Al Araby Al Jadeed

أين الدولة التي يُراد إنقاذها في سورية؟

- غازي دحمان

فــــي مـــحـــاو­لـــة لــتــبــر­يــر إعـــــــا­دة احــتــضــ­ان نظام األســد عربيًا، شاعت تحليات أن هــــذا يـعـنـي االنـــتــ­ـصـــار لــلــدولـ­ـة الـوطـنـيـ­ة واسـتـقـرا­رهـا ووحـــدة أراضـيـهـا وسامة مؤسساتها، في مواجهة مظاهر الفوضى والـــفـــ­اعـــلـــن مــــن خــــارجــ­ــهــــا، وخــصــوصـ­ـًا الجماعات املسلحة، وينطوي ذلـك على اعـــتـــر­اف بـشـرعـيـة آلـــة الـقـمـع باعتبارها مـؤسـسـة شرعية مـن مـؤسـسـات الـدولـة، واألخــــط­ــــر انــــتـــ­ـصــــارًا لـــخـــطـ­ــاب الــســلــ­طــة، باعتباره دولـيـًا مؤسسيًا، على حساب املـــطـــ­الـــب والــــحــ­ــقــــوق بـــوصـــف­ـــهـــا خــطــابــًا شعبويًا. في هذا السياق، يجرى الحديث صراحة عن خطأ املجتمعات العربية في املسارات الـــتـــي ســلــكــت­ــهــا لــتــحــق­ــيــق مــطــالــ­بــهــا فـي الديمقراطي­ة والحياة الكريمة والعدالة االجتماعية، واألدوات التي استخدمتها لتحقيق أهــدافــه­ــا فــي ظــل حـــراك الربيع الــــعـــ­ـربــــي، وتـــحـــم­ـــيـــل هــــــذه املـــجـــ­تـــمـــعـ­ــات مسؤولية الــكــوار­ث الـتـي حصلت، األمـر الذي يستلزم معه تراجعها عن مطالبها وتسليم القيادة لألنظمة الحاكمة وقبول أنماط حكمها، وانتظار ما تجود به من إصاحات. وقـــع فـــي هـــذا الــخــطــ­أ املـنـهـجـ­ي مثقفون عرب عديدون، والذي يتجلى في فكرة أن الحاكم هو الدولة، ويخرج أهم ركن من املعادلة وهو الشعب، بينما هو العنصر األول الــــذي يــجــب قــيــاس وجــــود الــدولــة عـــلـــى أســـــاسـ­ــــه، وخـــصـــو­صـــًا فــــي أوقـــــات األزمـــــ­ـات الــســيــ­اســيــة، فـــي حـــــاالت أخـــرى ربـمـا يـجـري التغاضي بحكم الواقعية، طــاملــا أن األمــــور تسير بـــدون اضــطــراب، إنما في الحالة السورية املضمخة بالدم فذلك يعني انتصارًا لطرف على حساب طـــرف. املـفـارقـ­ة أن هـــذا الـتـحـول يـوصـف هزيمة ملـشـروع اإلســـام السياسي الـذي حــاول أن يهيمن على املشهد في العالم العربي، من دون أي التفات لرأي وموقف املاين الذين عبروا عن أشواقهم للحرية ولـلـعـدال­ـة، ومــن دون التوقف عند حجم االرتكابات التي قام بها النظام الحاكم، والنتائج الفاضحة. واملفارقة أيضا أنه يـتـم تـصـويـر األمـــر أنـــه مـحـاولـة لتفكيك األزمـــــ­ات الــتــي صنعها الــربــيـ­ـع الـعـربـي، ومنها الاجئون واملــخــد­رات، وبالتالي، فإن إعادة االعتبار ملؤسسات دولة األسد كفيلة بإنهاء هذه املظاهر! األدهـى من ذلك كله تصوير األمـر تمردًا عــلــى الـهـيـمـن­ـة الـــدولــ­ـيـــة، واملــقــص­ــود بها أمـيـركـا، حـيـث يـتـم اخـتـبـار التطبيع مع النظام املـارق في هذا اإلطـار، بالرغم من اتكائه على قوة أكثر بشاعة في الهيمنة، روســـيـــ­ا وإيـــــــ­ـران... وواضـــــح أن املـقـصـود بـذلـك وأد مطالب الـشـعـوب العربية في الحرية والعدالة، عبر االنحياز لألنظمة العربية وتضييق الـخـيـارا­ت وحصرها بـــالـــح­ـــكـــم الـــســـا­ئـــد وأي تــــصــــ­ور لـلـحـكـم واإلدارة يجب أن يكون تحت سقفه. كما يـجـرى حـــرف الـوقـائـع بتصوير الـحـراك الحاصل حــراك جماعة، في الغالب، هي جماعة اإلخــــوا­ن املسلمن، ضــد الــدولــة، وبــالــتـ­ـالــي، يـسـتـدعـي املـنـطـق االنـتـصـا­ر لــلــدولـ­ـة الــتــي يمثلها الــحــاكـ­ـم والسلطة القائمة، وكذا انتصار للدولة في مواجهة املليشيات التي اختطفتها، لكن السؤال من هي املليشيات التي اختطفت الدولة في املثال السوري؟ األمـــــر الـــثـــا­نـــي مــاهــيــ­ة الــــدولـ­ـــة وصـحـيـح تــمــثــي­ــلــهــا، أيـــــن هــــي الــــدولـ­ـــة فــــي الــحــالـ­ـة الــــســـ­ـوريــــة، هــــل هــــي فـــقـــط جـــهـــاز الــقــمــ­ع الــــــذي تــســتــخ­ــدمــه جـــمـــاع­ـــة مــعــيــن­ــة ضـد الجماعات األخرى؟ في الحالة السورية،

إعادة تفعيل البنى الموجودة وتحويلها إلى أدوات ومؤ ّسسا ٍت للدولة السورية أمر فات أوانه

أخـلـت هــذه الجماعة تمامًا بأساسيات الـدولـة واالجـتـمـ­اع، عبر عبثها بامليزان الــديــمـ­ـغــرافــي ومــحــاول­ــة إجـــبـــا­ره بـالـقـوة على مطابقة رؤى تلك الجماعة، وتدمير مقصود ومنهجي للعمران السوري. ويبدو أن هذا هو الحل األسلم لسورية، ذلــــك أن إعـــــادة تـفـعـيـل الــبــنــ­ى املـــوجــ­ـودة وتحويلها إلى أدوات ومؤسسات للدولة الـــســـو­ريـــة أمــــر فــــات أوانــــــ­ه، لــيــس بسبب سـيـطـرة نــظــام األســــد والــتــحـ­ـكــم بـآلـيـات تــشــغــي­ــلــهــا، ولـــكـــن بـــالـــن­ـــظـــر لــلــتــأ­ثــيــرات الــروســي­ــة واإليـــرا­نـــيـــة، والــتــي مــن املـؤكـد أنـهـا أثــــرت، بشكل كـبـيـر، فــي صياغتها وتوجهها ربما إلى سنوات مديدة، تماما كما أثرت الكولونيال­ية بمؤسسات الدول الـتـي تــم اسـتـعـمـا­رهـا، بحيث ظـلـت هـذه املــؤســس­ـات، ورغـــم عـقـود مـن االستقال، تـعـيـد إنـــتـــا­ج الــقــيــ­م الـــتـــي أدخــلــتـ­ـهــا تلك الدول في منظومة هذه املؤسسات.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar