تنويعات متعّجلة على فيرمير
يكمل متحف «ماوريتس هاوس» في الهاي ملء الفراغ الذي تركْته إعارة لوحة شهيرة لفيرمير لمتحف آخر، عبر عرض صور أقرب إلى «الكيتش» على موقعه
كــيــف يـمـكـنـك لــفــت األنـــظـــار فـــي يــومــنــا هـــذا؟ ثــمــة طــــرق كــثــيــرة، فـــي الـحـقـيـقـة، واحـــــدة من أبـرزهـا وأكـثـرهـا نجاعة تتمثل فـي املساس بشخصية معروفة أو بعمل شهير أو بقضية مقدسة أو ربما بظاهرة إشكالية، وتسليط الـــضـــوء إعـــامـــيـــا عــلــى املــــوضــــوع، بــانــتــظــار أن تـتـلـقـفـه مــنــصــات الـــتـــواصـــل االجــتــمــاعــي وأن يـــحـــولـــه مــســتــخــدمــوهــا إلـــــى مـــوضـــوع تـــفـــاعـــل، ضــمــن مـــا يــــعــــرف الـــيـــوم بــــالـــــzzuB. هــذا، كما يـبـدو، مـا فعله متحف «ماوريتس هـــــاوس» بـــاهـــاي الــهــولــنــديــة عــنــدمــا عــرض «أعـمـاال»، جرى إنتاجها عبر تقنيات الذكاء االصطناعي، مـكـان لوحة فيرمير الشهيرة، «الــفــتــاة ذات قـــرط الــلــؤلــؤ» (أو «الــفــتــاة التي تعتمر قـلـنـسـوة»، وقـــد أنـــجـــزت عـــام ،)1665 وهـــــي الـــلـــوحـــة املـــــعـــــارة حـــالـــيـــا إلـــــى مـتـحـف
هولندي آخر يقيم معرضا ضخما لفيرمير، هـو «متحف ريـكـس» بالعاصمة أمـسـتـردام. خطوة أثارت كثيرًا من النقاش وأسالت كثيرًا من الحبر، منذ بدء العرض في آذار/ مارس املاضي. غـيـر أن هـــذا الــنــقــاش، الــــذي انـقـسـم كـالـعـادة بني مـن هـم «مـع» ومـن هـم «ضــد»، دار بشكل أســـاســـي حــــول الـــجـــزء األول والـــرســـمـــي من خطوة املتحف، أي عرضه خمسة من أفضل «األعمال» التي وصلته من الراغبني في وضع أسمائهم واشتغاالتهم مكان فيرمير. غير أن دعـوة «ماوريتس هــاوس» الستبدال لوحته الــشــهــيــرة لــفــتــرة مــؤقــتــة لـــم تـشـمـل الـفـنـانـني واملشتغلني على تقنيات الذكاء االصطناعي فـــقـــط، بـــل كــــل مــــن أراد املـــشـــاركـــة، وال سيما مستخدمي اإلنــتــرنــت، الــذيــن يــعــرض موقع املتحف، هذه األيام (حتى الرابع من حزيران/ يونيو املقبل)، 170 من صورهم التي أرسلوها و«نـــــوعـــــوا» مـــن خــالــهــا عــلــى لـــوحـــة الــفــنــان الهولندي 1632( - .)1675 ويكفي إلقاء نظرة
من لوحة ُتَعد من أيقونات الفن إلى محاوالت يفشل بعضها حتى في اإلضحاك
على هذه األعمال للوقوف على غرابة خطوة املتحف الهولندي: فالصور املعروضة هي، في الغالب األعـم، مما يمكن نسبه في أفضل األحـــيـــان إلـــى «الــكــيــتــش»، أو إلـــى املــحــاوالت الفنية البدائية، أو إلى التقليد الذي يرغب في أن يكون مضحكًا، فإذ به مضحك ومفجع في اآلن. وبالطبع، تنجو من هذه األغلبية أعمال قليلة، بعضها غريب ومفاجئ في مقترحه، كهذا الـذي تقدمه الفنانة الكورية الجنوبية نانان كانغ (الصورة). مــا الـــذي يـريـد املـتـحـف الـهـولـنـدي قــولــه عبر عرض كهذا؟ الغالب أنه لم يكن يحمل مقولة، بل أراد أن يقال عنه شيء ما، أن يحدث جلبة وأن يــتــحــول إلـــى مــوضــوع نــقــاش. ال تـأويـل للنوايا هنا، بل تفسيٌر عملٌّي ربما لفعل ال معنى فنيًا لـه، في حني أن التفسير الوحيد قد يكون اقتصاديًا وتسويقيًا ملتحف صغير بنى كل وجوده تقريبًا على لوحة واحدة، هي لوحة فيرمير، فجاء ليمأل فراغها بـــ... فـراغ، ونجح، كما يبدو. إذ إن الحديث عن «معرضه» ناهز، في صفحات اإلعالم ومواقع التواصل، الحديث عن معرض «متحف ريكس» الضخم حول فيرمير. مع العلم أن «متحف ريكس» قد زاره أكثر من مليونني وستمئة ألف زائر عام ،2019 ليشاهدوا أكثر مـن 8 آالف عمل فني تمتد على مساحة 10 آالف متر مكعب، في حــني أن «مــاوريــتــس هـــاوس» يـضـم أكـثـر من 800 عمل بقليل، جــاء ليشاهدها، فـي العام نفسه، أي 416 ،2019 ألـف مشاهد. أال يكفي هذا إلعطاء معنًى لخطوته؟