تونس: نوادي الغناء تكافح التوتر
تنتظر روضة الشواشي 52( عامًا) بشغف وحـــمـــاســـة كـــبـــيـــريـــن املــــوعــــد األســـبـــوعـــي املتفق عليه للقاء رفيقاتها في أحد نوادي املوسيقى والغناء بضاحية قرطاج في العاصمة تـــونـــس، ألنـــهـــا تــتــمــســك بــفــكــرة أن حــصــة الــغــنــاء واملوسيقى في النادي هي متنفسها الوحيد جراء الضغوط اليومية واملرهقة للحياة. تقول لـ«العربي الجديد»: «نأتي إلى نادي الغناء مــحــمــات بـضـغـوط وتــوتــر تـصـل إلـــى حـــد الـكـآبـة أحيانًا، ثم نغادر بمزاج جيد بأمل اللقاء مجددًا». وتـــــروي تــفــاصــيــل الــتــحــاقــهــا بـــنـــوادي املـوسـيـقـى والغناء قبل أكثر من سنتني، بعدما عانت لفترة مــــن حـــالـــة اكـــتـــئـــاب نــتــجــت مــــن إصـــابـــتـــهـــا مــرتــني بـــفـــيـــروس كـــــورونـــــا، مــــا تــســبــب لـــهـــا بــقــلــق كـبـيـر بــلــغ درجـــــة عــــدم الـــقـــدرة عــلــى الـــنـــوم. ونـصـحـتـهـا إحـــدى زمياتها فــي تلك الـفـتـرة بـااللـتـحـاق بناد للموسيقى والــغــنــاء كــانــت تـــرتـــاده لـلـتـرويـح عن نفسها. وتعلق الشواشي بالقول: «اكتشفت قدرة املـوسـيـقـى والــغــنــاء عـلـى مكافحة الـكـآبـة والـقـلـق، واقتلعت النوتات واألناشيد التوتر من حياتي». وتـــشـــهـــد هـــــذه الـــــنـــــوادي إقــــبــــاال كـــبـــيـــرًا مــــن نــســاء بــن أكــثــر اقـتـنـاعـًا بـالـفـوائـد النفسية والـجـسـديـة لانضمام إليها، ومساهمتها فـي توسيع دائــرة معارفهن خارج األطر العائلية واملهنية. مـــن جــهــتــه، يــؤكــد مــعــز املــثــنــي الــــذي يــشــرف على نـــــاد لــلــغــنــاء واملـــوســـيـــقـــى، فـــي حــديــثــه لـــ «الــعــربــي الجديد»، أن «الغناء واملوسيقى عاجان مثبتان للقلق والتوتر، وحتى لبعض األمراض العضوية، والـــنـــســـاء يـكـتـشـفـن جــــدوى ارتـــيـــاد هــــذه الـــنـــوادي بـعـد أول حـصـة، مــا يجعلهن شـبـه مـدمـنـات على االلتحاق باللقاءات األسبوعية التي يستضيفها النادي في شكل دائم». يضيف: «تتخلص النساء من كل أشكال الضغوط واملــســؤولــيــات بـمـجـرد الــغــنــاء، وجــلــســات الــنــادي تشكل فعليًا فسحات خاصة بهن تمنحهن متعة التحليق بعيدًا مـن الـواقـع الصعب الــذي يعشنه. وربـمـا تكون لكل امـــرأة قصة معاناة أو مـرض أو مشاكل مادية أو أشكال أخرى من ضغوط الحياة، لكنهن يتخلصن مــن هـــذه األعــبــاء املقلقة نفسيًا بـمـجـرد سـمـاع املـوسـيـقـى وإنــشــاد األغـــانـــي، علمًا أنــه فـي زمــن الـحـروب والــكــوارث واألزمــــات تنتشر املـوسـيـقـى فــي كــل املجتمعات مــن دون استثناء، ويقول أحـد الفاسفة إن املوسيقى دواء للنفوس الكئيبة، فــي حــني يعلم الجميع أنـهـا تساعد في إخـراج الطاقة السلبية التي تسيطر على الجسم، وتــمــده بـطـاقـة إيــجــابــيــة». وحــــول تفسير انـتـشـار نوادي املوسيقى والغناء، يقول املثني إن «األزمات االجتماعية واالقتصادية والسياسية التي مرت بــهــا تــونــس خـلـقـت احــتــيــاجــات جـــديـــدة ملـسـاعـدة األفـراد على التخلص من تأثير هذه األزمـات على نفسياتهم، ومنها الغناء واملوسيقى والرسم». وإلــى نـــوادي الغناء واملوسيقى تـحـاول جمعيات مدنية نشر ثقافة عاج أمــراض نفسية وعضوية بــاملــوســيــقــى، واســـتـــخـــدامـــهـــا أيـــضـــًا فـــي مــســاعــدة أشخاص يشكون من مشاكل في النطق أو الحركة املــفــرطــة. وتـهـتـم هـــذه الجمعيات بتعريف كيفية الـــعـــاج بـاملـوسـيـقـى لـتـحـسـني الـتـحـكـم بالضغط النفسي وإدارة اإلجهاد، باعتماد تقنيات مبسطة، وأيـضـًا مساعدة أشـخـاص مـن أعـمـار مختلفة في تفادي حاالت مرضية مستعصية. وتــــــقــــــول رئــــيــــســــة الـــجـــمـــعـــيـــة الــــوطــــنــــيــــة لـــلـــعـــاج باملوسيقى رحـــاب الجبالي لــ«الـعـربـي الـجـديـد»: «يتطور هذا النوع من العاج في تونس، وأصبح مــعــروفــًا لــــدى أطـــبـــاء، ويــقــدمــه مـتـخـصـصـون في الـعـاج النفسي عـن قناعة كبيرة ضمن وصفات الـــعـــاج». وتعتبر أن «نــــوادي املـوسـيـقـى والـغـنـاء بني أصناف معالجة التوتر واالكتئاب واإلجهاد التي تتحول في مراحل تالية إلى أمراض عضوية بعضها خـطـيـر، علمًا أن قسمًا كـبـيـرًا مــن الـنـاس ال يولي اهتمامًا كبيرًا بأعراض الضغط النفسي الــتــي تتمثل أســاســًا فــي زيــــادة مــعــدالت ضـربـات القلب والتنفس، وارتـفـاع ضغط الــدم، والعصبية الشديدة، واضطرابات في النوم، فضا عن زيادة الشعور باإلحباط والتقلبات املزاجية».