تحديات الحكومة اإلسرائيلية
من التعديالت القضائية إلى االحتجاجات والوضع األمني
التعديالت القضائية قد تؤدي لخالفات داخل حزب الليكود
الحالة األمنية ستعود لتشكل تحديًا جديًا لحكومة نتنياهو
ال يعني نجاح حكومة بنيامين نتنياهو في تمرير الموازنة العامة لعامي 2023 ،2024و أنها تخطت األزمات التي تواجهها، إذ تنتظرها تحديات كبيرة في الفترة المقبلة، على رأسها ملف التعديالت القضائية، وعودة االحتجاجات إلى الشارع
صــــــادق الــكــنــيــســت اإلســـرائـــيـــلـــي نـــهـــايـــة األســـــبـــــوع املــــاضــــي عـلـى املـــــوازنـــــة الـــعـــامـــة لـــعـــامـــي 2023 2024و وقانون التسويات. األمر الذي يمنح حكومة بنيامني نتنياهو استقرارًا معينا، خصوصا داخـــل التحالف الحكومي، بعد أن حـصـلـت أحــــزاب الـتـحـالـف عـلـى غالبية مطالبها املـالـيـة مــن املـيـزانـيـة. إال أن إقــرار املـــيـــزانـــيـــة ال يـــعـــنـــي انــــتــــهــــاء الـــصـــعـــوبـــات والــــتــــحــــديــــات الــــتــــي قـــــد تـــــواجـــــه حـــكـــومـــة نتنياهو، وقـد يكون هـذا االستقرار مؤقتا لغاية حدوث أزمات مقبلة. ويـــنـــتـــظـــر الـــحـــكـــومـــة والـــتـــحـــالـــف الـــحـــاكـــم تــــحــــديــــات عـــــديـــــدة فـــــي األشـــــهـــــر الـــقـــريـــبـــة، أبرزها عودة ملف التعديات على الجهاز القضائي وتقييد السلطة القضائية إلى الـــواجـــهـــة، ومـــعـــه عـــــودة االحـــتـــجـــاجـــات في الــــشــــارع اإلســـرائـــيـــلـــي، وتـــحـــديـــات أمــنــيــةعسكرية مستجدة، والقضايا االقتصادية ومخاطر الركود. بعد انتهاء التصويت على قانون امليزانية، صـبـاح الخميس املــاضــي، وفـــي لحظة من لــحــظــات ثــمــالــة الــنــصــر، قـــال نـتـنـيـاهـو في رده على ســؤال ملـراسـل قناة 14 اليمينية، إن التعديات القانونية قائمة ومستمرة. على الـرغـم مـن مـحـاولـة نتنياهو وطاقمه تلطيف وتخفيف حدة التصريح، باإلعان أنــه يـرغـب بـاسـتـمـرار املــحــادثــات فــي منزل الــرئــيــس إســـحـــاق هــرتــســوغ، ويـسـعـى إلـى أوســــع تـفـاهـم مــع املــعــارضــة، فـقـد اعـتـبـرت قيادة االحتجاجات واملعارضة البرملانية تـــصـــريـــح نـــتـــنـــيـــاهـــو إعـــــانـــــا عـــــن الـــنـــوايـــا الــحــقــيــقــيــة وإثـــبـــاتـــا الســـتـــمـــرار نـتـنـيـاهـو فـــــي الـــتـــضـــلـــيـــل والــــــكــــــذب، وأن الـــحـــكـــومـــة ستعود ملحاولة إقـــرار الـقـوانـني الخافية. بـــذلـــك زود نــتــنــيــاهــو حـــركـــات االحــتــجــاج بــقــوة دفـــع بـعـدمـا خـبـت بـعـض الــشــيء في األسـابـيـع األخــيــرة بسبب املـحـادثـات التي يستضيفها الرئيس اإلسرائيلي، واألعياد اليهودية واملناسبات القومية، والـعـدوان على غزة. وفعا عادت يوم السبت املاضي التظاهرات الحاشدة في تل أبيب وبعض املـــــــدن اإلســــرائــــيــــلــــيــــة األخـــــيـــــرة ضـــــد خـطـة تقييد الــقــضــاء. ومـــن املـتـوقـع أن تتصاعد التظاهرات في األسابيع املقبلة. عــــــــــودة االحـــــتـــــجـــــاجـــــات تــــلــــقــــي بـــظـــالـــهـــا عـــلـــى املــــحــــادثــــات املـــتـــعـــثـــرة لـــــدى الــرئــيــس اإلســرائــيــلــي، إذ عـلـت بـعـض األصـــــوات من املعارضة ومـن حركات االحتجاج، تطالب بوقف املحادثات فورًا، خصوصا مع اقتراب موعد انتخاب الكنيست ملندوبيه في لجنة تعيني الـقـضـاة حـتـى 15 يـونـيـو/ حـزيـران املـــقـــبـــل. انـــتـــخـــاب مـــنـــدوبـــي الــكــنــيــســت فـي لجنة تعيني القضاة يشكل عنصرًا مركزيا فـي خطة «إصـــاح الـقـضـاء» لتقييد جهاز الــقــضــاء، إذ يـسـعـى وزيــــر الــقــضــاء يــاريــف ليفني لكسر املتبع واختيار مندوبني اثنني من أحزاب التحالف الحكومي، بدل مندوب عن التحالف ومندوب عن املعارضة. قـضـيـة تــعــديــات تـقـيـيـد الــقــضــاء ال تعني االصطدام مع املعارضة وحركات االحتجاج فــــقــــط، إنــــمــــا تـــعـــنـــي أيــــضــــا احـــتـــمـــال عــــودة الــخــافــات واملــشــاكــل داخــــل حـــزب الليكود نفسه، وبينه وبــني بقية أحـــزاب التحالف. فــلــيــفــني لــــن يـــتـــنـــازل بـــســـهـــولـــة عــــن خـطـتـه لـتـقـيـيـد الـــقـــضـــاء، وهـــــذا قـــد يـــكـــون مــدخــا لـعـودة األزمـــة داخــل «الليكود» بـني داعمي الخطة وبني من يـرون أنها جـاءت بطريقة خــاطــئــة وتـــهـــدد حــكــم «الـــلـــيـــكـــود»، وكــذلــك إصــرار أحــزاب اليمني املتطرف على تنفيذ الخطة، مثل «الصهيونية الدينية» برئاسة بــتــســلــئــيــل ســـمـــوتـــريـــتـــش وحـــــــزب «الــــقــــوة اليهودية» برئاسة إيتمار بن غفير، اللذين يدعمان التعديات القضائية بشدة، وكذلك األحزاب املتدينة- املتزمتة (الحريدية) التي تطالب بسن قـانـون فـقـرة التغلب وقـانـون إعـفـاء طــاب املعاهد اليمينية مـن الخدمة العسكرية. عــــــودة أزمــــــة خـــطـــة تــقــيــيــد الـــقـــضـــاء تـعـنـي اســـــتـــــمـــــرار الـــــشـــــرخ الــــقــــائــــم فـــــي املــجــتــمــع اإلســـرائـــيـــلـــي، وربـــمـــا تــوســعــه، بـسـبـب نـيـة التحالف الحكومي طرح عدد من القوانني اإلشكالية، التي تهدف إلى تقليص مساحة الـــلـــيـــبـــرالـــيـــة وحــــقــــوق الـــــفـــــرد. مـــؤشـــر عـلـى ذلــك شـاهـدنـاه يــوم األحـــد املــاضــي، بـإعـادة املـــتـــطـــرف آفـــــي مــــعــــوز إلـــــى مـــنـــصـــب نــائــب
وزيـــر فــي مكتب رئـيـس الحكومة مـسـؤوال عــــن الـــبـــرامـــج الــتــعــلــيــمــيــة غـــيـــر املــنــهــجــيــة، ومــطــالــبــة بـــن غــفــيــر بـــســـن قـــانـــون تطبيق «قـــــانـــــون الـــقـــومـــيـــة» الـــعـــنـــصـــري بــواســطــة تغليب «قيم الصهيونية» على قيم أخرى، واقــتــراح «قــانــون الجمعيات» الـــذي يهدف إلـى تقييد عمل مؤسسات املجتمع املدني غير اليمينية عن طريق حسم 65 في املائة كــضــريــبــة دخــــل مـــن دعــــم الــــــدول األجـنـبـيـة ملــؤســســات مجتمع مــدنــي، وهــــذا االقــتــراح تــــعــــرض النــــتــــقــــادات شــــديــــدة مــــن اإلدارة األميركية وحكومات أوروبية. وبـــــــاإلضـــــــافـــــــة إلــــــــــى خـــــطـــــة اإلصـــــــاحـــــــات الـــقـــضـــائـــيـــة، نـــمـــت فـــــي األشـــــهـــــر األخــــيــــرة تـحـديـات جـديـة جــديــدة، بصيغة تـحـوالت ســلــبــيــة فــــي الــبــيــئــة األمـــنـــيـــة والــعــســكــريــة اإلسرائيلية، وتعميق األزمــة االقتصادية، الـلـذيـن تـأثـرا أصـــا بخطة تقييد القضاء. وشكلت الخطة الحكومية لتقييد القضاء، قبل تجميدها منذ بضعة أشهر، ثقا كبيرًا على املحور األمني العسكري وعلى الحالة االقـتـصـاديـة، كـانـت ذروتـهـمـا بـإقـالـة وزيــر األمن يوآف غاالنت (قبل إعادته) واإلضراب الشامل في االقتصاد اإلسرائيلي. بـــــاتـــــت الـــــتـــــحـــــوالت فــــــي الــــبــــيــــئــــة األمـــنـــيـــة والــــعــــســــكــــريــــة إلســـــرائـــــيـــــل تـــشـــكـــل تـــحـــديـــا جديا إضافيا لحكومة نتنياهو. وحــذرت املــؤســســة األمــنــيــة والــعــســكــريــة مـــن تــحــول سلبي على أكـثـر مـن جبهة. لعل أبـــرز تلك التهديدات هو تحذير شعبة االستخبارات
في مخابرات الجيش، من إمكانية نشوب ظـــروف قــد تـــؤدي إلــى انـــدالع حــرب شاملة على أكـثـر مــن جبهة فــي الــعــام املـقـبـل. كما نـشـرت صحيفة «هــآرتــس» فــي 23 إبـريـل/ نــــيــــســــان املــــــاضــــــي. ولـــــفـــــت تــــقــــديــــر شــعــبــة االسـتـخـبـارات إلــى أن إيـــران و«حـــزب الله» و«حـمـاس» باتوا مستعدين بشكل واضح لـــلـــمـــخـــاطـــرة واملـــــغـــــامـــــرة بــــشــــن «عـــمـــلـــيـــات هجومية أكـثـر جـــرأة، ألنـهـم يفترضون أن إسرائيل ضعفت في أعقاب األزمة الداخلية املــــتــــعــــاظــــمــــة وتــــقــــلــــص هـــــامـــــش املــــــنــــــاورة االستراتيجية أمامها». ويأتي هذا التحذير بهذه الصيغة ألول مرة منذ سنوات عديدة. بــــعــــد أســـــابـــــيـــــع مــــــن نــــشــــر تــــقــــديــــر شــعــبــة االستخبارات، بـادرت املؤسسة األمنية في إسرائيل إلـى شـن حملة تحذيرات شديدة إليـــــــران و«حـــــــزب الــــلــــه»، عـــلـــى لـــســـان كــبــار قـيـادات الجيش، خصوصا رئيس األركــان وقائد شعبة االستخبارات، تاهما رئيس الوزراء بنفسه ووزير األمن، من عدم ارتكاب خطأ بتقييم الحالة في إسرائيل والدخول فــي مـغـامـرة عـسـكـريـة قــد تـــؤدي إلـــى حـرب شــامــلــة، ومــــن نــتــائــج كــارثــيــة عــلــى كـــل من يحاول امتحان إسرائيل وتماسكها. يعد هـــذا الـتـحـذيـر فــريــدًا مــن نــوعــه، إذ خرجت كـافـة الــقــيـادات العسكرية واألمـنـيـة وكبار صـــنـــاع الـــقـــرار بــاملــوقــف نـفـسـه خـــال أيـــام، وبشكل منسق. وكـــان مـركـز أبـحـاث األمـــن الـقـومـي قـد نشر تقدير موقف منتصف مـارس/آذار املاضي بـــعـــنـــوان «تـــحـــذيـــر اســـتـــراتـــيـــجـــي: الـــشـــرخ الـداخــلــي بسبب خـطـة اإلصــــاح القضائي يــهــدد األمــــن الـــقـــومـــي»، تـــنـــاول فــيــه إهــمــال املؤسسة اإلسرائيلية للتهديدات الخارجية املتزايدة، خصوصا من قبل إيران، وتحولها إلى دولة عتبة نووية، واإلضرار بالعاقات االستراتيجية مع اإلدارة األميركية، بسبب خـطـة اإلصــــاح الـقـضـائـي الــتــي تــرمــي إلـى تقييد السلطة القضائية. ووفـــقـــا لـلـتـقـديـر، «بــغــض الــنــظــر عـــن خطة اإلصــــاح، فقد اشـتـدت الـتـهـديـدات األمنية إلسرائيل أخيرًا: أوال، كان هناك ارتفاع في التهديد الـذي تشكله إيــران، التي أصبحت في الواقع دولة عتبة نووية، وهي تكتسب خبرة عسكرية كبيرة في الحرب في أوكرانيا، ومن املقرر أن تتلقى أنظمة أسلحة متطورة من روسـيـا. ثانيا، نشهد منذ فترة طويلة تصعيدًا مقلقا على الجبهة الفلسطينية وتنامي الجماعات املسلحة من نوع «عرين األسد». ثالثا، يظهر حزب الله سلوكا أكثر عدوانية، مما يشير إلى احتمال تآكل الردع تـجـاهـه». تــزامــن هــذه الـتـحـوالت يشي بأن الحالة األمنية ستعود لتشكل تحديا جديا لحكومة نتنياهو خال العام املقبل، بعد أن تراجعت التهديدات األمنية إلسرائيل في العقد األخـيـر. إال أن هـذا التحول يأتي في ظل توسع الشرخ السياسي داخل إسرائيل، وتراجع في شرعية الخطوات التي تتخذها الحكومة اإلسرائيلية على كافة األصعدة، وفي ظل توتر حقيقي مع اإلدارة األميركية. وهي حالة خاصة لم تشهدها إسرائيل من قبل. تـقـديـر مـوقـف مـركـز أبــحــاث األمـــن القومي تطرق أيضا إلى تراجع الحالة االقتصادية، الـتـي تعتبر فـي إسـرائـيـل كمركب أساسي مـــن مـــركـــبـــات األمـــــن الـــقـــومـــي، ومــــن مـنـاعـة املـجـتـمـع اإلســرائــيــلــي. وقـــال الـتـقـديـر: «هـز فـــيـــروس كــــورونــــا والــــحــــرب فـــي أوكـــرانـــيـــا، والــصــراع املتصاعد بـني الــواليــات املتحدة والـــصـــني، االقــتــصــاد الـعـاملـي فــي الـسـنـوات األخــــــيــــــرة، وتــــســــبــــب فــــي ارتـــــفـــــاع مـــعـــدالت الــتــضــخــم املـــالـــي وزيـــــــادة أســـعـــار الــفــائــدة
وتــراجــع الـعـوملـة. ووصـلــت بطبيعة الحال موجات الصدمة إلى إسرائيل، مما أدى إلى زيـادة التضخم هنا، األمـر الـذي تسبب في تسريح العمال في مجال التقنيات الحديثة والـتـكـنـولـوجـيـا وإلــحــاق الــضــرر بالنمو». وتـــابـــع: «الـــوضـــع خـطـيـر بـمـا فـيـه الـكـفـايـة، وبـــــدال مـــن تـسـخـيـر كـــل الـــعـــوامـــل للتعامل مــع األزمـــة الـنـاشـئـة، تــوجــه خطة اإلصــاح الـقـضـائـي ضـربـة أخـــرى لـاقـتـصـاد وتثير مـــخـــاوف جــديــة بـــن الــــدوائــــر االقــتــصــاديــة في إسرائيل وخارجها، الذين يحذرون من العواقب الوخيمة التي قد يجلبها ذلك على االقــتــصــاد اإلســرائــيــلــي». يــضــاف إلـــى ذلـك أن مـيـزانـيـة الـــدولـــة قـبـل أســبــوع لــم تحمل أي تـعـامـل جـــدي مــع املـخـاطـر االقـتـصـاديـة املحتملة. لم تشهد الحالة اإلسرائيلية تحديات جدية مــتــزامــنــة بـــهـــذا الــحــجــم مــنــذ عـــقـــود، منها الشرخ الداخلي، وتهديدات أمنية خارجية وبــــــــوادر أزمــــــة اقـــتـــصـــاديـــة، وهـــــي جـمـيـعـًا مرشحة للتفاقم في األشهر القريبة بسبب تركيبة الـحـكـومـة اإلسـرائـيـلـيـة، والذهنية األمــنــيــة اإلســرائــيــلــيــة الـتـقـلـيـديـة املـشـبـعـة بـــاســـتـــعـــمـــال األدوات األمــــنــــيــــة، وطــبــيــعــة املشروع االستعماري اإلسرائيلي. بإمكان هذه التحديات أن تشكل عبئًا كبيرًا عــلــى حــكــومــة نــتــنــيــاهــو أو أن تـــــؤدي إلــى تــحــول سـيـاسـي جـــدي بصيغة تغيير في تركيبة الحكومة وانضمام قسم من أحزاب املـعـارضـة للحكومة، مـثـل حـــزب «املعسكر الـــرســـمـــي» بـــرئـــاســـة وزيــــــر األمــــــن الــســابــق بـنـي غـانـتـس، عـلـى حــســاب أحــــزاب اليمن املتطرف، للتعامل مع تلك األزمـات. املشهد السياسي فـي اسرائيل ومستقبل حكومة نـتـنـيـاهـو، ســائــل بــدرجــة كـبـيـرة، ومــرهــون بأي مسار يختاره نتنياهو.