Al Araby Al Jadeed

التيار الوطني الشيعي

- أحمد سعداوي

نشرت مواقع تابعة للتيار الصدري صورة لتوقيع مقتدى الصدر تحت عبارة بخط يده «التيار الوطني الشيعي»، من دون مزيد من توضيحات، وسرعان ما اشتعلت مواقع التواصل في العراق بتعليقات وتغريدات (وحتى مقاالت) في محاولة لتحليل الصورة، التي فهمت عمومًا أنها إعالن عن عودة النشاط السياسي للتيار الصدري. شـــّرقـــت الـتـعـلـي­ـقـات املـــؤيــ­ـدة واملــعــت­ــرضــة وغـــّربـــت، وبـعـضـهـا ســخــرت مـــن اجـتـمـاع الــوصــف املــذهــب­ــي مــع الــوطــنـ­ـي. ولــكــن مــن يــحــاول فـهـم املـنـطـق الــداخــل­ــي لـأشـيـاء سـيـعـرف أنـــه فــي حـــال كـــان هـــذا املـسـمـى الـجـديـد إعـــالنّ عـــودة الـنـشـاط السياسي للصدر أو التجهيز لالنتخابات النيابية املقبلة، فإن املسميات ال تغير بشكل حاد مـن التركيبة الداخلية للتيارات السياسية املــوجــو­دة، ومنها الـتـيـار الــصــدري، وال تشي التسمية الـجـديـدة بـاخـتـالف فـي تـوجـهـات هــذا الـتـيـار األسـاسـيـ­ة واملـعـروف­ـة. هل هناك طرف سياسي في العراق ال يدين بالوالء لدولة خارجية أو على األقل ال يتأثر بضغوطها؟ ال يمكن تأكيد ذلك، ولكن هناك أطرافًا «تعلن» هذا الوالء والتأييد بشكل صـريـح، وفـــج أحـيـانـًا، وال تـحـاول التغطية عليه. ومــا بـني الـحـديـن (الـرفـض والوالء) هناك مساحة ضبابية تتقاطع فيها أشكال مختلفة من الوالء والتخادم مع دول عديدة، أبرزها إيران وأميركا. بشكل عام، قد يفسر الفاعل السياسي العراقي اليوم أن «الوطنية» تعني االعتراف بالظروف الواقعية التي تحيط بالعراق، وأن عليه أال يدفع إلى التصادم مع الدول املؤثرة، وأن يحاول اللعب معها في مساحة «املصالح املشتركة»، مع التفكير بتلك االستراتيج­يات التي تخفف بالتدريج من االعتماد على دولة بعينها من دون أخرى، في األمن واالقتصاد ودعم النظام السياسي. وسيتقاطع هـذا كله، بالتأكيد، مع مبدأ تسخير مصالح البلد ومقدراته للحاجات األمنية واالقتصادي­ة لدولة أخـرى، وتلقي األوامـر من هذه الدولة، والخضوع بشكل كامل لتصورها الخاص عن إدارة الصراع اإلقليمي والدولي الذي يلبي مصالحها هي ال مصالح الــدول الخاضعة لها. يتقاطع هـذا التصور البراغماتي للوطنية مع املحموالت األيديولوج­ية والعقائدية لغالبية التيارات السياسية الشيعية، وإن صح القول إن غالبية هذه التيارات لم تنفذ تصوراتها العقائدية في سلوكها السياسي على مدى العشرين سنة املاضية، واتخذت هذه التصورات مجرد مظلة وغطاء إلدارة مصالحها الضيقة، فإنها تبقى تصورات حاكمة على الفضاء العام، االجتماعي والسياسي، وتساهم في تضليل الوعي العام وحرفه عن املصالح الوطنية العليا. يتجلى هـذا التضليل بشكل واضــح فـي التخوين املعتاد واالتـهـام بـاالنـحـر­اف عن العقيدة ضد كل من ينتقد سلوك اإلسالم السياسي الشيعي. فهناك تصور حاكم عن الشيعية السياسية يحدد األدوار املتوقعة من الفاعل السياسي الشيعي يجب أال يـغـادرهـا، وإال كــان شيعيًا خائنًا أو «غير شيعي». وجـهـت هذه «الحاكمية الشيعية» أسلحتها السياسية واإلعالمية والدعائية، منذ تظاهرات أكتوبر/ تشرين األول )2019( على األقل، بشراسة وعنف ضد خصومها داخل املجتمع العراقي الشيعي تحديدًا، وارتكبت انتهاكات عديدة لحقوق اإلنسان، وكانت آخر صفحات هذه املواجهة هي مع التيار الـصـدري، ألنـه أراد تشكيل كتلة برملانية من بعض الشيعة (التيار الصدري)، وبعض األكراد (الحزب الديمقراطي الكردستاني)، وبعض السنة (تحالف السيادة)، عقب انتخابات أكتوبر .)2021( لو كان لهذا التحالف، الذي فشل ثم قاد التيار الصدري إلى االنسحاب من البرملان والعمل السياسي باملجمل، أن يتحقق ألبتعد خطوة عن التقسيمات الطائفية السياسية التي حكمت العمل السياسي في العراق منذ .2003 حيث يكون الجميع جزءًا من الحكومة، فهنا ستكون كتلتان؛ كتلة تشكل الحكومة وكتلة معارضة، وكال الكتلتني تضمان أطيافًا مذهبية وعرقية متنوعة. على األغــلــب، فــي حــال عــاد الـتـيـار الــصــدري إلــى الـنـشـاط الـسـيـاسـ­ي، وكــانــت هناك انتخابات برملانية مبكرة، من املتوقع أن يعيد الـصـدر، وبسهولة، إنشاء تحالفاته السياسية السابقة. ولكن، كي يضمن مشاركة أكبر للناخبني، قياسًا باالنتخابا­ت السابقة الضعيفة، عليه أن يصفي األجواء مع األطياف املدنية وغير اإلسالمية، ويرأب الصدوع التي حصلت بسبب «تظاهرات تشرين» ومشاركة الصدريني في قمعها، وأن يقوم بمراجعات جدية ملا حصل في السنوات السابقة، وينفتح على رؤى الوطنيني وتصوراتهم خارج األطر العقائدية واملذهبية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar