Al Araby Al Jadeed

كبح أوروبي للزحف الصيني

ارتباك في فك االرتباط رغم تلميحات إيطاليا لالنسحاب من «طريق الحرير»

- كوبنهاغن ـ ناصر السهلي

تواجه أوروبا معضلة االتفاق على سياسات تجارية واقتصادية مشتركة في عالقتها مع الجانب الصيني. فعلى الرغم من تزايد النبرة المحذرة من تنامي االعتماد على الصين من قبل الشركات األوروبية، فإن فك االرتباط يبدو محفوفًا بالمخاطر

يتزايد القلق األوروبــي من تمدد الــــصـــ­ـن عـــلـــى صـــعـــيـ­ــد األنـــشــ­ـطـــة الـــــتــ­ـــجـــــا­ريـــــة واملــــــ­الــــــيـ­ـــــة، لــــكــــ­ن فــك االرتباط بثاني أكبر اقتصاد في العالم يبدو محفوفًا بالكثير مـن املـخـاطـر. فعلى الرغم من تزايد النبرة املحذرة من تنامي االعتماد عــلــى الــصــن مـــن قــبــل الـــشـــر­كـــات األوروبـــ­يـــة يــــبــــ­دو أن االســــتـ­ـــثــــمـ­ـــارات الـــصـــي­ـــنـــيــ­ـة تـثـيـر أكــبــر قـلـق لـــدى بـعـض األطـــــر­اف األوروبـــ­يـــة، وخصوصا تلك التي تربطها بكن بمبادرة «الحزام والطريق» املعروفة بطريق الحرير. ويقدم النموذج اإليطالي في عالقته بالصن أحـد أهـم األمثلة على مـدى تغلغل بكن في القارة العجوز. فقبل نحو 4 سنوات أصيب األوروبيون واألميركيو­ن بدهشة حن رحب رئــيــس الــــــوز­راء األســـبــ­ـق، جــوزيــبـ­ـي كـونـتـي، بالرئيس الصيني شي جن بينغ، والتوقيع عـــلـــى اتـــفـــا­قـــيـــة انـــضـــم­ـــام رومــــــا إلـــــى طــريــق الحرير، من خالل ضخ االستثمارا­ت ووعود باملساهمة فـي توسيع البنية التحتية في الــبــلــ­د الــصــنــ­اعــي الــغــربـ­ـي الـــهـــا­م. وبــصــورة خاصة ركز الصينيون على تطوير مينائي جــنــوة وتــريــسـ­ـت شــمــال الـــبـــا­لد، إلـــى جـانـب تعزيز التعاون االقتصادي بشكل عام. فــــي ذروة جـــائـــح­ـــة كـــــورون­ـــــا، الـــتـــي ضــربــت إيــطــالـ­ـيــا بــقــســو­ة شـــديـــد­ة ربــيــع عــــام ،2020 استغلت بكن الضربة، وأرسلت تباعًا بعض املـسـاعـد­ات، بتغطية إعالمية ودبلوماسية أقلقت الغربين. ولكن مع تزايد توتر عالقة الــــغـــ­ـرب مــــع بـــكـــن، عـــبـــرت رئـــيـــس­ـــة حــكــومــ­ة اليمن اإليطالية، جورجيا ميلوني، عن رأي مختلف لعالقة بلدها بالصن، وبمشروع مبادرة الحزام والطريق، منذرة باالنسحاب مــــن الـــعـــا­لقـــة الـــتـــي تـــــزايـ­ــــدت فــــي الـــســـن­ـــوات األخيرة. وكـانـت ميلوني قـد وصفت فـي وقـت سابق من مايو/أيار الجاري، انضمام إيطاليا إلى مــشــروع طـريـق الـحـريـر بـأنـه «خـطـأ كبير». واعـــتـــ­بـــرت أن مـــشـــار­كـــة بــلــدهــ­ا فـــي مـــبـــاد­رة الــــحـــ­ـزام والـــطـــ­ريـــق يـــجـــب «الـــتـــع­ـــامـــل مـعـهـا بعناية كبيرة». ويؤشر ذلك إلى أن إيطاليا فـي ظـل حكم ميلوني، املتراجعة كثيرًا عن انتقاداتها الالذعة قبل الوصول إلى الحكم لالتحاد األوروبـــ­ي، سيتعن عليها تحقيق تــــوازن غـيـر سـهـل بــن الـحـلـفـا­ء التقليدين في الغرب والشريك التجاري الرئيسي في الشرق. فبلدها، الصناعي الكبير، هو البلد الــغــربـ­ـي الــوحــيـ­ـد الــــذي انــضــم إلـــى املــشــرو­ع الصيني «طريق الحرير». وتــســبــ­ب قـــــرار رومـــــا قــبــل ســـنـــوا­ت الـــدخـــ­ول فـــي عـــالقـــ­ات شـــراكـــ­ة اقــتــصــ­اديــة مـــع الـصـن بانتقادات كثيرة من واشنطن، ومن أطراف أوروبية ترى أن الصن من خالل مشاريعها وضخ املال تحاول «دق إسفن» بن االتحاد األوروبي وواشنطن. على الـرغـم مـن أن حلفاء واشنطن املقربن فــي أوروبـــــ­ا يــبــدون قلقهم مــن قـــدرة الصن على اخــتــراق أوروبــــا، إال أنــه على املستوى األوروبـــ­ـــــي ثــمــة انـــقـــس­ـــام بـــن دول االتـــحــ­ـاد األوروبـــ­ـــــي حــــول مـــا إذا كــــان يــتــعــن زيــــادة التجارة مع الصن أو قطع العالقة وخفض االعـــتــ­ـمـــاد عـــلـــى الـــعـــم­ـــالق اآلســــيـ­ـــوي املـهـتـم بــصــورة رئـيـسـة بتعزيز الـنـفـوذ السياسي واالســتــ­راتــيــجـ­ـي مـــن خــــالل تــعــزيــ­ز مـواقـعـه االقتصادية-املالية في القارة.

عثرات قطع الطرق إلى روما

ومـنـذ أن انطلق مـشـروع طـريـق الحرير في ،2013 حيث ربطت الصن عالقات اقتصادية وثيقة مع آسيا وأفريقيا وباشرت بمشاريع ضخمة أغلبها في الطرق واملـوانـئ، تسعى عبر شركاتها وأموالها إلى ربط تلك الطرق بأوروبا. وفي الوقت ذاته ينظر األوروبيون املـــتـــ­وجـــســـو­ن حـــيـــال أهــــــدا­ف بــكــن إلــــى تلك االســتــث­ــمــارات عـلـى أنــهــا مـــحـــاو­الت إلنـشـاء نـــظـــام دولــــــي أكـــثـــر تـــمـــحـ­ــورًا حـــــول الـــصـــن، الكـتـسـاب مـيـزات اقـتـصـادي­ـة وسياسية في الدول املشاركة بطريق الحرير عمومًا. فحتى الـــيـــو­م تــلــقــت نــحــو 150 دولـــــة اســتــثــ­مــارات وقـــــــر­وض صــيــنــي­ــة فــــي هـــــذا الـــســـي­ـــاق، وفـــي 2019 انجذبت إيطاليا إلى الكعكة على أمل الحصول على نصيب منها. أمل رئيس الحكومة اإليطالي آنذاك، كونتي، أن تــــؤدي الــعــالق­ــة بـالــصـن وضـــخ أمـوالـهـا فـــي شـــرايـــ­ن اقــتــصــ­اد بــلــده مـسـاعـدتـ­ه على بــــث حـــيـــاة جــــديـــ­ـدة فــــي االقـــتــ­ـصـــاد املـتـعـثـ­ر واملثقل بالديون ولتحريك عجالته الصدئة. حكومة روما عولت على ضخ االستثمارا­ت الصينية لتعويض ما واجهته من صرامة الـقـواعـد املالية فـي منطقة الــيــورو، التي لم تـسـمـح إليـطـالـي­ـا بـفـتـح بـــوابـــ­ات اقـتـصـادي­ـة عـلـى مـصـراعـيـ­هـا. وبــرغــم االمــتــع­ــاض الــذي

صــدر عــن بعض الـشـركـاء األوروبـــ­يـــن أصر كـــونـــت­ـــي فــــي ذلـــــك الــــعـــ­ـام عـــلـــى أن «ارتــــبــ­ــاط إيطاليا بطريق الحرير الجديد يمثل فرصة لبلدنا». عمليا تعتبر الصن انضمام روما إلــــى مـــبـــاد­رتـــهـــا الــــحـــ­ـزام والـــطـــ­ريـــق بـمـثـابـة انتصار كبير، السيما أن بعض دول االتحاد األوروبـــ­ـــــــي، بـــمـــا فــــي ذلـــــك الـــيـــو­نـــان واملـــجــ­ـر وبولندا وإسبانيا، وغيرهم، باركوا املبادرة الصينية بشكل عام. ومع ذلك، ومنذ أن تولى جو بادين رئاسة الــواليــ­ات املتحدة مطلع 2021 بـــدأت بعض األطــــــ­راف األوروبـــ­ـيــــة تـضـغـط عــلــى املــكــاب­ــح، مـــتـــأن­ـــيـــة فــــي االنـــــد­فـــــاع نـــحـــو شـــــراكـ­ــــات مـع الصن. فمع اتضاح تبني واشنطن سياسة أكثر حدية ومواجهة مع بكن تــزداد أيضا الخالفات األوروبية حول كيفية اتباع النهج األميركي، ومخاطر االنجرار إلى حرب باردة اقـتـصـادي­ـة بـن بكن وواشـنـطـن. ويـبـدو أن تـصـريـحـا­ت رئـيـسـة الــــــوز­راء اإليــطــا­لــيــة عن تراجع بلدها عن عالقته االقتصادية الوثيقة ببكن ليست بمعزل عن نحو 12 شهرًا من جــهــود وزارة الــخــارج­ــيــة والــبــيـ­ـت األبــيــض األميركين، وباستغالل الحالة الناشئة بعد غزو روسيا ألوكرانيا، ألجل تشكيل خطاب أوروبي أكثر حدية من الصن. فقادة االتحاد األوروبــي، رغم الزيارات إلى بكن ربيع العام الحالي، باتوا خالل عام من الحرب الروسية في أوكرانيا أكثر حديثًا عن «تقليل االعتماد على اقتصاد نظام سياسي منغلق ومـسـتـبـد»، كـمـا بـــات يـوصـف نظام الحزب الشيوعي الصيني في أكثر من لغة دبلوماسية وصحافية في أوروبا. إذا، الـــنـــغ­ـــمـــة األوروبـــ­ـــــيــــ­ــــة املـــخـــ­تـــلـــفـ­ــة عــن «الــشــراك­ــة» بـاتـت تضغط عـلـى سياسين، ومنهم ساسة إيطاليا وغيرهم في القارة العجوز، لقراءة الصن كمنافس يستخدم ورقــــتــ­ــه االقـــتــ­ـصـــاديــ­ـة لــكــبــح جـــمـــاح الـــــدول

إيطاليا انجذبت إلى طريق الحرير على أمل الحصول على تمويالت صينية

 ?? )Getty( ?? رئيسة الوزراء اإليطالية جورجيا ميلوني تجري تقييمًا لمشاركة بالدها في «طريق الحرير»
)Getty( رئيسة الوزراء اإليطالية جورجيا ميلوني تجري تقييمًا لمشاركة بالدها في «طريق الحرير»

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar