Al Araby Al Jadeed

الفالح الفصيح والصندوق وبيع األصول

مصطفى عبد السالم

-

«تشتري غيط تجوع سنتني، وبعدها تشبع العمر كله، تبيع غيط تشبع سنتني، وبعدها تجوع العمر كله». ال أعرف من نحت هذه العبارة الرائعة والكلمات الدقيقة التي تعبر بدقة عن واقعنا الحالي، والعبارة تعني ببساطة أن من يفرط في أصوله وممتلكاته سواء أراض زراعية أو عقارات وذهب وفضة وغيرها ويبيعها للغير، سيندم على ذلك في وقت الحق وربما يعض أصابعه كثيرًا عندما يكتشف أنه أختار الحل السهل الذي يحقق له عوائد وسيولة سريعة. صحيح أن البائع سيصبح غنيًا أو مقتدرًا ماليًا بعض الوقت بحسب حصيلة البيع ونفقاته سواء الثابتة أو املتغيرة واملديونيا­ت املستحقة عليه، لكنه في وقت الحق لن يجد مصدر رزق أو أصال يعتمد عليه سواء كانت أراضي أو حتى وديعة وأسهمًا، وأنه سيلجأ في وقت الحق طال أم قصر إما إلى االقتراض من البنوك واملؤسسات املالية، وهذه لها شروطها املشددة حفاظًا على أموالها، وإما العمل لدى آخرين، وهنا وبعد أن كان الشخص صاحب أصول وأمالك وسيولة نقدية في البنوك ومن األغنياء أو متوسطي الحال، بات أجيرًا يعمل باألجرة واليومية لدى الغير سواء دولة أو مؤسسة أوشركة. شخصيًا بحثت عن أصل تلك العبارة ومن قالها وفي أي سياق، فلم أعثر على شي مدقق، سوى أنها منسوبة إلى «الفالح املصري الفصيح شأن كثير من العبارات التي نسمعها دومًا في حياتنا اليومية، أو جاءت ضمن األمثال الشعبية التي يرددها املصريون في مناسبات عدة. ورغم ذلك ال أجد استحضارًا أفضل لهذا املثل أو العبارة املنحوتة بدقة إال هذه األيام، فالعبارة تعبر بدقة عن العالقة بني ثالثة أطراف رئيسية، صندوق النقد الدولي وغيره من الدائنني، واملواطن، والحكومة أو الدولة. ولنبدأ بالطرف األخير، فالدولة تمتلك أصوال ضخمة، حصيلة إيرادات تلك األصول ومعها الرسوم العامة من ضرائب وجمارك وأنشطة اقتصادية مثل الصادرات والسياحة وتحويالت املغتربني وغيرها تكفي لتمويل النفقات العامة واملصروفات من أجور ورواتب واستثمارات وتطوير الخدمات وتمويل املشروعات الجديدة وغيرها في حال إذا ما أحسن إدارتها وتنميتها وتعظيم العائد عليها بصورة متواصلة وإبعاد شبح الفساد عنها، حتى إذا ما مرت الدولة بأزمة مالية طارئة فإن تراكم الثروات وحصيلة الضرائب املتزايدة يومًا بعد يوم قد تكفي لتغطية تلك الفجوة. ما الحل إذن؟ التوقف عن بيع أصول الدولة وسماع نصيحة الفالح الفصيح حتى لو وصل األمر إلى ارتداء حزام التقشف، املهم هو أن تكون البداية من الحكومة، ال من املواطن املرغم على دفع مشاريب لم يتناولها ورفاهية لم يلمسها وقصور لم يسكنها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar