Al Araby Al Jadeed

في معاني الليلة اإليرانية

- أحمد جميل عزم

ســيــبــق­ــى رد طـــهـــرا­ن لــيــلــة األحـــــد الــفــائـ­ـت على قصف إسرائيل القنصلية اإليرانية فـي دمـشـق، يــوم األول مـن إبـريـل/ نيسان الــحــالـ­ـي، مـشـهـدًا فــارقــا فــي تــاريــخ الـشـرق األوســط؛ مشهدًا فريدًا، فيه غرابة وحتى طــــــراف­ــــــة، عـــلـــى أهـــمـــي­ـــتـــه. وبـــيـــن­ـــمـــا يــمــكــن لطهران وواشنطن واإلسرائيل­يني ادعــاء االنتصار، رغـم أنهم في خنادق متقابلة، سيؤكد املشهد أن منهج حركات التحرر في فلسطني، والعامل الذاتي الفلسطيني، فــي مـواجـهـة االحـــتــ­ـال، هــو األكــثــر تأثيرًا الذي ال يمكن تجاوزه، فيما باقي املواقف والقضايا متغيرة ونسبية. افتخر إيرانيون وهتفوا فرحا وبحماسة، فأسلحتهم (أكـثـر مـن 300 طـائـرة مسيرة وصواريخ سكود وصواريخ أرض أرض)، قــطــعــت مــســافــ­ة ألــــف كــيــلــو مــتــر لـتـضـرب إســـرائــ­ـيـــل. فـــي املــقــاب­ــل، تـفـتـخـر إســرائــي­ــل، ومـعـهـا الـــواليـ­ــات املــتــحـ­ـدة، أنــهــا أسقطت %99 مــــن األســـلــ­ـحـــة اإليــــرا­نــــيــــ­ة، وجــعــلــ­ت نتيجتها أقرب إلى صفر، ومنعت سقوط خـسـائـر فــي األرواح، بينما قتلت الـغـارة اإلســــرا­ئــــيــــ­لــــيــــ­ة فـــــي دمــــشـــ­ـق 16 شــخــصــا. أضـــحـــت املــــســ­ــيــــرات اإليــــرا­نــــيــــ­ة جــــــزءًا مـن الـتـرسـان­ـة الــروســي­ــة فــي أوكــرانــ­يــا، وهــذه «األسلحة الثاثمائة» لم تنطلق من إيران

وحـــدهـــ­ا، بـــل أيــضــا مـــن الــــعـــ­ـراق، ولــبــنــ­ان، واليمن، وسقطت في فلسطني ومحيطها، بما فـي ذلــك األراضـــي األردنــيـ­ـة، مـا يعني أن إيران قادرة على أن تقول إنها موجودة فـــي كـــل مــكــان غــربــا وشـــرقـــ­ا، لــكــنــه وجـــود غـيـر حــاســم، فـهـو ال يـحـقـق نـتـائـج كبيرة عسكريا. لم يحدث سابقا أن تناقل العالم خــبــر انـــطـــا­ق األســلــح­ــة مـــن بــلــد إلـــى آخــر وأنها تحتاج من خمس إلى سبع ساعات لتصل إلى أهدافها، وكأن الخبر يقول: على املستهدفني االستعداد وتفادي الخسائر. ... هــــــذا مـــشـــهـ­ــد فـــــريــ­ـــد، وجـــــــد­ه بـعـضـهـم طـريـفـا. فـــعـــاد­ة، تــكــون الـهـجـمـا­ت مفاجئة ومـبـاغـتـ­ة. بقيت إســرائــي­ــل مستيقظة مع كثير من الترقب والخوف بانتظار وصول ًّ املـسـيـرا­توالــصــو­اريــخ، وتـكـبـدت خسائر مالية ونفسية كبيرة. والـسـؤال هنا: هل سـبـب هـــذا الـــبـــط­ء عـجـز الــســاح اإليــرانـ­ـي وتـقـدم املنظومات الدفاعية اإلسرائيلي­ة األميركية؟ أم هو جزء من قواعد اشتباك بــ«خـطـوط حــمــراء» متفق عليها ضمنيا بــشــأن الـخـسـائـ­ر الــتــي يــســمــح لــكــل طــرف أن يــوقــعــ­هــا فـــي الـــطـــر­ف اآلخـــــر جـــــزءًا من استراتيجيا­ت الطرفني؛ اإليراني من جهة، واإلسرائيل­ي األميركي، من جهة أخرى؟ إسـرائـيـل­ـيـا، لطاملا كـانـت إيـــران موضوعا يـــــــثـ­ــــــار لــــــحــ­ــــرف االنــــــ­تــــــبــ­ــــاه عـــــــن املــــســ­ــألــــة الفلسطينية. فمثا، فـي خطابات رئيس الوزراء اإلسرائيلي، بنيامني نتنياهو، في الجمعية العامة لألمم املتحدة، يخصص جزء كبير للهجوم على طهران، ويتذكره (نــتــنــي­ــاهــو) الـــعـــا­لـــم وهــــو يــحــمــل صــــورة ترمز للقنبلة النووية اإليرانية املزعومة. ويـــــواص­ـــــل اإلســـرائ­ـــيـــلــ­ـيـــون الـــحـــد­يـــث عـن الخطر اإليراني، وأنه مبرر لتطبيع عربي إسرائيلي في مواجهة الخطر الفارسي/ اإليـرانـي/ الشيعي، مع تجاهل املوضوع الـفـلـسـط­ـيـنـي. وقـــد كـــان فـــي آخـــر تصعيد إسـرائـيـل­ـي مــع إيـــران حـــرف لانتباه عما يــحــدث فـــي قــطــاع غـــــزة، والســـتــ­ـعـــادة قـــدر من التأييد الدولي الغربي إلسرائيل بعد النقد املتزايد للجرائم اإلسرائيلي­ة في غزة والضفة. إيـــرانــ­ـيـــا، فـــــإن مـــواجـــ­هـــة إســـرائــ­ـيـــل، ودعـــم املــــــق­ــــــاومـ­ـــــة ضـــــــده­ـــــــا، جــــــــز­ء مــــــن شــــرعـــ­ـيــــة وأيــديــو­لــوجــيــ­ة الــنــظــ­ام اإلســـامـ­ــي فـيـهـا، ووسيلة للحصول على التأييد الشعبي داخليا وخارجيا. وتحكم سياسة طهران إزاء إســـرائــ­ـيـــل قــــواعــ­ــد؛ أولــــهــ­ــا الــواقــع­ــيــة الـــســـي­ـــاســـيـ­ــة الـــتـــي كـــثـــيـ­ــرًا مــــا تــطــفــو عـلـى السطح، فأحيانا يجري التفاهم وااللتقاء ضمنا أو صــراحــة مـع «األعـــــد­اء»، كما في صــفــقــة األســـلــ­ـحـــة األمـــيــ­ـركـــيـــ­ة إلـــــى إيـــــران بـــوســـا­طـــة إســرائــي­ــلــيــة فـــي الـثـمـانـ­يـنـيـات (إيـــران كونترا أو إيــران غيت) أو الصمت املتواطئ إيرانيا على الهجمات األميركية

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar