Al Araby Al Jadeed

وضع اإلحباط

- محمد أحمد الفيالبي

من يضع العالم بأسره في وضع اإلحباط، ويصنع من كوارث الطبيعة ما يبقي اسمه على كل لسان، وفي كل أوان؟ من يقدم لنا جرعات األمل في كل مرة في كوب مثقوب؟ ملاذا تنساق أقالمكم وراء هذه الحكايات الدائرية، من قبيل دخلت نملة وأخذت حبة وخرجت؟ رشـقـنـي صــديــق ســاخــر بـاألسـئـل­ـة أعـــاله معلقًا عـلـى مـخـرجـات آخـر مؤتمرات تغير املناخ، والـذي أقر األمـن العام لألمم املتحدة بفشله في وضع خطة لخفض االنبعاثات بشكل جـذري، ما يعني أنه حتى كوب 27 لم يـرو ظمأ املتفائلن بإمكان جعل األمـر ممكنًا. إذ ها هو األمن العام لألمم املتحدة أنطونيو غوتيريس يعلن عن إحباطه وهو يخاطب منتدى دافوس االقتصادي في يناير/كانون الثاني املاضي، مشيرًا إلى أن «الهدف الطموح املتمثل في حصر االحترار بـ 1.5 درجة بدأ يتبخر». ولعله كان قد أشار إلى وضع اإلحباط منذ كوب 26 في غالسكو، حن قدمت 23 دولة من 193 خططها، إذ قال يومها حول تمديد املفاوضات إنها «خطوة مهمة لكن ليست كافية، ويجب تسريع العمل املناخي وقد حان الوقت لالنتقال إلى وضع الطوارئ». بيد أنه بذلك زاد يقيننا أنه ليس باألقوال فقط يمكن أن يحدث ما هو مرتجى. نشهد في كل يوم في كبريات املدن السودانية، وعلى رأسها الخرطوم ما يشير إلى أن الريف لم يعد يحتمل سكانه من مزارعن ورعاة. وتحدثنا موجات العبور العاتية للحدود املفتوحة مع سبع دول، والبالغ طولها 6751 كيلومترا عن معاناة قارة كانت توصف بالواعدة، قبل أن تقع في ظل التغيرات املناخية الكبيرة، وما ترتب عليها من تفاقم حدة الفقر، وفقدان اإلنتاج، وكـوارث الجفاف والفيضانات، والتهديد الكبير لألمن الغذائي، وتفشي األوبـئـة والـجـوع. وامـتـدت التأثيرات لتشمل الخدمات األساسية من صحة وتعليم وسكن. وحينها لم يجد من يملك قدرة الهجرة والنزوح مفرًا من إدارة ظهره لبيئته األولى. اآلالف مـن األطــفــا­ل فـي سـن الــدراســ­ة، والـنـسـاء حـامـالت األطــفــا­ل على ظهورهن وفي أحشائهن وفوق أيديهن، وبن األقدام يمألون تقاطعات الشوارع الرئيسية والفرعية ويتسابقون نحو املارة واملركبات، وعيونهم على إشـارات املـرور، منهم من يحمل خرقة بالية يمسح بها السيارات الـخـاصـة، ومــن يـعـرض سلعًا مختلفة، ومــن يفضل الــســؤال املباشر. ورصـــدت ناقالت تقوم في الصباح الباكر بتوزيع هــؤالء في عمليات منظمة، وتجارة من نـوع آخـر ولدتها حالة الترنح العام على املستوى االقــتــص­ــادي واالجـتـمـ­اعـي. ويقيني أنــه ليس بــن هـــؤالء مــن سمع عن مؤتمرات تغير املناخ، التي قد يكفي ما يصرف فيها من أموال ملعالجة الكثير من قضاياهم. ووجدتني أرد على صديقي باملزيد من األسئلة. متى تتبدل لغة الوعود بتغيير الحال؟ ومتى يصل الفقراء إلى يقن أن في انتظار األغنياء غباء؟ وهل يمكن أن نخرج قريبًا من وضع اإلحباط؟

(متخصص في شؤون البيئة)

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar