Al Araby Al Jadeed

بعٌض من أمنيات المغنّي

ابتكر المغنّي والموسيقي األميركي خالل مسيرته الطويلة أسلوبه الخاص، والذي جرب فيه أنماطًا تشمل البلوز والروك وحتى الترانيم اإلنجيلية

- نيويورك ـ العربي الجديد

احتفل املوسيقي األميركي توم وايتس، مــــؤخـــ­ـرًا، بـــالـــذ­كـــرى الـخـمـسـن­ي أللـبـومـه األول ‪Closing Time‬ («وقــت اإلغــالق»)، الــــذي صـــدر فـــي 6 آذار/ مــــارس .1973 وهـــو الـعـمـل الــــذي تـنـبـأ بــاملــسـ­ـار الـــذي سـلـكـه فــي مـسـيـرتـه املـوسـيـق­ـيـة الحـقـًا، خالل ألبوماته السبعة عشر؛ ودلل إلى أي مـــدى كـــان مـتـعـمـقـًا فـــي اسـتـكـشـا­ف الــحــالـ­ـة اإلنــســا­نــيــة فـــي أغــانــيـ­ـه املليئة باإلشارات والرموز والتأمالت الدينية. «ال الـــعـــن­ي بـــالـــع­ـــني، وال الـــســـن بــالــســ­ن، رأيت يهوذا اإلسخريوطي يحمل جون ويــلــكــ­س بــــــوث». بـــهـــذه الــكــلــ­مــات رســم املغني (مواليد )1949 تصوره الخاص عـن الـجـنـة؛ حيث يحشر فيها املتقون وأصحاب السمعة السيئة واملومسات معًا، كما سبق له أن قال في مقطوعته «أســـفـــل هـــنـــاك بـــالـــق­ـــطـــار»، ألنـــهـــ­م كـلـهـم «قد غسلوا بدم الحمل»؛ وفيها، أيضًا، «متسع للمهجورين، بشرط أن تحضر في الوقت املحدد». لـــكـــن قـــصـــة املـــغـــ­نـــي الــــوجــ­ــوديــــة بــــدأت عــــام ،1969 فـــي لــــوس أنـــجـــل­ـــوس، حني جــــاب شـــــوارع املــديــن­ــة بــســيــا­رتــه بحثًا عـــن املــعــنـ­ـى، والـــــذي يـمــكــن ســمــاعــ­ه في ألـــبـــو­مـــاتـــه األولـــــ­ـــى املــلــيـ­ـئــة بـالـقـصـص التي تستبطن بعدًا بودليريًا، ومناظر طبيعية حضرية كما في لوحات إدوارد هوبر: اكتمال القمر، واألصوات الليلية، والـــــضـ­ــــواحـــ­ــي ذات أضــــــــ­ـواء الـــــشــ­ـــوارع الـــخـــا­فـــتـــة، والـــــبـ­ــــار الــــعـــ­ـابــــق بـــالـــد­خـــان والفارغ َّتقريبًا، حيث ِيجلس عدد قليل من املشردين والوحيدين، بينما يعزف على البيانو ألحانًا تحكي عـن أشياء فظيعة. «لـكـن الـــدم يـنـز مـن صـنـدوق املوسيقى على أرضية مشمع قديمة فيا له من مطر حار على الشارع الثاني واألربعني اآلن؛ ليس هناك فرصة للمظالت وصاحب الجرائد مجنون، ذو سراويل مبقعة...». انتقل عـام 1980 إلـى نيويورك، وهناك الـتـقـى بـزوجـتــه كــاثــريـ­ـن بــريــنــ­ان، التي ستصبح ملهمته ومساعدته اإلبداعية. عـنـدهـا سـيـتـرك األســـلــ­ـوب الـرومـانـ­سـي البوهيمي السابق، ليبدأ مرحلة جديدة في عمله وأبحاثه كما في أغنيته «رباه

لقد تغيرت»، معترفًا صراحة أن «الرب يعلم أنــي تـغـيـرت/ الـــرب يعلم أنــي قد فديت/ يمكنك إيقاظي منتصف الليل/ سأخبرك بما رأيته». يـسـتـيـقـ­ظ وايـــتـــ­س بــالــفــ­عــل! بــعــد حلم يقظة طـويـل، قــام حـقـًا مـن بـني األحـيـاء الـفـقـيـر­ة فــي نــيــويــ­ورك، كـمـثـل األنـبـيـا­ء الـــذيـــ­ن يــســتــف­ــزون املـسـتـمـ­عـني بأسئلة حــــول جـــــدوى الــقــنــ­اعــة بــمــا هـــم عـلـيـه؛ وأخـــــــ­ـــرى أصــــعـــ­ـب حــــــول طـــبـــيـ­ــعـــة اإللـــــه والــحــيـ­ـاة، والــخــيـ­ـر والـــشـــ­ر، والــخــال­ص. فـبـالـنـس­ـبـة لـــه، اإللــــه مـحـتـجـب، ال لعلة جوهرية، بل ألن أعمال اإلنسان املخزية هي ما تحجبه. وفي عمله «قطرة سم صغيرة»، يرى أن تهمة الشر موجهة ضدنا - نحن البشر - في املقام األول، فنحن من ارتكبناها، ال اإللــــــ­ه. وفــــي أغـــلـــب أغـــانـــ­يـــه مـالحـظـة ضمنية؛ أنـنـا خلقنا على صـــورة اإللـه ومــــثـــ­ـالــــه، لــكــنــن­ــا فـــشـــلـ­ــنـــا فــــي تـشـكـيـل حـيـاتـنـا وفــقــًا لـتـلـك الـطـبـيـع­ـة. فـالـعـالـ­م يـــعـــج بـــالـــخ­ـــداع والـــخـــ­يـــانـــة والـــجـــ­شـــع، ويـصـعـب فـيـه الــعــثــ­ور عـلـى الـخـيـر في الناس أو املؤسسات البشرية. لـكـن الــفــداء يـأتـي مـع الـــدم. ففي واحــدة من أميز أغانيه؛ «دم يسوع لم يفشلني أبدًا بعد»، وهو دويتو سجله مع رجل مــشــرد، يغني ببساطة مـتـكـررة برفقة

حفلْت أغنياته بأسئلة عن الخير والشر والوجود اإلنساني

«أوركـسـتـر­ا جافني بـريـرز»، مـؤكـدًا ذلك بشكل ال لبس فيه. فـــــي حـــيـــات­ـــه املـــهـــ­نـــيـــة الــــطـــ­ـويــــلــ­ــة، ابــتــكــ­ر وايــــتــ­ــس مـــجـــمـ­ــوعـــة مـــتـــنـ­ــوعـــة وأصـــلـــ­يـــة مــن املـقـطـوع­ـات، فــي أسـالـيـب موسيقية مختلفة: من القصص الشعبية والـروك، إلى مؤلفات البلوز والجاز، ومن أغاني R&B (اإليــــــ­قــــــاع والــــبــ­ــلــــوز) والـــتـــ­رانـــيـــ­م اإلنــــجـ­ـــيــــلـ­ـــيــــة، وصــــــــ­ــوال إلـــــــى املـــوســ­ـيـــقـــى الـــتـــج­ـــريـــبـ­ــيـــة والــــبــ­ــديــــلـ­ـــة والـــطـــ­لـــيـــعـ­ــيـــة؛ باإلضافة إلى شارات األفالم التي رشحت مــــرارًا لــجــائــ­زة «األوســــك­ــــار». لــكــن؛ يبقى أكثر مـا يميزه عـن اآلخـريـن، أن ألحانه، عند املستمعني إليه، هي أشبه بالقربان املقدس عند املؤمنني. فمن يستمع له مرة مــن الـصـعـب أال يصبح مـتـابـعـًا لـــه. هـذا وقد شاعت، مؤخرًا، أخبار حول عودته إلى التأليف من جديد.

 ?? )Getty( ?? توم وايتس خالل حفل مع «رباعي كرونوس» في كاليفورنيا، 2007
)Getty( توم وايتس خالل حفل مع «رباعي كرونوس» في كاليفورنيا، 2007

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar