Al Araby Al Jadeed

إسماعيل هنيّة... وهذه النذاالت

- معن البياري

كانت محقة الغضبة الغربية العريضة من قتل جيش االحتالل ستة متطوعي إغاثة أجانب في غزة، يتبعون املطبخ املركزي العاملي. وال يمكن، في كل حال، غير التنديد الشديد بهذه الجريمة، ولكن شيئًا من العنصرية حف بتلك الغضبة، أغمضنا عنه عيوننا، نحن املغتاظني من كيل الواليات املتحدة وأمثالها بألف مكيال بشأن القتل اليومي في أهل غزة، غير أن إغماض الدول التي استفظعت الجريمة (وهي على حق في هذا) عيونها عن جريمة ليست أقل شناعة، أيامًا بعد تلك، وهي قتل ثالثة أبناء وثالث حفيدات وحفيد لرئيس املكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، لن يعني سوى العنصرية نفسها، ألن الصمت عن استنكار النذالة املوصوفة في استهداف هؤالء الشباب والصبايا، يكاد يصيرا تواطؤًا، سيما أن هذه الجريمة في يوم عيد املسلمني ارتكبها جيش القتلة بكيفية ال تغاير تلك التي أزهق بها أرواح املغيثني األجانب النبيلني. أما نذالة الذين طاملا ثرثروا عن فنادق الدوحة وإسطنبول التي يقيم بها أبناء إسماعيل هنية فال تستحق اكتراثًا بها. وعندما يقول هـذا املجاهد، الصبور الـزاهـد، إن دماء أبنائه ليست أغلى من أبناء شعب فلسطني، فإنه ال يحفل بهؤالء، وإنما يؤكد املؤكد عن قياديته، وعن حديدية أعصابه. كيف ال والرجل يشع ثقة بالنفس، ويقع من يجلس إليه على روح جسورة فيه، وينجذب املنصت إليه إلى رجاحة حجته. ولئن بخل عليه رؤساء ومسؤلون عرب في مواساته (حسنًا من محمود عباس اتصاله الهاتفي به) فإنهم بهذا أضافوا خدوشًا أخرى إلى صورتهم في أمتهم. والقول هنا، في هذا الزعيم النادر املعدن، إنه، بالذي بدا عليه، وهو يتلقى نبأ استشهاد أبنائه وحفيداته وحفيده، صنع لنفسه موضعًا جليال مرصعًا بالنور في التراجيديا الفلسطينية الطويلة. أيامًا قبل نذالة العدو في جريمة قتل حازم وأمير ومحمد وخالد ورزان ومنى وآمال، املوصولة دماؤهم بمن سبقوهم ومن تبعوهم من شهداء املقتلة الجارية في قطاع غــزة، أيامًا بعد نذالة العدو في جريمة قتل السبعة (ستة أجانب وفلسطيني) من املطبخ املركزي العاملي، شوهدت على الشاشات نذالة من جنس آخر: مشاركة رئيس دولــة االحـتـالل حاييم هـيـرتـزوغ، فـي إحـيـاء الـذكـرى الثالثني لـإبـادة الجماعية في رواندا، وراح ضحيتها نحو 800 ألف رواندي أغلبهم من التوتسي في عنف الهوتو. يدعى هذا الرجل إلى التظاهرة العاملية هذه، في كيغالي، من دون التفات من دعوه إلـى شراكته املباشرة في إبـــادة جارية في غــزة، وهـو صاحب القول إيــاه عن عدم وجود مدنيني أبرياء في القطاع، في ترخيص منه ملحدلة التمويت النشطة ضد شعب أعزل، وقد نال في هذا خزيًا ما بعده خزي عندما اعتدت جنوب إفريقيا في دعواها بكالمه هذا، بل أيضًا بصورته وهو يوقع على صواريخ إسرائيلية قيد اإلطالق ضد أطفال غــزة ونسائها ومشافيها وعموم ناسها. وهـنـاك، في البكائية الدولية أمام مركز كيغالي التذكاري لإبادة الجماعية، طالب املذكور بعدم «تسييس» اإلبادة،ّ أو التقليل من شأنها. ومن فائض النذالة وشناعتها أن أحـدًا من مستمعيه لم يعقب عليه، باألخذ بنصيحته النافلة هـذه، فيذكره بأنه ليس من «التسييس» في شيء استنكار حضوره، طاملا هو في منزلة الشريك ّفي اإلبــادة في غــزة، فضال عن أن الدولة التي يرأسها ويمثلها، واسمها إسرائيل، زودت الهوتو بأسلحة استخدمت في إبادة التوتسي، وأن املحكمة اإلسرائيلي­ة العليا منعت، في ،2014 أي إشهار في هذا الخصوص، وأمرت ببقائه «سرًا»، وإن من مفارقاته أنه ذائع!. قال الرئيس الفرنسي، ماكرون، في املناسبة نفسها في كيغالي، إنه كان في وسع بالده أن تمنع حرب اإلبادة في روانـدا، والقول منا إليه إنه كان في وسع بالده أن يكون لها موقف قوي ومسؤول وأخالقي من حرب اإلبـادة اإلسرائيلي­ة في غزة، بل إن افراطًا في النذالة تبدى في نعت رئيس الوزراء الفرنسي، غابرييل عتال، أمام البرملان، نوابًا طالبوا بوقف تصدير فرنسا أسلحة إلى إسرائيل، بأنهم «يدعمون إرهاب حماس»، ثم راح يرافع عن الدولة العبرية، من دون أي التفاتة منه إلى عشرات آالف املدنيني الفلسطينين­ي الذين سقطوا في حـرب اإلبــادة في غــزة، الحرب التي يشارك فيها جنود إسرائيليون بجنسيات فرنسية. أرطال النذاالت في العالم ثقيلة، أوجزت عن بعض منها السطور أعاله، غير أن جبال اسمه إسماعيل هنية ال ينفك يطمئننا بأن فلسطني أقوى، دائمًا، من أصحاب هذه النذاالت، أينما كانوا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar