رمضان والعيد يستنزفان التونسيين
يتحسب التجار في تونس لفترة ركود فــي األســـــواق عـقـب انــتــهــاء عـطـلـة عيد الــفــطــر، الــــذي اســتــنــزف بــجــانــب شهر رمــضــان نـفـقـات الكثير مــن األســـر في البلد الذي يشكو مواطنوه في األساس من ضغوط تضخمية وتراجع الدخول مــــنــــذ عـــــــدة ســــــنــــــوات. وعـــــلـــــى امـــــتـــــداد الـشـهـريـن املـاضـيـني نشطت الحركية الـتـجـاريـة فـي أســـواق تـونـس مدفوعة بمتطلبات شهر الصيام والعيد رغم الغاء القياسي لألسعار. ويقر طيف واسع من التونسيني ببلوغهم مرحلة اإلنـــهـــاك املــالــي خـــال هـــذه الــفــتــرة، ما يـــجـــبـــرهـــم عـــلـــى الـــــدخـــــول فــــي تـقـشـف اضطراري على امتداد األشهر القادمة الســـتـــعـــادة تـــوازنـــاتـــهـــم املـــالـــيـــة. يـقـول عصام ميساوي 52( عامًا) وهو موظف في دائــرة حكومية بالعاصمة تونس إنــه أنـفـق خــال شهر رمـضـان والعيد ما يزيد على ثاثة آالف دينار (حوالي ألف دوالر) وهو ضعف مرتبه، مؤكدًا أنه سيتدبر أموره ملا تبقى من الشهر الــــجــــاري بــالــحــد األدنــــــى مـــن اإلنـــفـــاق. يــؤكــد عــصــام فـــي تـصـريـح لــ«الـعـربـي الــجــديــد» أن أغــلــب األســـر تـحـتـاج إلـى مـــــا ال يــــقــــل عـــــن شــــهــــريــــن الســــتــــعــــادة توازناتها املالية، مشيرًا إلى أن رواتب شهري إبريل/ نيسان الحالي ومايو/ أيــــــار املـــقـــبـــل ســتــخــصــصــان لــتــســديــد مـــــا تـــخـــلـــف مـــــن ديـــــــــون. ويـــضـــيـــف أن «األســـر تضطر إلــى االنـفـاق بأكثر من مداخيلها بكثير خــال شهر رمضان وعيد الفطر، وغالبًا ما ينتهي الشهر بجيوب وأرصدة فارغة». وال يساعد ضعف رواتـــب التونسيني على اسـتـمـرار دورة اإلنــفــاق وتحريك الـطـلـب الــداخــلــي عـلـى امـــتـــداد الـسـنـة، فقد كشفت بيانات رسمية صادرة عن مـعـهـد اإلحـــصـــاء الـحـكـومـي أخـــيـــرًا أن
معدل الرواتب الشهرية لنحو 670 ألف تونسي يعملون في القطاع الحكومي ال يتجاوز شهريًا 1387 ديـنـارًا (نحو 450 دوالرًا) ينفقون %40 على الطعام والــتــنــقــل. وأبـــــرزت الـــدراســـة أن حجم الـــــزيـــــادات فــــي الـــــرواتـــــب الـــتـــي حـصـل عليها املوظفون خـال الفترة املمتدة بـــني 2015 2022و تـــقـــدر بـقـيـمـة 471 دينارًا ( حوالي 150 دوالرًا). ويحتاج تحقيق العيش الكريم ألسرة تونسية تـتـكـون مـــن أربـــعـــة أفـــــراد وفـــق دراســـة أجرتها منظمة «إنترناسيونال أالرت تونس» ومعهد الدراسات االقتصادية واالجــتــمــاعــيــة ومــؤســســة فــريــدريــش إيـــــبـــــرت (شـــــمـــــال أفــــريــــقــــيــــا والـــــشـــــرق األوســــط ـ مكتب تــونــس) فــي مـــارس/ آذار 2021 إلــــى مـــا ال يــقــل عـــن 2400 ديـنـار شهريًا. ويـرجـح تـاجـر اللحوم في سوق أريانة القريبة من العاصمة تــونــس، محمد الــكــوكــي، أن يتواصل إقفال السوق بعد إجــازة العيد لنحو 10 أيـــــــام ، مـــشـــيـــرًا إلــــــى أن مـــــن غـيـر املستبعد أن تـطـول لتصل إلـــى شهر فــي ظــل الــتــراجــع املـتـوقـع فــي الــشــراء. ويقول الكوكي في تصريح لـ«العربي الـــــجـــــديـــــد»: «ســـيـــكـــتـــفـــي الـــتـــونـــســـيـــون بــالــقــدر األدنـــــى مـــن حــاجــيــاتــهــم خــال املـــــدة الـــقـــادمـــة فــهــم مــنــهــكــون بـنـفـقـات رمضان والعيد، وسيكونون قريبًا مع موعد مع عيد األضحى». ويلفت تاجر اللحوم إلى أن الغاء كان قياسيًا هذا الـــعـــام، وأن األســــر جـابـهـت املـصـاريـف باالستدانة املفرطة، وهو ما يؤدي إلى هبوط الطلب بمجرد انقضاء مواسم االســـتـــهـــاك، حــيــث تــنــكــب األســـــر على سداد ديونها. ويضيف: «يعاني معظم الـــنـــاس صـــعـــوبـــات مـــالـــيـــة، فــقــد نـفـدت رواتـــــب شــهــري مــــــــارس/آذار وإبـــريـــل/ نيسان بالكامل في توفير احتياجات شـــهـــر الــــصــــيــــام والــــعــــيــــد، وســيــضــطــر الـتـونـسـيـون إلـــى انـتـظـار شـهـر مـايـو/
أيــــار لـلـحـصـول عــلــى مـــــوارد جـــديـــدة». وبعد منحى تنازلي للتضخم استمر أكثر من سبعة أشهر، استقر التضخم الـشـهـر املــاضــي فــي حـــدود %7.5 وفـق الــبــيــانــات الــرســمــيــة، فـــي حـيـنـا يشير مــــحــــلــــلــــون إلـــــــى أن نـــســـبـــة الـــتـــضـــخـــم الــواقــعــيــة تـــفـــوق هــــذه املــســتــويــات في ظــــل غـــــاء أســــعــــار الــــغــــذاء وغــــيــــره مـن املجموعات التي تستحوذ على النسبة األكبر من اإلنفاق. ويــــقــــول الـــخـــبـــيـــر االقــــتــــصــــادي خــالــد الـــنـــوري، إن تــهــاوي الـطـلـب بـعـد فترة ذروة يؤدي في الغالب إلى ركود مباشر فـــي األســــــــواق، حــيــث يــســاهــم اإلنـــفـــاق األســري بنحو %73 من الطلب الكلي. ويـوضـح الــنــوري لــ«الـعـربـي الجديد» أن الـــطـــلـــب يــــتــــراجــــع عـــقـــب كـــــل ذروة استهاك بنسبة ال تقل عن ،%30 الفتًا إلـــى أن الـــركـــود فــي الـحـالـة التونسية ال يــــؤثــــر عـــلـــى األســــــعــــــار، وال ســيــمــا املـواد الغذائية. وتؤثر مواسم الركود املــتــواتــرة، بحسب الـــنـــوري، فــي نسبة النمو االقتصادي العامة، لكنه يرجح انـــتـــعـــاش االســـتـــهـــاك مـــجـــددًا بـحـلـول املوسم السياحي وفصل الصيف. لكن النوري يلفت إلى أن اعتماد النمو على الـطـلـب املـحـلـي بـتـزايـد يـؤكـد هشاشة الوضع، خاصة في ظل غياب الرافعات األســــــاســــــيــــــة األخــــــــــــرى لـــلـــنـــمـــو وهــــي التصدير واالسـتـثـمـار. وبلغت نسبة النمو االقتصادي خال العام املاضي نـــحـــو ،%0.4 مـــتـــأثـــرة بــــأزمــــة جــفــاف متواصلة منذ خمس سنوات، أهلكت املحاصيل الزراعية، وسط توقعات أن يصل النمو خال العام الحالي 2024 إلـــى .%1.6 ودخـــلـــت الـــبـــاد فـــي ركـــود اقـــتـــصـــادي بــنــهــايــة ،2023 وعــــــاودت الـبـطـالـة االرتـــفـــاع إلـــى %16.4 مقارنة بــــــــ2.51% فـــي ،2022 فـــي حـــني يعيش أربعة مايني تونسي تحت خط الفقر، وفق البيانات الرسمية.