Al Araby Al Jadeed

في «إغراءات» االستيطان اإلسرائيلي

- أنطوان شلحت

يجب القول إن السياسة التي تطبقها الحكومة اإلسرائيلي­ة الحالية في ما يتعلق باالستيطان في أراضي 1967 تهدف إلى تحقيق ثالثة أغـراض: تعميق االستيطان وتوسعته من خـالل فـرض وقائع على األرض، وزيــادة نهب األراضــي الفلسطينية، وتوسيع دائرة اإلرهـاب اليهودي في تلك األراضـي، والذي تؤكد تقارير متطابقة أنه ذراع موازية للجيش اإلسرائيلي واملؤسسة األمنية. ومن جديد مظاهر هذه السياسة مصادقة الكنيست اإلسرائيلي، في مارس/ آذار املاضي، على إلغاء بنود ُمتضّمنة في ما يعرف باسم «قانون فك االرتباط األحادي الجانب عن قطاع غزة وأربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية»، وذلك بعد 18 عاما على إقراره في .2005 وينص القانون على إلغاء بنود في القانون السابق، كانت تحظر على املستوطنني دخول نطاق أربع مستوطنات أخليت في الضفة املحتلة، جانيم وكديم وحومش وسانور، على ًٍ نحو يفتح املجال أمام إعادة توطينها، وهو ما حدث في األيام األخيرة وأثار انتقادات واسعة مـن الـواليـات املتحدة واالتـحـاد األوروبـــ­ـي. وكــان إلـغـاء هـذه البنود جـــزءا مـن شـروط أحــزاب اليمني الدينّي املتطّرف لقاء االنضمام إلى ائتالف حكومة نتنياهو الحالية، بـدون التغاضي عن أن حـزب الليكود نفسه يبدو جاهزا تماما، ومنذ فترة طويلة، التخاذ مثل هذه الخطوة، حتى من دون اشتراطها من حلفائه. كما يعد القانون الجديد عنصرا حيويا في مسعى الحكومة اإلسرائيلي­ة الحالية إلى إضفاء الشرعية على بؤرة حومش االستيطاني­ة العشوائية، والتي حاول املستوطنون مرارا إعادة بنائها. وقالت جمعيات إسرائيلية متخصصة في مراقبة االستيطان في األراضـي املحتلة ومعارضون للقانون إنه سيستخدم من أجل توسيع النشاط االستيطاني في املنطقة بشكل عام، وسيؤدي إلى ضم فعلي ألجزاء كبيرة من أراضي الضفة الغربية. قبل خطوات الحكومة الحالية، أقــرت حكومة نتنياهو الرابعة في أكتوبر/ تشرين األول 2016 االقتراح الذي تقدم به وزير الزراعة أوري أريئيل (من حزب «البيت اليهودي») بشأن استئناف عمل «شعبة االستيطان» بأنها أحد األقسام في وزارة أريئيل هذه (وضعت تحت مسؤوليته كجزء من االتفاق االئتالفي لدى تأليف الحكومة)، وذلك بعد تجميد عمل هذه الشعبة نحو عامني على خلفية خالفاٍت وشبهاٍت واتهاماٍت قـانـونـيـ­ة حـالـت دون رصـــد املـيـزانـ­يـات الحكومية لـهـا وتحويلها إلـيـهـا. وعـنـى هـذا القرار استعادة الحكومة وأذرعها املختلفة الوسيلة املركزية لتعميق االستيطان في الضفة الغربية أساسا، وباإلضافة إلى ذلك تواصل الشعبة ما تسمى «إدارة أراضي املستوطنات اإلسرائيلي­ة في القطاع القروي» في الضفة الغربية، أي توزيع األراضي على املستوطنني اليهود في الضفة الغربية، وهو ما تقوم به منذ .1967 تنبغي اإلشارة أيضا إلى أن نجاح مشروع االستيطان اإلسرائيلي الكولونيال­ي في الضفة مشروط، في جانب مهم منه، بقبول عدد كبير من اليهود وموافقتهم على املشاركة فيه بشكل فاعل. ويعود قبول هؤالء، في أحد املستويات، إلى الفائدة املادية التي يجنونها. وعلى مدى تاريخ االستيطان الصهيوني، حظي املستوطنون بموارد اقتصادية عامة تحولت، مع الوقت، إلى ممتلكات خاصة لهم. ولـئـن كــان رصــد املـــوارد للمستوطنات واملستوطنن­ي جــرى فـي السابق مـن خالل اللجوء إلـى أالعيب ومـنـاورات كانت في أغلبها الساحق ضمن «املنطقة الرمادية» بني القانوني وغير القانوني، ففي األعوام األخيرة أصبح «جزء ال يتجزأ» من صرف حكومي يحظى بقانونية رسمية خالصة، من خـالل قوانني مختلفة جـرى سنها لهذا الغرض،ّ من بينها باألساس «قانون امليزانية العامة»، إلى جانب قوانني وأوامر قانونية متعددة ترمي إلى سلب األراضي الفلسطينية واالستيالء عليها. ومن هنا، ما يتضمنه قانون امليزانية الجديد الذي أقره الكنيست األسبوع املاضي في كل ما يتعلق برصد امليزانيات واملوارد املادية املختلفة للمستوطنات واملستوطنن­ي يشكل تنفيذا دقيقا للتوجهات السياسية الرسمية السائدة في إسرائيل، ويأتي لخدمة هذه التوجهات. وحتى بموجب حسابات منظمات إسرائيلية تعادل حصة املستوطن اليهودي في الضفة الغربية من امليزانية العامة الجديدة للدولة خمسة أضعاف حصة اإلسرائيلي في أٍّي من املناطق السكنية املختلفة داخل ما يسّمى «الخط األخضر».

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar