العالقات المصرية اإليرانية
رغبة بالتعاون أم مناورة؟ يطرح إعالن المرشد اإليراني علي خامنئي رغبة مصر باستئناف العالقات مع بالده، تساؤالت حول جدية التوجه لتطوير التعاون
للمرة األولـــى منذ عـقـود، أعلنت إيــران عــــلــــى لـــــســـــان مــــرشــــدهــــا األعـــــلـــــى عــلــي خـامـنـئـي أن مـصـر «أبــــدت رغـبـتـهـا في اســتــئــنــاف الـــعـــاقـــات مـــع إيـــــــران»، وأن األخـــيـــرة «تـــرحـــب بـــذلـــك». وذكــــر املـوقـع اإلعامي ملكتب املرشد اإليراني األعلى عـلـي خامنئي أن سـلـطـان عــمــان هيثم بن طـارق نقل إلى خامنئي، خال لقاء بينهما أمس األول اإلثنن في طهران، رغبة مصر في استئناف العاقات مع إيـــران، ليعلق املـرشـد اإليـرانـي بالقول: «إننا نرحب بهذا املوقف، وليست لدينا مشكلة في ذلك». وفتح اإلعــان اإليـرانـي عن إبــداء مصر رغبتها في استعادة العاقات، من خال الــوســاطــة الـعـمـانـيـة، وتـرحـيـب طـهـران بهذه الرغبة، الباب أمام تساؤالت حول مستقبل العاقات بن البلدين. وقالت مديرة برنامج مصر في مركز دراسات الـــشـــرق األوســــــط، مــيــريــت مـــبـــروك، في حـديـث لــ«الـعـربـي الـجـديـد»، إن «مصر ليست لديها مشاكل كبيرة مـع إيــران، لــــكــــن الـــــــــــدول الـــحـــلـــيـــفـــة ملــــصــــر لـــديـــهـــا مـشـاكـل كـبـيـرة مــع إيـــــران». ولـفـتـت إلـى أن «العاقات الثنائية بن الدول تبنى على مصالح معينة، وال شيء يغير في شكل العاقات إال األمــور الكبرى، كما حـــدث فــي الـقـطـيـعـة الـعـربـيـة مــع مصر
بــعــد تـوقـيـعـهـا اتــفــاقــيــة كــامــب ديـفـيـد، وهـــذا ال يمنع وجـــود بعض األمـــور أو املحددات والخطوط الحمراء بالنسبة لواشنطن ال يمكن للقاهرة تجاوزها في عاقاتها مع طـهـران، وال ألي دولة أخــــرى، ألن، عـلـى األغـــلـــب، لـهـا رد فعل اقــــتــــصــــادي مــــن الـــجـــانـــب األمــــيــــركــــي». وتـــابـــعـــت: «كــمــا أن خـــطـــوات مــصــر في سياساتها الخارجية دائمًا محسوبة بــــدقــــة، فـــلـــن تــــقــــوم بـــفـــعـــل ال تـسـتـطـيـع التراجع عنه». من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية فـــــي الـــجـــامـــعـــة الـــهـــاشـــمـــيـــة األردنـــــيـــــة، جـــمـــال الــشــلــبــي، لــــ «الـــعـــربـــي الــجــديــد»، إن «الــــــعــــــاقــــــات املــــصــــريــــة اإليــــرانــــيــــة تتأثر بعاقة القاهرة بواشنطن التي كــانــت داعــمــًا كـبـيـرًا لـهـا عـلـى املستوى الـسـيـاسـي والـعـسـكـري والـدبـلـومـاسـي واالقتصادي، وأيضًا بعاقة مصر مع دول الخليج، فهناك عاقات مطردة في الصعود منذ وصـول الرئيس املصري عبد الفتاح السيسي للحكم». وأضاف أنـــه «فـــي ظـــل الــتــحــوالت فـــي سـيـاسـات الـواليـات املتحدة، ووصــول جو بايدن للرئاسة وتوتر العاقات مع مصر ولو بشكل ضمني ومبطن، وفي ظل االتفاق بن إيران والسعودية، لم يعد هناك أي مـجـال إلبـقـاء الـعـاقـات فـي حـالـة فتور وقطيعة». ولفت الشلبي إلـى أن «زيـــارة السلطان هيثم بن طارق، وأخذ املوافقة املباشرة والـــعـــلـــنـــيـــة والــــســــريــــعــــة، تــــــدل عـــلـــى أن القاهرة أدركــت أن عليها االتجاه نحو
الشلبي: القاهرة أدركت أن عليها االتجاه نحو طهران طـهـران، وكـذلـك الـحـال بالنسبة إليــران التي أدركـت أهمية استئناف العاقات مـع مـصـر». واعتبر أن «تـقـارب دولتن كبيرتن مثل مصر وإيـــران هـو رسالة للغرب بــأن العالم العربي واإلسـامـي بــدأ يــدرك أهمية تـجـاوز املـاضـي، وبـدأ فتح صفحة جديدة والنظر للمستقبل على كل املستويات، خصوصًا املستوى االقتصادي». وفـــــي الـــســـيـــاق، قـــــال أســــتــــاذ الـــعـــاقـــات الــدولــيــة مـحـمـد نــشــطــاوي، لـــ«الــعــربــي الـــــجـــــديـــــد»، إن «مــــــن يـــتـــابـــع األحــــــــداث ســـيـــرى أن هـــنـــاك تـــقـــاربـــًا واضـــحـــًا بن مصر وإيــــران، وكـانـت هناك محادثات جـانـبـيـة، ربــمــا بــإيــحــاء مــن الـسـعـوديـة بــــعــــد تـــطـــبـــيـــع عــــاقــــاتــــهــــا مــــــع إيــــــــران بــوســاطــة صـيـنـيـة». وأضـــــاف: «عـنـدمـا نتحدث عــن تصريحات على مستوى املـرشـد األعـلـى اإليــرانــي فهذا يعني أن األمر أصبح يأخذ جدية وهناك تطلعًا الســتــئــنــاف الـــعـــاقـــات بـــن الـــدولـــتـــن». ورأى نشطاوي أن «استئناف العاقات بن مصر وإيران، إلى جانب استئناف العاقات مع السعودية، سيعطي دفعة للنفوذ اإليــرانــي، والتوجه نحو إيــران فرصة للخروج من العزلة التي فرضها الغرب على طهران». وعلى مدار نحو خمس سنوات مضت لـــم تـنـقـطـع االتــــصــــاالت عــلــى املــســتــوى األمــــــنــــــي واالســـــتـــــخـــــبـــــاري بــــــن مــصــر وإيـــــــــــران، حــــــول قـــضـــايـــا ارتــــبــــطــــت فـي معظمها باألوضاع األمنية في منطقة الـبـحـر األحــمــر، وســوريــة والــيــمــن. ذلـك بــخــاف الـــرســـائـــل الــســيــاســيــة املبطنة املـــتـــبـــادلـــة بــــن الــــطــــرفــــن، والــــتــــي كـــان أوضحها رفـض القاهرة االنـخـراط في تحالف عسكري يأتي في مقدمة أهدافه مواجهة إيران، وجولة مساعد الرئيس اإليراني علي ساجقة في القاهرة، على هــامــش قــيــادة وفـــد بــــاده بـقـمـة املـنـاخ فـي نوفمبر/ تشرين الثاني مـن العام املاضي. وانتقل التواصل بن الطرفن أخيرًا من مستوى اللقاءات واالتـصـاالت األمنية السرية والرسائل املبطنة إلى مستوى لـــقـــاءات شــــارك بــهــا دبــلــومــاســيــون من الـبـلـديـن فــي الـــعـــراق، فــي إطـــار وسـاطـة تــــقــــوم بـــهـــا بـــــغـــــداد إلعـــــــــادة الـــعـــاقـــات بــن الــجــانــبــن، وهـــو األمــــر الــــذي جعل مسار اسـتـعـادة الـعـاقـات بـن القوتن اإلقليميتن محل تعليقات علنية من أطــراف إقليمية. وكـان وزيـر الخارجية املـــصـــري ســامــح شــكــري قـــد قـــال أخــيــرًا خـــال حــديــث تـلـفـزيـونـي إن «مـــا تـــردد فـــي اإلعـــــام عـــن وجـــــود مـــســـار مـصـري إيـــرانـــي لـيـس لـــه أســــاس مـــن الـصـحـة». وأكـــــــــد شـــــكـــــري أن عــــــاقــــــات الـــبـــلـــديـــن «مـسـتـمـرة كـمـا هــي عــلــيــه»، وأن بــاده «تــتــابــع ســيــاســات طـــهـــران وعـاقـاتـهـا بـدول الخليج». وفي يوليو/ تموز من العام املاضي، قال رئيس مكتب رعاية املصالح اإليرانية بمصر، محمد حسن سلطاني فـــرد، إن «الــتــطــورات الـراهـنـة تـقـضـي عــلــى الــبــلــديــن بــرفــع الــعــاقــات الـثـنـائـيـة مــن مـسـتـوى رعــايــة املصالح للمستوى السياسي املنشود».