Al Araby Al Jadeed

موموني سانو

الثقة واالحترام أساسيان في إنجاز الوثائقي

- النص الكامل على الموقع األلكتروني

قبل عامين، أنجز موموني سانو وثائقيًا عن فتيات الليل في «بوبو ـ ديوالسيو» (بوركينا فاسو)، يختلف عن أفالم كثيرة تناولت الموضوع نفسه

عند غــروب شمس كـل يــوم، تتوجه فتيات الليل في «بوبو ـ ديوالسو» (غرب بوركينا فاسو) إلى منزل السيدة الثمانينية كودا، لــــيــــ­ودعــــن عــنــدهــ­ا أطـــفـــا­لـــهـــن ريــثــمــ­ا يــعــدن السترجاعهم في الساعات األولى من الغد. لم يصدق موموني سانو 35( عامًا) عينيه حني اكتشف، صدفة، هذا املنظر، هو الذي اعتاد السهر في أجــواء ليل شـارع «بـاك»، العاج بعامات الجنس والنشالني وتجار املخدرات، حيث يتمتع بشعبية، والجميع ينادونه «لو شا» (القط). أصـــر سـانـو -مـتـسـلـحـًا بـدراسـتـه السينما وخبرته كمخرج مبتدئ، ومؤطر ومونتير فـــي أفــــام عـــــدة- عــلــى خـــوض مـــســـار شـــاق وطــــويــ­ــل، لــتــوفــ­يــر دعــــم وتـــمـــو­يـــل ملـــشـــر­وع فـيـلـم وثــائــقـ­ـي عـــن هــــذا الــــواقـ­ـــع، اخـــتـــا­ر له عــنــوان «حـضـانـة لـيـلـيـة». املـحـصـلـ­ة: فيلم مـــرهـــف وكــثــيــ­ف 67( دقـــيـــق­ـــة)، يـــركـــز على لـــحـــظـ­ــات عـــيـــش دالـــــــ­ة لـــشـــخـ­ــصـــيـــ­ات مــــن 3 أجــــيـــ­ـال مـــتـــنـ­ــوعـــة األعـــــم­ـــــار واإليــــق­ــــاعــــ­ات، تحاول التكيف مع سياق اقتصادي صعب وهــش: املــرأة العجوز، وفراغها القاتل في النهار، ثم شقاؤها في رعاية األطفال ليا؛ أوديـــــل وأدام وفـــاطـــ­يـــم، املـــتـــ­أرجـــحـــ­ات بني قساوة شرطهن ولحظات رقـص وابتهاج يــســرقــ­نــهــا فــــي الـــعـــل­ـــب الـــلـــي­ـــلـــيــ­ـة؛ وأطــــفــ­ــال أبــريــاء يـلـهـون فــي غـفـلـة عـمـا يـحـيـط بهم، تــصــورهـ­ـم الـكـامـيـ­را بــصــواب عـلـى ارتــفــاع قاماتهم الصغيرة. يــقــبــض املـــخـــ­رج الـــشـــا­ب عــلــى كــــل ذلــــك من دون أن تسقط نظرته، في أي من لحظات الفيلم، فـي التلصص، أو اإلثـــارة السهلة، أو الـــبـــؤ­س، رغــــم أن مـحـيـط الـشـخـصـي­ـات والــثــيـ­ـمــة يـــغـــري­ـــان بـــكـــل ذلـــــك. الـــســـر يكمن فـــي الـــزمـــ­ن الـــــذي أمـــضـــا­ه فـــي الـــعـــي­ـــش مـع الـــشـــخ­ـــصـــيــ­ـات لـــكـــسـ­ــب ثـــقـــتـ­ــهـــا، وحـــرصـــ­ه عــلــى مـبـادلـتـ­هـا الــثــقــ­ة بـــاالحــ­ـتـــرام، إضــافــة

إلــــــى مــــقــــ­اربــــة أفـــلـــم­ـــة غــــايـــ­ـة فـــــي الـــفـــط­ـــنـــة، يتموقع فيها جـــدول فـريـق الـتـصـويـ­ر في نــــوع مـــن االنـــزيـ­ــاح مـــع الــبــرنـ­ـامــج الـيـومـي لـلـشـخـصـ­يـات: تــــارة، يـسـبـق الـفـتـيـا­ت عند السيدة العجوز، ليرصد استعدادات هذه األخـيـرة الستقبال األطـفـال؛ وتــارة أخـرى، يــصــل مــتــأخــ­رًا فـــي ســـاعـــا­ت الــصــبــ­اح عند الـفـتـيـا­ت، ليلتقط مـشـاهـد آســـرة ومــؤثــرة، الستغراق هؤالء األخيرات في النوم تعبًا، بينما يستيقظ األطفال ليستوطنوا الشقة املـتـواضـ­عـة، عـابـثـني بــاألغــر­اض والـطـعـام. كـــأن فـي ذلــك كـنـايـة عـن نـضـج قبل األوان، ومسار تعلم قـاس، ال يسع املشاهد أمامه ســـوى الـــتـــس­ـــاؤل عـــن نـــوع املـسـتـقـ­بـل الـــذي ينتظرهم في مجتمع أبوي وتقليدي. شهد «حضانة ليلية» عرضه األول في فئة «فــــــورو­م»، فــي الـــــدور­ة الـــــ17 1( ـ 5 مـــارس/ آذار )2021 لــ«مـهـرجـان بـرلـني السينمائي (البرليناله)»، وشارك أيضًا في الدورة الـ25 15( ـ 25 إبـــريـــ­ل/ نــيــســا­ن )2021 ملـهـرجـان «رؤى الواقع» في نيون (سويسرا)، قبل أن يــتــوج بـجـائـزة «الــحــصــ­ان الـذهـبـي ألفضل

فـيـلـم وثـــائـــ­قـــي» فـــي الــــــدو­رة الــــــ72 16( ـ 23 أكتوبر/ تشرين األول )2021 لـ«فيسباكو»، وحــل فـي خريبكة، للمشاركة فـي املسابقة الرسمية لــلــدورة الــــ22 28( مــايــو/ أيـــار ـ 4 يونيو/ حزيران )2022 لـ«املهرجان الدولي للسينما األفريقية ـ فـيـكـاك»، حيث التقته «العربي الجديد».

جاءت الفكرة من شارع مزدحم للغاية في بوبو ـ ديوالسو في بوركينا فاسو، يسمى شـــــارع «بـــــــاك»، حــيــث تــتــعــا­يــش الـــدعـــ­ارة والــــكــ­ــحــــول واملــــــ­خــــــدرا­ت والــــنــ­ــشــــالـ­ـــون. أنـــا بومة ليلية حقيقية. أحــب الليل، وأعشق السهر حيث تكون هناك أجـواء احتفالية، لـذلـك أمـضـي كـل لـيـالـي هـنـاك، تقريبًا. في الــبــداي­ــة، عـنـدمـا جـئـت إلـــى املـنـطـقـ­ة، رأيــت مــجــمــو­عــة فـــتـــيـ­ــات لـــيـــل، وبــــــدأ­ت أتــعــاطـ­ـف معهن، لكن ليس كـزبـون. أرى أنـهـن نساء كجميع النساء األخريات، لكنهن يمارسن أقــــدم مـهـنـة فــي الــعــالـ­ـم، واملــهــن­ــة مـرفـوضـة فـي املجتمع. عندما وصـلـت، لـم يكن لـدي

أي فــــكــــ­رة عــــن صـــنـــاع­ـــة فـــيـــلـ­ــم. تـــدريـــ­جـــيـــًا، اســـتـــق­ـــرت الـــثـــق­ـــة بــيــنــن­ــا بـــعـــد شـــهـــري­ـــن، ثـم بـــدأت الــذهــاب إلـــى مـنـزلـهـن، وفـــي الـنـهـار، يأتني أحيانًا إلى منزلي. كلما صادفتهن فــــي الـــــشــ­ـــارع، أتــــحـــ­ـدث مـــعـــهـ­ــن، وإذا كـــان بإمكاني أن أسـدي إليهن خدمة يطلبنها مني، أفعل ذلك من دون دوافع خفية. كنت أخـمـن فـي نفسي: «هــل ممكن إنـجـاز فيلم عـنـهـن فــي الـــشـــا­رع، بـاسـتـخـد­ام الـكـامـيـ­را؟ لكنه فيلم لن يتجاوز 5 دقـائـق». أن تقول فــقــط: «أريــــد صـنـع فـيـلـم عــن الـــدعـــ­ارة»، لم يكن ليشتغل ذلـك، ألن هناك الكثير منها. ذات يــــوم، سـألـتـنـي إحــــدى الــفــتــ­يــات: «هــل يمكنك اصطحابي آلخذ طفلي؟» أجبتها: «طبعًا، ال مشكلة». رافقتها على دراجتي النارية، وذهبنا السترجاع الطفل. طلبت مـــنـــي الـــخـــد­مـــة نـفـسـهـا مــــجــــ­ددًا بــعــد أيــــام، واصطحبتها مرة أخـرى. عندها سألتها: «نحن نعرف بعضنا منذ 5 سنوات، لكني ال أفهم أي فـرد من عائلتك ينتظرك دائمًا في فناء املنزل هناك، توكلني إليه طفلك»، فـأجـابـتـ­نـي بــنــبــر­ة عـــاديـــ­ة: «ال، لـيـسـت من أفراد عائلتي، بل امرأة عجوز ترعى أطفال عامات الجنس ليا». قلت في نفسي: «يا إلهي!». حتى أنا الذي أعيش في بوبو، لم أكـــن أدري بــوجــود شـــيء كــهــذا. فــي الـيـوم الـتـالـي، عـرضـت عليها اصطحابها للقاء املــرأة العجوز، فوافقت. عندما ذهبت إلى هـــنـــاك، دخـــلـــت املـــنـــ­زل، ورأيـــــت أن الــســيــ­دة الــــعـــ­ـجــــوز تـــنـــتـ­ــظـــر، بـــيـــنـ­ــمـــا كــــانـــ­ـت فــتــيــا­ت أخريات يأتني من وقت إلى آخر ليودعنها أطفالهن ويغادرن. مـــنـــذ ذلـــــك الــــيـــ­ـوم، أدركــــــ­ـت أن هـــنـــاك فـيـلـمـًا ينبغي أن يصنع. بدأت الكتابة، واستغرقت عملية تحقيقه 10 سنوات، من نشوء الفكرة إلى املونتاج النهائي. أمضيت وقتًا كثيرًا مع الفتيات والسيدة العجوز لتحقيق ذلك.

■ لـــكـــن، لــيــس ســـهـــا، فـــي مـجـتـمـعـ­ات يقوضها ضعف هياكل اإلنـتـاج السينمائي، تحقيق فيلم كهذا حول ثيمة معقدة. األمـر صعب جـدًا. في البداية، عندما كنت أقـــــــد­م فـــكـــرة الـــعـــم­ـــل، أو أتــــحـــ­ـدث عــنــهــا مـع منتجني، أتلقى دائمًا ردودًا مثل: «ال، فيلم آخر عن الدعارة؟ لن ينجح ذلك». ذهبت مّرة إلى السنغال بحثًا عن منتجني، لكن ال أحد اهتم باملشروع. نظرًا إلى أن املوضوع تابو، ينظر إلـيـه بــســوء، كــان الـعـثـور على منتج معقدًا. هـــنـــاك «أفــــــام دجــــابــ­ــادجــــا­ه» Djabadjah( شركة إنتاج من بوبو ـ ديوالسو، املحرر) وثــــقـــ­ـت بـــــاملـ­ــــشـــــ­روع، فـــانـــط­ـــلـــق كـــــــل شـــــيء. تــحــقــق­ــت الـــخـــط­ـــوة الــثــانـ­ـيــة بــفــضــل «فـيـلـم أواغــــا الب ‪)Ouaga film Lab(‬ عـــام ،2017 عـــنـــد الــــحـــ­ـصــــول عـــلـــى دعــــــم صــــنــــ­دوق فــي إطار «فيسباكو»، اسمه «صندوق اإلبداع الفرنكوفون­ي». بفضل ذلك، أتيت إلى الدار الـبـيـضـا­ء فــي إطـــار «إقــامــة كـتـابـة، نظمها هــشــام فـــاح فــي الــــ«فـــيـــدا­دوك» (املــهــرج­ــان الدولي للفيلم الوثائقي بأغادير، املحرر). هـنـاك، تــأكـدت أن بإمكاني صنع فيلم إذا

ٍّ توافرت لي اإلمكانات. نتيجة لذلك، قدمت طـــلـــبـ­ــًا، وكـــــان الـــدعـــ­م األول مـــن «صـــنـــدو­ق الشباب الفرنكوفون­ي». ثم توالت مبادرات الـدعـم، وصــوال إلـى صـنـدوق «تكميل» من «أيام قرطاج السينمائية».

■ حان موعد التصوير. أتخيل أنه كان معقدًا في حـي صعب، كما وصفته. ما العقبات الرئيسية التي واجهتك، وكيف تمكنت من التغلب عليها؟ كـــمـــا أســـلـــف­ـــت، الـــفـــت­ـــيـــات واملــــــ­ــرأة الـــعـــج­ـــوز يعرفنني جـيـدًا، ويعلمن أنـــي أشتغل في الــســيــ­نــمــا. لــــذا، لـــم تــكــن هـــنـــاك مـشـكـلـة في الـــبـــد­ايـــة. كـــانـــت الــصــعــ­وبــة عــنــد حـصـولـي عـلـى املــــال، فــرغــم أنـــي أسـتـطـيـع التصوير بـنـفـسـي، قــــرر اإلنـــتــ­ـاج الــتــعــ­اون مـــع مـديـر تـصــويــر «أبـــيـــض»، اســمــه بــيــار الفــــال. في الــــيـــ­ـوم الـــتـــا­لـــي مــــن الـــتـــص­ـــويـــر، حـــصـــل مـا نـطـلـق عـلـيـه فـــي بــوركــيـ­ـنــا فــاســو «الــنــفــ­اق االجــتــم­ــاعــي». تـعـالـت األصـــــو­ات فــجــأة من أنـــحـــا­ء الـــحـــي: «اســـمـــع­ـــوا. يــجــب أال نــوافــق على السماح بالتصوير. الرجل األبيض هنا اللتقاط صورتنا كي يبيعها في أوروبا. إلخ». ثم حانت اللحظة الـــتـــي واجـــهـــ­تـــنـــي فــيــهــا الـــســـي­ـــدة الــعــجــ­وز بــهــذا. قـلـت لـهـا: «ســأشــرح لـــك. أنـــا أشتغل في السينما، وصارحتك بكل العملية من الـــبـــد­ايـــة. تــعــرفــ­ني جــيــدًا كــيــف وصــلــت إلــى هـنـا»، فـأجـابـت: «مــن أجلك فقط، سأسمح بهذا، ألني أثق بك. أتيت إلى هنا لسنوات، قبل مشروعك. لذا، واصل التصوير. نحن مــوافــقـ­ـون». مــع الـفـتـيـا­ت، لــم يـكـن لـــدي أي مشكلة، وال حتى نقاش من هذا النوع، ألن اكتراثهن بما يقوله الناس منعدم.

 ?? (الموقع اإللكتروني للبرليناله) ?? موموني سانو: تجاوزت صعوبات كثيرة ألنجز ما أريد
(الموقع اإللكتروني للبرليناله) موموني سانو: تجاوزت صعوبات كثيرة ألنجز ما أريد

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar