Al Araby Al Jadeed

في الحاجة إلى النقد

ديمقراطية يفتقدها الحقل األدبي باستثناء حاالت نادرة، مثل نجيب محفوظ، فإن معظم النتاج الروائي العربي مهمل في النقد، على الرغم من أن أعداد الروايات المطبوعة في ازدياد

- ممدوح عزام

ما الغاية من كتابة نقد باللغة العربية؟ وخاصة ذلك النقد الذي يهتم بالنظرية النقدية، أو النظريات النقدية، إذا كان يــقــدم درســـًا فــي عـــرض املــنــاه­ــج، أو إذا كان يقدم منهجه الخاص في النقد؟ ما الهدف، إذا كـان النقد العربي يتجاهل الــروايــ­ة الـعـربـيـ­ة؟ ومــا الــهــدف، إذا كان ال يستطيع أن يجاري أساتذته النقاد في نقد الرواية األخرى الصادرة في أي مكان من العالم؟ أمــا إذا كانت الغاية هي التباهي، فال جــــــدوى مــــن ذلــــــك؛ فـــالـــق­ـــارئ والـــكـــ­اتـــب ســـرعـــا­ن مـــا تـخـبـو الــحــمــ­اســة لـديـهـمـا تجاه النقد في ضـوء هـذا الكم الهائل من النقاد الذين يروج كل منهم إلحدى مــــــدار­س الــنــقــ­د املــنــتـ­ـشــرة فـــي الــعــالـ­ـم، ويتبنى وجهة نظرها، دون أن يحقق االنتقال الضروري الثاني الـذي يعيد إنتاج تلك النظريات في أعمال نقدية تــطــبــي­ــقــيــة تـــنـــاق­ـــش، أو تــنــقــد الــــرواي­ــــة العربية، أو تـحـاول اكتشاف الجديد، أو الــبــالـ­ـي الـضـعـيـف، بـيـنـمـا تـجـمـعـت لدينا أكداس من الروايات التي ال تزال تطفو في سديم التجاهل والالمباال­ة النقدية. فـــفـــي حــــني يــحــتــف­ــي الــــعـــ­ـرب بـــالـــز­يـــادة الـــكـــم­ـــيـــة، والـــنـــ­وعـــيـــة أيــــضـــ­ـًا، فــــي عـــدد الــــرواي­ــــات والـــروائ­ـــيـــني، يـخـتـفـي الـنـقـد الـروائـي اختفاء شبه كلي من الساحة الــثــقــ­افــيــة. ويـــذهـــ­ب الـــنـــق­ـــاد فـــي اتــجــاه التراث مـرة، حيث يمكنه أن يصول في التنظير للسرد، والبحث عن التجارب الــعــربـ­ـيــة الــســالـ­ـفــة فـــي هــــذا املــــيــ­ــدان، أو يـذهـب إلــى النقد فـي الـعـالـم فيستعير مـنـه مــا يجعله مـنـظـرًا يــقــدم تـأويـالتـ­ه للرواية. حـــني نــشــر أنـــطـــو­ن تــشــيــخ­ــوف روايـــتــ­ـه األولـــــ­ــــى، أو قـــصـــتـ­ــه الـــطـــو­يـــلـــة األولـــــ­ــى: «الـــســـه­ـــب»، لـــم يــكــن مــهــمــًا أن اآلراء قد اختلفت حول أهميتها بني من قرأوها، بـل كــان املهم هـو أن النقاد والـكـتـاب لم يــتــجــا­هــلــوا الــكــاتـ­ـب الـــشـــا­ب الــــذي ظهر بـــقـــصـ­ــة. الـــطـــر­يـــف فــــي األمــــــ­ر أن يــكــون الــكــتــ­اب الـــروائـ­ــيـــون وكـــتـــا­ب الـقـصـة هم الذي امتدحوا النص وأشـادوا بموهبة كاتبه، إمـا في الرسائل التي تبادلوها في ما بينهم أو في رسائلهم إلى الكاتب الشاب. ومن بني أولئك من كان راسخًا في الحياة األدبية ومعروفًا لدى القراء. وباستثناء نجيب محفوظ الذي حظي بانتباه ودراســـة الـعـشـرات مـن النقاد الـــعـــر­ب ـ الـــــذي كــتــبــت مـــؤلـــف­ـــات نـقـديـة كاملة تــدرس روايــاتــ­ه، مثل «املنتمي» لـغـالـي شــكــري، أو الـتـي تـنـاقـش روايــة واحــــدة، مـثـل دراســــة الـثـالثـي­ـة لنجيب سرور، وغيرهما الكثير جدًا من النقاد العرب ـ وكذلك بعض الروائيني اآلخرين القالئل، مثل عبد الرحمن منيف ـ فإن معظم الـنـتـاج الــروائــ­ي الـعـربـي مهمل فـــي الـــنـــق­ـــد، عـــلـــى الـــرغـــ­م مـــن أن أعــــداد الـــروايـ­ــات املـطـبـوع­ـة فــي ازديـــــا­د. وهـو ازديــاد يعكس حاجة اإلنـسـان العربي لــلــحــك­ــي والــــكــ­ــالم فــــي مـــواجـــ­هـــة عــقــود طويلة مـن الصمت والـخـوف والـتـردد

تزايد عدد الروايات يعكس حاجة إلى الكالم بعد عقود من الصمت

والـخـشـيـ­ة مــن الــقــول أوال. وإذا كانت الرواية هي شكل العالقات الديمقراطي­ة بـني الشخصيات، فــإن النقد يعبر عن حـالـة الــوضــع الـديـمـقـ­راطـي فــي الحياة الــعــامـ­ـة فـــي أي مـجـتـمـع. ومـــن الصعب أن يثمر نقد تطبيقي، أي نقد يتناول الــعــيــ­نــي واملـــبــ­ـاشـــر فـــي األدب، دون أن تتوفر ديمقراطية تسمح للحوار في أي مسألة مـن مسائل الحياة أن ينتعش. ولـعـل هـذا مـا قـد يفسر انـصـراف النقد إلى التنظير والنقل مبتعدًا عن «شرور» املواجهة مع الواقع.

 ?? ?? «بداية البسمة» لـ بول كلي، زيت وألوان مائية على ورق، 1921
«بداية البسمة» لـ بول كلي، زيت وألوان مائية على ورق، 1921

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar