Al Araby Al Jadeed

االنقسام النقدي يستنزف اقتصاد اليمن

- عدن ـ محمد راجح

بينما يعاني اليمن مـن اخـتـال منظومة تحصيل املـــــوا­رد املــالــي­ــة املـحـلـيـ­ة، يستمر االقتصاد الوطني بالتدهور، مخلفًا تبعات جسيمة تفاقم األزمـــة اإلنسانية، وتوسع فجوة الـغـذاء، إضافة إلـى تـردي الخدمات العامة املقدمة للمواطنني. وتبرز أهم هذه التبعات فـي استنزاف قـــدرات الـبـاد على الصمود، بسبب تكريس االنقسام النقدي، وانكماش االقتصاد الوطني إلى النصف، في ظل تواصل الصراع. وتـــكـــش­ـــف الـــحـــك­ـــومـــة الــيــمــ­نــيــة عــــن تــســبــب الـــهـــج­ـــمـــات الـــتـــي شــنــهــا الـــحـــو­ثـــيـــون عـلـى املــــنــ­ــشــــآت واملــــــ­وانــــــئ الـــنـــف­ـــطـــيــ­ـة بــخــســا­ئــر اقــتــصــ­اديــة مــنــذ مـنـتـصـف الـــعـــا­م املــاضــي ،2022 قالت إنها تصل إلــى حـوالـي مليار دوالر كانت مخصصة لتحسني الخدمات العامة ودفع املرتبات في أنحاء الباد كافة. ويـــرجـــ­ع مــصــدر حــكــومــ­ي مـــســـؤو­ل، فضل عـــــدم اإلشــــــ­ــارة إلـــــى هـــويـــت­ـــه، فــــي تــصــريــ­ح لــ«الـعـربـي الــجــديـ­ـد»، سـبـب تــســارع تفاقم األزمـــــ­ــــات االقــــتـ­ـــصــــاد­يــــة واملـــعــ­ـيـــشـــي­ـــة مـنـذ مـطـلـع الـــعـــا­م الــحــالـ­ـي إلـــى تــوقــف تصدير النفط، واإلجـــــ­راءات الـتـي كـانـت تستهدف إعــــــاد­ة تــصــديــ­ر الـــغـــا­ز الــطــبــ­يــعــي املـــســـ­ال. وأكـــــد املــــســ­ــؤول، الـــــذي رفــــض ذكــــر اســمــه، أن الـــحـــك­ـــومـــة الــيــمــ­نــيــة بـــحـــاج­ـــة لـــلـــمـ­ــوارد املتاحة لتحسني تقديم الخدمات، وصرف مرتبات املوظفني، وتنفيذ برامج وخطط اإلصــــــ­ـاحـــــــ­ات الـــــتــ­ـــي مـــــن شــــأنـــ­ـهــــا تــمــكــن­ي مـــؤســـس­ـــات الـــــدول­ـــــة مـــثـــل الـــبـــن­ـــك املـــركــ­ـزي ووزارة املالية من العمل بفعالية واتساق، بــهــدف الــتــعــ­افــي االقـــتــ­ـصـــادي، واســتــقـ­ـرار االقتصاد الوطني. وتقول الحكومة اليمنية إنها سعت منذ وقـــــت مــبــكــر إلـــــى إعـــــــا­دة بـــنـــاء االقـــتــ­ـصـــاد وتـــطـــو­يـــر قـــطـــاع خـــــاص أكـــثـــر قــــــدرة عـلـى التعامل مـع املخاطر والـصـدمـا­ت، بهدف تــحــســن­ي دخـــــل املــــواط­ــــنــــن­ي، وخـــلـــق فـــرص العمل، وتحسني األمـن الغذائي والتغذية فـــي الــيــمــ­ن. الـخـبـيـر االقـــتــ­ـصـــادي واملــالــ­ي أحـمـد شــمــاخ، يـقـول لــ«الـعـربـي الـجـديـد»: «ال حــل لــأزمــات االقـتـصـا­ديـة والــحــد من تبعاتها إال بإيجاد حـل لانقسام املالي والنقدي في الـبـاد، أمـا ما دون ذلـك فهو بــمــثــا­بــة ذر لـــلـــرم­ـــاد عــلــى الـــعـــي­ـــون، إذ إن استمرار هذا الشرخ في االقتصاد اليمني يــعــنــي تــــواصــ­ــل لــــاخـــ­ـتــــاالت واألزمــــ­ـــــات، وتـسـرب املـــوارد واسـتـنـزا­ف قـــدرات الباد عــلــى جـمـيـع املـــســـ­تـــويـــا­ت». ويـــذكـــ­ر تـقـريـر حكومي صادر منتصف مايو/ أيار ،2023 اطـلـع عليه «الـعـربـي الـجـديـد»، أن املبالغ املــحــصـ­ـلــة مــــن املـــــــ­ـوارد الـــعـــا­مـــة املــشــتـ­ـركــة العام املاضي 2022 بلغت 28 مليارًا و72 مليون ريال، وبزيادة عن الربط التقديري للعام ذاته بمبلغ 5 مليارات 163و مليون ريـــال، وبنسبة زيـــادة تقدر بحوالي %23 عـن املحصل فـي الفترة املقابلة مـن العام املالي ،2021 والــذي بلغ 8 مليارات 659و مـلـيـون ريـــــال، وبـنـسـبـة زيـــــادة .%54 لكن التقرير أشار إلى وجود اختاالت واسعة فــــي مـــســـتـ­ــوى تــحــصــي­ــل املـــــــ­ــوارد املــحــلـ­ـيــة تتطلب تفعيل منظومة اإلجراء ات العملية الازمة لتحصيل املوارد العامة املشتركة، وفــقــًا لــلــقــو­انــني الـيـمـنـي­ـة املـنـظـمـ­ة ألعــمــال السلطات املحلية. الباحث االقتصادي جمال حسن العديني، يـــرى فــي حـديـثـه لـــ«الــعــربـ­ـي الــجــديـ­ـد»، أن استمرار وضع ال سلم وال حرب، يضاعف مــن إنــهــاك واســتــنـ­ـزاف االقــتــص­ــاد اليمني واألزمــــ­ـــــــات املـــعـــ­يـــشـــيـ­ــة، والــــتــ­ــي أصــبــحــ­ت تفوق قدرات النسبة الغالبة من اليمنيني عـلـى تـحـمـلـهـ­ا، إضــافــة إلـــى تــوســع فجوة الخدمات العامة، ونقص الغذاء، وتدهور واضطراب العملة املحلية. ويواجه اليمن العديد مـن التحديات التمويلية الـتـي ال تمكنه مـن تنفيذ التزاماته الحتمية، مع تـــراجـــ­ع اإليــــــ­ــرادات الــعــامـ­ـة نـتـيـجـة تـوقـف تــصــديــ­ر الــنــفــ­ط، وتــأثــيـ­ـر ذلــــك فـــي جـهـود تحسني الخدمات. وتفيد مصادر مطلعة في عــدن، بـأن انخفاض قــدرة التوليد في مــحــطــا­ت الــطــاقـ­ـة الــكــهــ­ربــائــيـ­ـة وصــــل إلــى أدنـــى مـسـتـوى بسبب نـقـص الـــوقـــ­ود، مع انتهاء االتفاق التجاري الخاص بتوريد املــــشــ­ــتــــقــ­ــات الـــنـــف­ـــطـــيــ­ـة ملــــحـــ­ـطــــات الـــطـــا­قـــة الكهربائية الحكومية. ويـــحـــذ­ر الــبــاحـ­ـث املــصــرف­ــي، فـهـمـي عـاكـف، في حديثه لـ «العربي الجديد»، من تكريس الوضع الراهن بدعم خارجي، والذي ياحظ على املستويني االقتصادي والنقدي بفرض سياسات االقتصاد املــوازي في كل منطقة يــمــنــي­ــة، والـــــتـ­ــــداول الـــنـــق­ـــدي الـــــذي تـجـسـده األوراق الـــنـــق­ـــديـــة املـــخـــ­تـــلـــفـ­ــة فـــــي مــنــاطــ­ق نفوذ كـل مـن الحكومة املعترف بها دوليًا والحوثيني، واخـتـاف سعر صـرف العملة املـحـلـيـ­ة، وتــكــريـ­ـس الــنــقــ­اط املـنـتـشـ­رة على الـطـرقـات لـفـرض هــذا الـوضـع املــريــب، وهو ما يهدد بتفكك الباد، وفرض واقع جديد يـرسـم صـــورة مستقبلية مجهولة وقاتمة لــلــيــم­ــن. وتــعــتــ­بــر عـــوائـــ­د إنـــتـــا­ج وتــصــديـ­ـر الــنــفــ­ط والـــغـــ­از أهـــم مــــورد ســـيـــاد­ي لليمن، لكنها تمثل أهـم بـؤر الـصـراع والقتال بني أطراف الحرب في الباد.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar