعد الـــرؤيـــوي الــــذي يـجـعـل املـــشـــروع الـوطـنـي جـاذبـا وفــاعــال، يبدأ بـإعـداد استراتيجية تنمية وطنية تـراعـي املـزايـا النسبية لكل إقـــلـــيـــم، تـــراجـــع قـــانـــون األراضـــــــي وقـــانـــون الجنسية، تصمم الخريطة االستثمارية الـــتـــي تــعــنــى بــتــطــويــر املـــــــوارد الـطـبـيـعـيـة والــبــيــئــيــة، تــهــتــم بــالــتــحــديــث والــتــطــويــر املؤسسي الذي ال يمكن من دونه للتجربة الـــفـــدرالـــيـــة أن تــنــجــح، تــعــالــج اإلشـــكـــاالت الـتـربـويـة والتعليمية الـتـي تـعـد املـواطـن الـصـالـح واملــنــتــج، تعتمد أســـس املـواطـنـة القويمة، تستقطب الطيور املهاجرة التي هــــي بــمــثــابــة الـــخـــزيـــنـــة املـــعـــرفـــيـــة لــلــبــالد، وتــــطــــور اإلمــــكــــانــــات الـــذهـــنـــيـــة والــفــكــريــة والـثـقـافـيـة والـسـيـاسـيـة اإلداريـــــة للشباب الـــــذي فـــجـــر ثـــــورة ديــســمــبــر، فــأولــئــك قـــوم يستحقون التبجيل، والرعاية واالعتناء.
لم ينتم من انتمى لـ «الدعم السريع» لدوافع أيديولوجية، هؤالء دفعتهم الفاقة إلى االنتماء إلى كياٍن وّفر لهم ضمانات مالية