مستلزمات تنظيف منزلية الصنع في غزة
قالوا قديمًا إن «الحاجة أم االختراع» وكل السلع مطلوبة في غزة حاليًا بفعل الحرب اإلسرائيلية المتواصلة، ما دفع كثيرين إلى التصنيع المنزلي
مـــــع تـــــواصـــــل إغــــــــالق املــــعــــابــــر مــــنــــذ بــــدء الــحــرب على قـطـاع غـــزة، كـانـت املنظفات من بني البضائع املفقودة، ومـع الحاجة امللحة ملـــواد التنظيف، لجأ البعض إلى صناعتها محليًا، وإن بكميات محدودة، وعــلــى األغـــلـــب داخــــل املـــنـــازل، وقـــد تعلم كـــثـــيـــر مــــن هـــــــؤالء طــــــرق الــتــصــنــيــع عـبـر مواقع التواصل االجتماعي، عــالوة على وجـــــود تـــجـــارب مـحـلـيـة قــديــمــة نــاجــحــة. بـــدأ أبـــو أيـمـن الـسـيـد 48( سـنـة) تصنيع املـــنـــظـــفـــات داخـــــــل مـــنـــزلـــه املــــتــــواضــــع فـي مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة، أمال فــي تلبية احــتــيــاجــات مــنــزلــه، ثــم توسع لـتـلـبـيـة احــتــيــاجــات الـــنـــاس فـــي منطقته الـــســـكـــنـــيـــة. يـــقـــول لــــ«الـــعـــربـــي الـــجـــديـــد»: «تعلمت تصنيع عدد من مواد التنظيف، وطــبــقــت تـــجـــارب عـــدة حـتـى وصــلــت إلـى صناعة عدد من املنتجات التي تستخدم فـــي املـــنـــزل بــشــكــل يـــومـــي، مــثــل صــابــون الجلي، ومسحوق غسيل املالبس السائل، ومنظف األرضيات، وملمع البالط، فضال عــن صــابــون االســتــحــمــام، والــكــلــور الــذي أنتجه عبر تحليل أقراص الكلور املركزة». يستعرض أبـو أيمن عــددًا من املنتجات الـــتـــي صــنــعــهــا داخــــــل الـــبـــيـــت فــــي أواٍن وقــواريــر مختلفة الحجم، والـتـي يعكف على توزيعها على الجيران واملواطنني مــقــابــل مــبــالــغ زهـــيـــدة مـــن املــــــال، مــؤكــدًا أن اإلقــبــال كبير عليها، فــي ظــل انــعــدام الــبــدائــل ونـــــدرة املــنــظــفــات الــتــي لـــم تعد تصل إلى القطاع منذ غلق املعابر، ومن بـيـنـهـا مـعـطـر مــالبــس بــرائــحــة جميلة، ويمكن استخدامه أيضًا لتعطير املنازل واألرضــــيــــات وغـــيـــرهـــا. يــضــيــف: «بــــدأت صنع بعض املنتجات قبل الحرب بشكل جــزئــي، وكـــان الــهــدف تـوفـيـر استهالكي املـــنـــزلـــي، ثــــم صــنــعــت مــــع مــــــرور الـــوقـــت مزيدًا من املنتجات، وكانت األمور أسهل فــي ظــل وجـــود املــــواد الــخــام الــتــي كانت متوفرة قبل بدء الحرب، ومن بينها مادة اإليتا، والصودا الكاوية، ومـادة اللبس، لـكـن هـــذه املـــــواد بــاتــت شـحـيـحـة حـالـيـًا، خصوصًا مع توجه كثير من املواطنني إلى صناعة املنظفات منزليًا». وعـن الصعوبات التي تواجهه مع شح املـــواد الــخــام، يـوضـح السيد أن «توقف شــركــة الــكــهــربــاء عـــن الــعــمــل مــنــذ بــدايــة الـــحـــرب يــعــتــبــر عــائــقــًا أســـاســـيـــًا، لكني أحـاول إيجاد بدائل من خالل استخدام الطاقة الشمسية، كما أحـــاول وضــع ما أصنعه في مخزن لضيق املكان، فأضع أربعة براميل أحدها يحتوي على سائل الغسيل، والثاني على الشامبو، وبرميل لسائل الجلي، والــرابــع ملعطر املـالبـس، وكــلــهــا صــنــاعــة مــنــزلــيــة، وأوزعــــهــــا في زجاجات املشروبات الغازية والعصائر الفارغة، والتي باتت نـادرة هي األخرى مع انعدام توفر هذه املشروبات». وتـــــنـــــتـــــشـــــر فــــــــي قــــــطــــــاع غــــــــــزة مــــصــــانــــع غـــيـــر قـــانـــونـــيـــة إلنــــتــــاج مــــــواد الـتـنـظـيـف والصابون، وجلها ال تلتزم باملواصفات واملــقــايــيــس املـــصـــرح بــهــا، كــمــا ال تـوجـد عليها أي رقابة مع استمرار الحرب. ويرى أحــمــد أبـــو عــــاذرة 55( ســنــة)، مــن مدينة رفـــح، أن صـنـاعـة مـــواد التنظيف محليًا خـــالل الــحــرب كــانــت بـمـثـابـة طـــوق نجاة
للمواطنني مع استمرار منع دخولها من املــعــابــر الــتــي تـفـتـح فــقــط لـــدخـــول بعض املـسـاعـدات املـــحـــدودة. أصـبـح أبــو عــاذرة يعتمد على صناعة منتجات التنظيف مـنـزلـيـًا، وهـــو يـبـيـع جــــزءًا مـنـهـا لتوفير قــــــوت يــــومــــه؛ مـــعـــتـــبـــرًا أن «الـــصـــنـــاعـــات املحلية أصبحت بديال أساسيًا، في ظل عـدم توفر كثير من املــواد، وأهـل غـزة من شعب الجبارين، وهم قادرون على إيجاد بــدائــل لكل شـــيء. أحـــاول تسويق بعض منتجاتي للجيران واألصدقاء واملعارف، والباقي أتجول ألبيعه، فالحياة صعبة في ظل غالء األسعار والدخل املحدود مع استمرار الحرب». وتقول منال سالمة 48( سنة) من مدينة دير البلح: «لم أجد بديال ملواد التنظيف ســوى املـصـنـوع محليًا، ورغـــم خشيتي من أضراره على البشرة، لكني اضطررت لــشــرائــه مــن إحــــدى الـبـسـطـات املنتشرة في مركز املدينة، واألسعار مناسبة إلى حــد مـــا، فــي ظــل غـــالء األســعــار املتفشي فـــي الــقــطــاع. أســمــع كــثــيــرًا عـــن األضــــرار الـصـحـيـة لــهــذه املـــــواد، لـكـن لـيـس لدينا خــــــيــــــارات أو بـــــدائـــــل أخـــــــــرى، فـــالـــحـــرب تـــجـــاوزت الـسـتـة أشــهــر، واملـــخـــزون نفد مـــنـــذ فـــــتـــــرة». بــــــدورهــــــا، تــــقــــول مــجــديــة الناعوق 50( سنة) لـ«العربي الجديد»: «كـــنـــت أشــــتــــري املــــــــواد الــــخــــام مــــن أحـــد الـدكـاكـني املنتشرة فــي الــســوق بأسعار رمــزيــة، وأصـنـع الشامبو بـطـرق بدائية من خالل خلط املاء مع مادة اإليتا وملح الــطــعــام أو الـــصـــودا الـــكـــاويـــة، وأتــركــهــا ملــــــدة نـــصـــف ســــاعــــة؛ مــــع إضــــافــــة مــــادة ملونة ومعطر، ثم تحريك الخليط قبل تعبئته في زجاجات العصائر الفارغة. لـــدي مــخــزون مــن الـشـامـبـو لالستخدام الــشــخــصــي، ولــيــس لـلـبـيـع، وفـــي بعض األحـــيـــان أوزع عـلـى الــجــيــران واملــعــارف في ظل انعدام إدخال مواد التنظيف من املعابر، وشحها في األسواق». وتـــقـــر الـــنـــاعـــوق بــــأن الــشــامــبــو املــصــنــع مـنـزلـيـًا جـــودتـــه أقــــل، لـكـنـهـا تـــؤكـــد: «أي شــــــيء مـــتـــوفـــر اآلن ســــيــــؤدي الــــغــــرض، فالقطاع محاصر، والحرب مستمرة، وال نعلم متى يتغير الحال، ونسأل الله أن تنتهي الحرب سريعًا».