Al Araby Al Jadeed

حاشية على مؤتمر شعبي فلسطيني

- معن البياري

واحد من تمثالت الشذوذ في الحالة الفلسطينية الراهنة أن أي لقاء فلسطيني أو منتدى أو مهرجان أو مؤتمر عـام أو نشاط جماهيري، أو ملتقى، يثير ارتياب املقيمني منذ عقود في لجان منظمة التحرير وفي الهياكل الفتحاوية وفي أوساط الرئاسة الفلسطينية، فينعتونه بأنه مشبوه وانقسامي. والعجيب في هؤالء أنهم قــاعــدون عـن أي تــواصــل مـع العموم الفلسطيني، وال يحترفون غير تعطيل أي مبادرة الجتماع أي شتات فلسطيني. ويبلغ فيهم التورم أنهم يفترضون أن على الفلسطيني العشريني املولود واملقيم في تشيلي أن يسلم بتمثيلهم له، بدعوى أول الـرصـاص فـي ،1965 وأن عليه أن يـصـدق أن ثمة فائضًا مـن الشرعية في مكوث ياسر عبد ربـه في عضوية اللجنة التنفيذية منذ كـان ليندون جونسون رئيسًا للواليات املتحدة حتى نشب زعل مع محمود عباس، إبان رئاسة أوباما، وأن على الفلسطيني الذي يعمل في رأس الخيمة أن يصفق للسالسة التي ورث فيها حسني الشيخ مقعد صائب عريقات في هذا املستوى القيادي ملنظمة التحرير. وال

ّّ يكف هؤالء الناس عن رطانتهم بشأن الشرعية (شرعيتهم) التي يتوهمون أنها حجة وطنية أمام كل من ال يستأذنهم في شأن أي جمع، ومن ال يغتبط بقيادتهم (ماذا؟ املشروع الوطني الفلسطيني؟)، فيما تحرز، قبل أيام، حركة حماس انتصارًا على «فتح» في انتخابات طالب جامعتي بيرزيت والنجاح، على مقربة منهم في رام الله. وما من فلسطينيني يتصادفان إال ويكون السخط على أداء «الشرعية» الفلسطينية من مشاغل دردشتهما. مناسبة التذكير بالبديهية أعـاله أن «املؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج» عقد األسبوع املاضي في بيروت ملتقى الحوار الوطني الفلسطيني، شـارك فيه نحو 130 شخصية فلسطينية مــن الــداخــل والــخــار­ج (مــن الخليج وأوروبــــ­ا وأميركا الالتينية ،)...و تعفف الفتحاويون وناس السلطة عن حضوره، وكانوا قد أعملوا في «املؤتمر» الذي جرى إشهاره في تجمع في إسطنبول في 2017 أرطاال من الريبة به، من قبيل أنه مظلة لحركة حماس مهيأة بديال عن منظمة التحرير. وملا تسنى لصاحب هذه السطور أن يلبي دعوة كريمة لحضور امللتقى، واستمع لكثير مما قيل فيه، واطلع على مخرجاته، فإن في وسعه أن يرى مالحظات عارضة عليه، ليس منها أبدًا أنه فعل انشقاقي يخرج على منظمة التحرير، بل كان ملحوظًا إلى درجة الفتة ذلك اإللحاح فيه على التمسك باملنظمة مع تعزيز الجهود لتفعيلها وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية، «كمرجعية وإطار وطني جامع للشعب الفلسطيني»، بحسب كلمة أمني عام املؤتمر، أحمد محيسن، في افتتاح امللتقى، وبحسب «الرؤية االستراتيج­ية الوطنية للحفاظ على الثوابت الفلسطينية»، الوثيقة التي نوقشت. ومن غريب ما قرأت في مقال افترى على امللتقى أن املجتمعني انتقدوا طرفًا دون آخـر بشأن االنقسام، وأن كلمات املتحدثني جعلته منبرًا خطابيًا للهجوم على السلطة الفلسطينية ورئيسها. وهـذا وذاك لم يحدثا، وإنها فقط انتقادات لألداء العام للمؤسسة الرسمية جاء عليها بعض من تكلموا. أكتب هـذه الشهادة من موقع املستمع الضيف على هـذا الجمع الـذي رأيته طيبًا، من بـاب أنـه ينبغي أن يكون محمودًا أي اجتماع فلسطيني يناقش الحال العام، ويتفق فيه املؤتمرون على مشتركات عامة، ويختلفون في وجهات نظرهم في هذا التفصيل وذاك. وإن لم يرق لشخصي حضور ممثلي فصائل فلسطينية (من بني أن هذا رأي شخصي ال يجوز أن يتسيد على اآلخرين.ّ ولم ترق لي بعض ّمدائح عشرات املستقلني واملثقفني والنقابيني والناشطني) ال أعدها في الضفة الصح، غير «لصمود سورية»، كما في بعض الكلمات (قليلة للحق)، ولم أستمزج بعض اللغة االنتصارية العالية، في تعظيم بعض أنشطة املقاومة الفلسطينية املقدرة، غير أن أمورًا كهذه ال يجوز أن تبّرر اعتراضًا على جمع فلسطيني، قِدم كثيرون إليه على نفقتهم، وقام بمجهود تنظيمه وتيسير وسائل تمويل انعقاده ناشطون في لبنان وأوروبـــا، بروحية منفتحة. وكــان في وسـع أي من أولئك في رام الله أن يشارك، ويقول ما يشاء، مثال، عن عمل الرئاسة من أجل حماية الشعب الفلسطيني. كان كــالم كهذا سيسمع، ومــا شـاهـدت مـن تـدافـع بـني اجـتـهـادا­ت متباينة، بـل وناقدة لوثيقة املؤتمر (االستراتيج­ية) دليل على ترجيح هــذا، من ذلـك أن الكاتب هاني املصري قال ما قال بسقف عال، وقوبل باحترام. لو ثمة منظمة تحرير حقيقية، جامعة، متجددة، ملا وجد املؤتمرون في بيروت سببًا مللتقاهم، وألن مثل هذه املنظمة غائبة، يصير ملحًا أن تزيد مبادرات اللقاء والحوار والنقاش واالتفاق واالختالف.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar