Al Araby Al Jadeed

أليس هناك سقف للديون المصرية؟

- شريف عثمان

ما زالت أزمة العملة األجنبية التي تعانيها مصر منذ ما يقرب من عام ونصف تحظى باهتمام وسائل اإلعالم ووكاالت األنباء ومراكز األبحاث الغربية، وقليٍل من البنوك واملؤسسات املالية. من ناحية بسبب األهمية التاريخية والجغرافية واالستراتي­جية ملصر، رغم ما ظهر مؤخرًا من تراجع هذه املكانة، ومن ناحية أخــرى بسبب الـتـطـورا­ت التي مـر بها االقـتـصـا­د املـصـري منذ اتـفـاقـه مــع صــنــدوق النقد الــدولــي فــي نوفمبر/تشرين الثاني .2016 وقبل أسبوعني، ظهر وزير املالية املصري محمد معيط، قليل الـحـيـلـة، فــي أشـهـر بـرنـامـج تلفزيوني مــصــري، يـقـدمـه أشهر مذيع مصري، ولكن على قناة سعودية التمويل واألهواء، ليعلن اندهاشه واستياءه من كثرة التقارير املنشورة عن االقتصاد املـصـري، متسائال عما إذا كانت الحالة املصرية هـي الشغل الشاغل لكل هذه الوكاالت واملراكز، ومؤكدًا وجود غرض وراء هذا التعرض املتكرر للحالة املصرية. ال أعــرف إن كانت تـسـاؤالت الـوزيـر صـادقـة بهدف معرفة ما خفي عليه أم أنه يعرف اإلجابة. لكن في كل األحوال، سأوضح ملعاليه أن كل الجهات التي يتحدث عنها تتابع الحالة املصرية، ألنها ترى أن الدولة التي لديها سواحل شاطئية رائعة الجمال بطول الـبـالد وعرضها، وبها أكثر مـن ثلث آثــار العالم، وقناة السويس، أهمم ممر مائي فـي العالم، ونهر النيل، وكـانـت في مرحلة تاريخية معينة تتحكم في خزائن األرض، تحولت في ست سنوات فقط من دولــة غير مدينة لصندوق النقد الدولي على اإلطالق، إلى ثاني أكبر مقترض منه، وما زالت تتعثر. هــــذه الــــدولـ­ـــة، ورغـــــم مـــا حـصـلـت عـلـيـه مـــن عـــشـــرا­ت املــلــيـ­ـارات مــن الـــــدوا­لرات مــن املـنـح واملــســا­عــدات والـــقـــ­روض مــن حلفائها الخليجيني، خالل الست سنوات، عجزت في نهايتها عن الوفاء بقيمة ما يحتاجه شعبها من قمح يأكله، حتى أن وزير التموين علي مصيلحي صرح بأنه يعمل على تأجيل مدفوعات القمح، حتى ال يزيد من الضغوط على التزامات البنك املركزي املصري. هي حالة فريدة إذًا، جديرة بجذب انتباه القاصي والداني، دون أن يكون هناك أغراض أو دوافع خافية علينا. وفي هذا السياق، نـشـرت وكــالــة بلومبيرغ األمـيـركـ­يـة األســبــو­ع املــاضــي تقريرًا، تـسـاءلـت فــي بـدايـتـه عـمـن سـيـأتـي أوال: خـفـض جــديــد للعملة املصرية، أم موجة من االستثمارا­ت الخليجية؟ قالت الوكالة إن مصر تسابق الزمن لحل هذه املعضلة، مشيرة إلى أن بلد املائة وعشرة ماليني نسمة يحتاج إلى تأمني اقتصاده، قبيل مراجعة صندوق النقد الدولي القتصاده الذي يعاني من أزمــة مالية خانقة، أجبرت السلطات على تأجيل املراجعة من مارس/آذار كما كان مقررًا، إلى يوليو/تموز. أكــدت بلومبيرغ أن مصر تستهدف تحقيق صفقات أجنبية بقيمة ملياري دوالر قبل نهاية يونيو/حزيران. أوضحت الوكالة أن الدولة تبذل قصارى جهدها لبيع أصولها املختلفة، من بنوك إلــى محطات طـاقـة وشبكة محطات الــوقــود اململوكة للجيش، لحلفائها من املشترين املحتملني، كاململكة العربية السعودية وقطر واإلمـارات العربية املتحدة، الذين تعهدوا بضخ بمليارات الدوالرات ملساعدة مصر على تجاوز أزمتها االقتصادية. لكن املشكلة، تقول بلومبيرغ، أن هؤالء املستثمرين يريدون أن يـروا العملة املحلية، التي فقدت حتى اآلن ما يقرب من نصف قيمتها، تضعف أكــثــر، قـبـل أن يـفـتـحـوا صـنـابـيـر الـــــدوا­لرات. وتحتاج الدولة املأزومة إلى النقد األجنبي من تلك الصفقات قبل أن تسمح بخفض العملة، حتى ال يغرق الجنيه كما حدث في ثالث مرات سابقة، خالل الخمسة عشر شهرًا األخيرة، األمر الذي أدى إلى تسارع التضخم وتجاوزه %40 الشهر املاضي. يمثل هذا املأزق أزمة ملحة ملصر، أحد أكبر مستوردي القمح، والــتــي انـزلـقـت مــن أزمـــة ألخــــرى، بـالـتـزام­ـن مــع الــغــزو الـروسـي ألوكرانيا. أشارت بلومبيرغ إلى أن الدول البترولية الثالث كانت قـد هرعت ملساعدة مصر بمبلغ 13 مليار دوالر، فـي صـورة ودائع لدى البنك املركزي املصري العام املاضي، إال أنها جميعًا أعلنت أن املزيد من املساعدة سيأتي من خـالل االستثمارا­ت التي تحقق عوائد، وأن زمن املنح والودائع قد ولى بال رجعة. يضع ذلــك عبئا على مـصـر، الـتـي تعاني أســـوأ أزمـــة للعمالت األجنبية فـي تاريخها على األرجـــح، وتسعى إلعـــداد صفقات جذابة، حيث تعرض أجـزاء من 32 شركة على األقـل للبيع في املــــزاد، وبـاعـت هــذا الشهر حصة %9.5 مـن الـشـركـة املصرية لالتصاالت، بقيمة 121 مليون دوالر. وتـمـنـع تـوقـعـات حـــدوث تــراجــع كبير جــديــد فــي قيمة الجنيه املشترين املحتملني من التحرك لشراء األصــول املصرية، وِلـَم يفعلون وهـم يـدركـون أن تأخير الخطوة سيقلل بالتأكيد من تكلفة شرائهم لألصول!؟ تقول مونيكا مالك كبيرة االقتصادين­ي في بنك أبوظبي التجاري إن أحد الحلول يمكن أن يكون في تنفيذ البيع بسعر أقل من القيمة الحقيقية، للتعويض عن القوة النسبية للجنيه. وأردفت أن تحديد سعر صرف حاص للجنيه املصري مقابل الـدوالر، لتنفيذ صفقات بيع الشركات املصرية لـ«الخاليجة» يمكن أن يـكـون حــال آخـــر، رغــم تأكيدها أن «جـــذب االسـتـثـم­ـار األوســع سيظل بحاجة إلى مزيد من الخفض في قيمة الجنيه». وأدى االنخفاض الكبير في قيمة الجنيه املصري، الذي حدث على مـدار األشهر الخمسة عشر األخيرة، إلى ارتفاع أسعار املواد الغذائية بشكل كبير، مما أدى إلـى تفاقم معاناة املستهلكني، وتسبب في العديد من املشكالت االجتماعية لألسر املصرية. وصـرحـت مـصـادر مطلعة لبلومبيرغ بــأن السلطات املصرية تـحـرص على جمع العملة الصعبة قبل أي تخفيض إضافي لقيمة الجنيه، حتى تتمكن من تلبية طلب السوق على الدوالر وتجنب ارتفاع سعر الصرف. املؤسف في األمر هو أن كل ذلك يجري «طبخه» من أجل إنقاذ املوقف الحالي، لكن أحدًا ال يخبرنا عما سيكون عليه الحال بعد أن نحل األزمة الحالية من خالل االقتراض وبيع األصول، فماذا عسانا نفعل بعد إتمام البيع؟ هل نقترض مجددا؟ أوال يوجد سقف للديون املصرية، كما هو الحال في أميركا التي صدعنا الحديث عن سقف ديونها على مدار خمسة أشهر؟! أم أن لهم السقف ولنا الله؟

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar