ماذا يعني أن تكون ابن نجم سينمائي؟
يتناول وثائقي فرنسي جديد أحوال الممثل األميركي مايكل دوغالس، تزامنًا مع تكريمه في افتتاح مهرجان «كاّن ،»76 انطالقًا من عالقته بأبيه
«مـايـكـل دوغــــاس: االبـــن الـضـال» 52 ،2023( دقـــــــيـــــــقـــــــة)، ألمــــــن مــيــســتــاري، وثـــائـــقـــي مـنـبـثـق من ســؤال/مــعــضــلــة: مــــاذا يـعـنـي أن يــكــون املــرء ابـــن/ابـــنـــة «نـــجـــم» سـيـنـمـائـي. الـــعـــنـــوان دال وواضح. إنتاج الوثائقي الجديد هذا («آرتي فـــرنـــســـا» و«فــــــوالمــــــور لــــإنــــتــــاج») مـــتـــزامـــن وتكريم دوغاس 25( سبتمبر/أيلول ،)1944 ابن كيرك دوغاس 1916( ـ ،)2020 في افتتاح الــــــــدورة الــــــــ67 16( ـ 27 مــــايــــو/أيــــار )2023
ملهرجان «كان» السينمائي. اختيار السؤال/ املعضلة نـــواة درامــيــة للوثائقي غـيـر مـانـع بحثا، وإن يكن مـخـتـزال، فـي سـيـرة حياتية ومهنية لـ «االبن الضال». رغـــــــم هــــــــذا، يــــتــــداخــــل الــــجــــانــــبــــان فـــــي ســــرد الـحـكـايـة، فـالـقـصـة غـيـر قـــــادرة عـلـى تحرير االبــــــــن مـــــن «ســــــطــــــوة» األب، وبــــعــــض كــــام االبـــــن إيـــجـــابـــي فـــي وصــــف ارتـــبـــاطـــه بــــاألب، و«انـــتـــقـــاد» ذاك االرتـــبـــاط/الـــســـطـــوة مـبـطـن ومــــوارب، أحـيـانـا. هــذا يستند إلــى أرشـيـف، وفــي األرشــيــف لــقــاءات مـع األب واالبـــن غير جامعة بينهما، ولقاء مباشر مع املكرم (في الفيلم واملهرجان، فالفيلم، بحد ذاته، تكريم بصري للمحتفى به، ال انتقاديا وسجاليا). مقتطفات من أفــام لهما؛ استعادة حضور مايكل صغيرًا فـي باتوهات تصوير أفـام والــــــده؛ تـحـلـيـل االبـــــن لــعــاقــتــه بـــــاألب؛ كـــام عــن بـعـض أبـــرز أفـــام االبـــن ومـــدى تأثيرها فــي مــســاره املــهــنــي، كـمـا فــي املـعـنـى الـخـفـي في اشتغاالته، املتمثل برغبة دفينة (تظهر بشكٍل مـــوارب) فـي «خـــاٍص» مـا مـن سطوة «نجومية» األب، منها (أبرز األفام) «عاقات خطرة» ألدريان لن و«وول ستريت» ألوليفر ستون، املنجزان عام .1987 أحدهم يقول له، ذات وقت بعيد، إن «الكاميرا كـاشـف حقيقي لــأكــاذيــب». عند ذكـــره هـذا، يـــعـــلـــق: «إذًا، ســأعــتــبــر أن الـــكـــامـــيـــرا تـشـبـه آلــــة «األشـــعـــة أكـــــس»، املــــوجــــودة عــنــد أطــبــاء األســـنـــان». يـضـيـف، بـعـد كـــام عــن دوره في «عـاقـات خـطـرة»، أنــه سـيـدرك أن تأدية دور (يعني أن الــدور) «ينتمي إلى سجل الكذب. هـــذا كــــذب». قــولــه هـــذا مـنـسـحـب، بـشـكـل مـا،
ٍُ على حياته وعاقاته وعائلته. كأنه به يبرر أو يـفـسـر، وهــذا الـتـبـاس يتقن التعبير عنه مــن دون مـبـاشـرة وفــذلــكــة كـامـيـة وتنظير. كـأنـه بـه يـريـد اغـتـسـاال، فصراحته منفلشة على اعــتــراف بتعاطيه املــخــدرات، وعاقاته الـــنـــســـائـــيـــة خـــــــارج زواجــــــــــه، وارتــــــبــــــاك غـيـر مقصود فـي عاقته بــــأوالده، مـتـذكـرًا عاقة كيرك به وبعائلته، وبمدى االهتمام، وعدم االهتمام، أو قلته. هذا التداخل بن العناوين
وثائقي تلفزيوني محترف عن نجم سينمائي ابن نجم آخر
الفرعية لـــ«االبــن الــضــال» مـنـسـوج بتوليف (صوفي كرزو) يوازن بن الشخصي/الذاتي والــعــام، ملنح الشخصية املــكــرمــة وسيرتها حــــيــــزًا لـــكـــشـــف يـــــــروي، بـــســـاســـة تــوثــيــقــيــة، تفاصيل وعوالم وأنماط عيش وآليات قول واشتغال. لحظات حميمية تحضر، خاصة مع والده الذي يسأله، في عمر متقدم (األب)، إن يـكـن مـعـه أبـــا جــيــدًا. الــبــوح هـنـا ملتبس، فــرد مايكل غير صدامي نهائيا، بل عاطفي وانفعالي وإيجابي، ربما ألن العمر يفرض أحـــيـــانـــا حــــالــــة كــــهــــذه، أو ربــــمــــا ألن هــنــاك صـدقـا مــا فــي نـظـرة مايكل إلــى أبـيـه املــســن. فـي لحظة أخـــرى، يظهر مايكل عند تسلمه «أوســكــار» أفـضـل ممثل عـن دوره فـي «وول ســتــريــت»، قــائــا فــي حـفـلـة اســتــام التمثال 11( إبـريـل/نـيـسـان )1988 إن «مـنـحـي هـذه الـجـائـزة يعني خـروجـي مـن ظــل أبـــي، وهـذا مـــهـــم لــــي. بـــصـــدق، مـــهـــم جــــدًا لـــــي». يـضـيـف أنــــه، بفضل الــجــائــزة، حــاصــل عـلـى اعــتــراف بــه مــن «أكــاديــمــيــة فــنــون الـــصـــورة املتحركة وعــلــومــهــا» (مــانــحــة الــجــوائــز) ومـــن أقــرانــه: «بالنسبة إلــــي، هـــذا يـعـنـي... صـعـب تفسير هــذا». بعد ارتـبـاك قليل، يقول: «املهنة تقرر أنـي مستحق تنصيبا». يعترف أن الجائزة عظيمة بالنسبة إلــيــه، فـهـو يــراهــا مساعدًا لــه عـلـى االســتــقــرار فــي هـويـتـه الـخـاصـة بـه: «(بفضلها) أصبحت أنا، أخيرًا، وليس فقط ابـــن كـــيـــرك». مـقـتـطـفـات األفــــام مـــوزعـــة على تلك التي يمثل فيها كيرك، والتي يمثل فيها هـو. لكن «وول ستريت» يحتل مكانة أبـرز، إذ يـقـتـطـف مـنـه مشهد يخطب فـيـه غـــوردن غكو (مايكل دوغـاس) أمام جمهور، يعتبر تــشــريــحــا ألمـــيـــركـــا، عــبــر مـــفـــردة «الـــجـــشـــع»: شجع الحياة واملــال والحب واملعرفة. يقول إن هذا الجشع نفسه لن يكتفي بإنقاذ «تلدار بــابــر» (خـطـة عـدائـيـة لغكو لاستياء على شــركــات وكـسـب أمــــوال طــائــلــة)، «لــكــن أيضا هذه الشركة املريضة التي نسميها الواليات املــتــحــدة». كـــأن «هــــدف» أمـــن مـيـسـتـاري، أو ربما الجهات اإلنتاجية (أنطوان دو غدمار، مــســؤول الـتـحـريـر)، كــامــن فــي إعــــان مـوقـف انتقادي لـ «أميركا». إصـــابـــتـــه بـــســـرطـــان الـــحـــنـــجـــرة، يـــعـــتـــرف بـه (علنا حـن اكتشافه علم ،2010 وفــي «االبــن الضال» أيضا)، مشيرًا إلى أن سببه منبثق مـــــن «مـــــمـــــارســـــة الــــجــــنــــس الـــــفـــــمـــــوي». بـــــوح يعكس شفافية ومصداقية، ويسبق إدخـال لــقــطــٍة مـــن مــؤتــمــر صــحــافــي لــفــريــق «خــلــف األضواء» )2013( لستيفن سودربيرغ (إنتاج تــلــفــزيــونــي لـــــــــOBH)، املـــخـــتـــار فـــي املـسـابـقـة الـرسـمـيـة لـــلـــدورة الـــــ66 15( ـ 26 مــايــو/أيــار )2013 ملــهــرجــان «كـــــان»، يــتــأثــر فـيـه مـايـكـل، فالفيلم يـمـثـل «عـــودتـــه» إلـــى السينما بعد اإلصابة السرطانية. «االبـــن الـضـال» وثائقي تلفزيوني مصنوع بحرفية مهنية، من دون خروج من التقنيات املعتمدة فـي هــذا املــجــال، مـع الــتــزام بصري واضــح، يــراد له تكريم شخصية سينمائية تعاني سطوة أب «نجم»، وترغب في تثبيت مكانة لها، وهذا حاصل إلى حد بعيد.