تراجع المعارك في الخرطوم
الوساطة األميركية السعودية تحّدد متطلبات الهدنة طويلة األمد
لم يوقف تمديد اتفاق وقف النار في السودان بين الجيش و«الدعم السريع» برعاية أميركية سعودية، القتال بين الطرفين، على الرغم من تراجع وتيرته، فيما حاول قائد الجيش عبد الفتاح البرهان رفع معنويات قواته بالتشديد على أنها «تخوض معركة بالنيابة عن شعبها»، ولم تستخدم قوتها المميتة بعد
عــلــى وقــــع اســـتـــمـــرار املــــعــــارك، وإن بوتيرة أقـــل، وصــرخــات املنظمات الــــــدولــــــيــــــة اإلنـــــســـــانـــــيـــــة املــــــحــــــذرة مـــــن فـــــقـــــدان مــــســــاعــــدات وخــــطــــر املـــجـــاعـــة، وخصوصًا ما يتعرض له األطـفـال، حصل الوسيطان األمـيـركـي والـسـعـودي، أول من أمــــس االثــــنــــن، عــلــى إعـــــان تــمــديــد اتــفــاق وقـــف الــنــار قصير األمـــد فــي الـــســـودان بن قــــوات الــجــيــش و«الــــدعــــم الـــســـريـــع»، ملــــدة 5 أيـــام إضـافـيـة، بعد انـتـهـاء أسـبـوع أول من الــهــدنــة لــم يــوقــف الــقــتــال، واســتــمــر مــن 22 مايو/ أيار الحالي حتى مساء أول من أمس االثنن. ويأتي تمديد الهدنة بحسب راعيي املفاوضات بن طرفي القتال، للتمكن من إصاح الخروقات السابقة التي سجلت في الـهـدنـة األولــــى، وأبــرزهــا عــدم تسهيل نقل املـسـاعـدات اإلنسانية إلـى ماين السكان، فيما يتواصل البحث للوصول إلــى هدنة طـــويـــلـــة األمـــــــد. رغـــــم ذلــــــك، تــــواصــــل الــقــتــال أمـس الثاثاء، في الــســودان، وال سيما في الخرطوم، علمًا أن بقاء االتفاق «حبرًا على ورق» أو ما يراه مراقبون الفجوة بن الواقع على األرض والدبلوماسية، يعرض للخطر ساسل إمــداد الـغـذاء، في وقـت سيبدأ فيه موسم األمطار بالسودان، الحامل لألوبئة. وتـــواصـــلـــت املــــعــــارك أمـــــس، فـــي الــــســــودان، رغـــــم تـــمـــديـــد الـــهـــدنـــة، فــــي مـــحـــاولـــة لـنـقـل مساعدات إنسانية حيوية لهذا البلد الذي أصبح على حافة املجاعة. وأكد سكان في الـــخـــرطـــوم لــوكــالــة «فـــرانـــس بــــرس» وقـــوع «اشـتـبـاكـات بمختلف أنـــواع األسـلـحـة في جـنـوب الـعـاصـمـة». وكـــان هـــؤالء قــد نقلوا لـــلـــوكـــالـــة اســــتــــمــــرار املــــعــــارك لـــيـــل االثـــنـــن - الـــثـــاثـــاء، فـــي الـــخـــرطـــوم ونـــيـــاال بـإقـلـيـم دارفــــــور فـــي غــــرب الــــســــودان. مـــن جـهـتـهـا، نـــقـــلـــت وكــــالــــة «رويــــــتــــــرز» عــــن ســــكــــان فـي العاصمة قولهم إن االشتباكات هدأت في الــخــرطــوم أمــــس، رغـــم ســمــاع دوي إطـــاق النيران في بعض املناطق. وكــــان طــرفــا الــقــتــال فــي الـــســـودان قــد اتفقا مساء االثـنـن، على تمديد اتفاق الهدنة 5 أيـــام إضـافـيـة. وجـــاء توقيع التمديد خال املــفــاوضــات الــجــاريــة فــي جـــدة الـسـعـوديـة، بـــوســـاطـــة ســـعـــوديـــة أمـــيـــركـــيـــة، كــــانــــت قـد نجحت في دفع الطرفن إلى توقيع االتفاق األســـاســـي لــوقــف الـــنـــار فـــي 20 مـــن الـشـهـر الحالي (دخــل حيز التنفيذ فـي 22 مايو)، بغرض حماية املدنين وتمرير املساعدات اإلنسانية للمتضررين. وحتى يوم االثنن، تـــاريـــخ انــتــهــاء الــهــدنــة األولـــــى، لـــم يتوقف إطاق النار بن طرفي القتال بشكل نهائي، واســتــمــرت خـروقـاتـهـمـا لــاتــفــاق بـشـهـادة الوسطاء أنفسهم. واتفق الطرفان، االثنن، على مواصلة النقاش إلجراء تعديات على االتفاق االساسي، بما يضمن تجنب وقوع الجانبن في خروقات تعرقل الهدنة. وذكر بيان للوساطة السعودية األميركية، أن التمديد مقصود منه إتاحة مزيد من الوقت للجهات اإلنسانية للقيام بعملها الحيوي، مشيرًا إلــى أن طـرفـي الـقـتـال أكـــدا عزمهما عـــلـــى اســـتـــخـــدام الـــتـــمـــديـــد لــتــنــفــيــذ أحـــكـــام وقـف النار األول التي لم تتحقق بالكامل، بـمـا فــي ذلـــك تسليم املــزيــد مــن املـسـاعـدات اإلنـــســـانـــيـــة، وتــســهــيــل إصــــــاح الـــخـــدمـــات األســـاســـيـــة، وإخـــــاء الــجــهــات املـسـلـحـة من املستشفيات. وعــبــرت واشنطن والـريـاض عـن إدانتهما السـتـمـرار الـضـربـات الجوية والهجمات والتحركات املحظورة، وحثتا الطرفن على احترام التزاماتهما باالمتناع عــــن تـــلـــك األعـــــمـــــال خــــــال فــــتــــرة الـــتـــمـــديـــد. وأوضــــــح الـــبـــيـــان أن الـــطـــرفـــن اتــفــقــا عـلـى مناقشة وقف نار طويل األمـد قد يستلزم إخــــــاء الـــــقـــــوات مــــن املـــنـــاطـــق الـــحـــضـــريـــة، بما فـي ذلــك مـنـازل املـدنـيـن، وإزالـــة مزيد
البرهان: القوات المسلحة لم تستخدم قوتها المميتة بعد
أكثر من 13.6 مليون طفل في السودان بحاجة ماسة للدعم
مــــن الـــعـــوائـــق أمـــــام حـــريـــة تــنــقــل املــدنــيــن واملـسـاعـدات اإلنسانية، وتمكن املوظفن الـــحـــكـــومـــيـــن مـــــن اســـتـــئـــنـــاف واجـــبـــاتـــهـــم املــعــتــادة. وقـــال الـوسـيـطـان إنــه «رغـــم عـدم الـــتـــزامـــه فـــي شــكــل تـــــام، فــــإن وقــــف إطـــاق النار (في 22 مايو) أتاح إيصال املساعدة اإلنسانية، وتمديده سيسمح ببذل مزيد من الجهود اإلنسانية». وأكـــد قـائـد الجيش الـسـودانـي عبد الفتاح الــــبــــرهــــان، أمــــــس، أن الـــجـــيـــش وافــــــق عـلـى تــمــديــد الــهــدنــة «بـــغـــرض تـسـهـيـل انـسـيـاب الــــخــــدمــــات لـــلـــمـــواطـــنـــن الـــــذيـــــن أنــهــكــتــهــم تعديات املتمردين الذين نهبوا ممتلكاتهم وانــتــهــكــوا حـرمـاتـهـم وعــذبــوهــم وقتلوهم دون وازع أو ضمير»، بحسب قوله. وأضاف خــــال تــفــقــده قـــــوات الـــجـــيـــش، أن «الـــقـــوات املـسـلـحـة تــخــوض هـــذه املــعــركــة نــيــابــة عن شعبها»، مـؤكـدًا أنها «لـم تستخدم قوتها املميتة بعد، لكنها ستضطر إلى ذلك إذا لم ينصع الـعـدو أو يستجب لـصـوت العقل». وذكر البرهان أن «جميع املناطق العسكرية والــــفــــرق ال تـــــزال مـحـتـفـظـة بــكــامــل قــواتــهــا بعدما بسطت سيطرتها على جميع أنحاء الـــبـــاد»، داعــيــًا إلـــى «عـــدم االلـتـفـات إلـــى ما يبثه إعام املليشيا املتمردة»، ساخرًا مما تردده قوات «الدعم السريع» من أن حربها هي ضد النظام السابق. ورأى أن «النصر قريب ال محالة». وقـــــــال عــــمــــاد الــــزيــــن (مـــقـــيـــم فــــي أم درمــــــــان)، لــ«الـعـربـي الــجــديــد»، إن أخــبــار تـمـديـد هدنة لم تعد تبعث الطمأنينة استنادًا إلى تجربة
الــهــدنــة األولــــــى، حــيــث اشــتــد خــالــهــا الـقـتـال وتـــواصـــل تـشـريـد األهـــالـــي وســــوء األوضـــــاع. وأكـــــــد أن الــــوســــاطــــة لــــم تـــفـــعـــل شـــيـــئـــا حــيــال خروقات الطرفني، سواء تلك الخاصة بانتشار «الــــدعــــم الـــســـريـــع» وســيــطــرتــهــا عــلــى املـــنـــازل واملستشفيات، أو قصف طيران الجيش. عــلــى الــصــعــيــد الــســيــاســي، بـــــادرت أحــــزاب وتــحــالــفــات سـيـاسـيـة ســودانــيــة للترحيب بــتــمــديــد الـــهـــدنـــة. وأصـــــــدر حـــــزب الـتـجـمـع االتـحـادي، بيانا، أمــس، ناشد فيه املبادرة الـسـعـوديـة األمـيـركـيـة بـمـزيـد مــن الفعالية فـي مراقبة الهدنة املؤقتة، معربا عـن أمله في تكلل جهودهما بالنجاح في تطويرها لوقف دائم إلطاق النار. وتعليقا على تمديد الهدنة، اعتبر الخبير األمـــنـــي والــعــســكــري الـــلـــواء مــتــقــاعــد، أمــني مـــجـــذوب، أن الـــهـــدف زرع بــــذور الــثــقــة بني طرفي النزاع، مبينا لـ«العربي الجديد»، أنه في حال نجاح الوسيطان في ذلك، سيكون مــــن الـــســـهـــل الــــوصــــول إلـــــى الــــوقــــف الـــدائـــم لـلـنـار وإلــــى اتـــفـــاق ســـام دائـــــم. مـــن جهته، قــــال الـخـبـيـر االســتــراتــيــجــي عــصــام دكـــني،
لـــ«الــعــربــي الــجــديــد»، إن الــهــدف األســاســي للهدنة هو الدواعي اإلنسانية، «لكن لم نر أي عون إنساني للسكان». ويـــتـــكـــشـــف كـــــل يـــــــوم املـــــزيـــــد عـــــن مــــأســــاة السودانيني بسبب الحرب. وقالت منظمة األمــم املتحدة للطفولة (يونيسف) أمـس، إن أكثر من 13.6 مليون طفل في السودان بـــحـــاجـــة مـــاســـة لـــلـــدعـــم اإلنــــســــانــــي املــنــقــذ لـــلـــحـــيـــاة، وهــــــو أعــــلــــى رقــــــم مـــســـجـــل عــلــى اإلطاق في الباد، فيما قال املدير القطري لبرنامج األغذية العاملي في السودان، إدي روي، أمس، إن نحو 17 ألف طن متري من املــســاعــدات الـغـذائـيـة فــقــدت بسبب النهب مــنــذ بــــدء الـــقـــتـــال فـــي 15 إبــــريــــل/ نـيـسـان املـــــاضـــــي. وفــــــي املـــــواقـــــف الـــعـــربـــيـــة، جــــدد املتحدث بـاسـم الخارجية القطرية ماجد األنــــــصــــــاري، أمــــــس، دعـــــم بــــــاده لــلــجــهــود السعودية للتهدئة في السودان واتفاقيات وقف إطاق النار هناك. وأكد «انفتاح قطر عـلـى جـمـيـع األطــــراف فــي الـــســـودان، ولكن في إطار الجهود التي تقوم بها السعودية والواليات املتحدة في هذا الشأن».