عن الوظيفيين والمشروع الصهيوني

إذا كان من فضل يشكر عليه صاحب الدراسات املتخصصة في الصهيونية، الراحل عبد الوهاب املسيري، ويستحق به عالي التقدير، فهو استشرافه حالة لم تكن تخطر على بال أحد في زمانه، عندما تحدث مبكرًا عن «اليهودي العربي الوظيفي»، ويقصد به خدام إسرائيل واملشروع الصهيوني، من داخل البيئة العربية نفسها، وباألدوات العربية أيضًا، عن جهل باألشياء أو لغاية مريضة. وهؤالء عن قصد وعمد، أو عن جهل وسذاجة، نماذج وأشكال وفرادى وجماعات، مثبطة للعزائم ومعطلة كل جهد يسعى إلى تعزيز بنية املقاومة السياسية والشعبية بكل أشكالها، ومشككة في كل مجهود إلسناد الحق الفلسطيني. ليست األنظمة في البيئة العربية واإلسالمية فقط هي التي تؤدي هذا الدور الوظيفي الذي يخدم املشروع الصهيوني، تطبيعًا أو تواطؤًا، أو صمتًا وتخاذال على الجرائم واملجازر املروعة في حق الفلسطينيني، ولكن من يؤديه مجتمع ذو صلة بالرأي العام، من النخب والكتاب وفي اإلعالم، وجزء من املتلبسني للفكر الديني املسيج باملقوالت الفاسدة. دأبت هذه النماذج املعطوبة في تفكيرها، واملعطلة في فهمها السياقات واملرحلة، على استزراع التشكيك في املقاومة ككيان تارة، فما كان منها الخجل أن تقول إن حركة حماس كلها صناعة إسرائيلية، وتارة أخرى التشكيك في رجاالت املقاومة، ومن ذلك إشاعاتها أن أبناء رئيس املكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية، يتنعمون في فنادق خارج القطاع، حتى ظهرت الحقيقة أنهم بني أبناء شعبهم شهداء قبل وبعد. ليس هناك كثير من الفرق بني الشكوك التي عمدت إسرائيل إلى إطالقها بشأن عمل وكالة غوث وتشغيل الالجئني الفلسطينيني (أونروا)، وإزاء كامل الهيئات اإلغاثية واإلنسانية العاملة في قطاع غزة، والزعم أن «حماس» تستولي على املساعدات التي تصل إليها، وبني مواقف ال مسؤولة من أطراف جزائرية حتى، للتشكيك في جهود هيئات إغاثية جزائرية، وطرح أسئلة بالغة السذاجة عن كيفية تمكنها من إدخال املساعدات إلى غزة بطرق استدعتها ظروف املحنة وفرضتها استحقاقات إغاثة للشعب الفلسطيني والنازحني في غزة، على غرار جمعية البركة الجزائرية التي تواصل جهودها في القطاع. وزعمت تقارير زائفة أن واشنطن فتحت كتاب الجمعية بعدما اغتاظت من حضورها البارز... هل يمكن مالحظة أنها السردية نفسها بني الوظيفيني وإسرائيل، سردية واحدة تخرج من عقل مريض وجحر واحد.